رغم مباركة القوى الإقليمية والدولية الرئيسية؛ الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا ومصر لاتفاق الوفدين العسكريين الليبيين، على وقف إطلاق النار وانسحاب كل المرتزقة من ليبيا خلال 90 يوماً، يوم الجمعة 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بجنيف، فإن هناك تساؤلاً كبيراً حول إمكانية تنفيذ هذا الاتفاق، وما بعده، على الأرض، في ظل وجود قوى عسكرية كبيرة لم تشارك في الاتفاق، وهما حفتر والمرتزقة الروس.
فما العقبات التي ستواجه هذا الاتفاق؟ وهل أصبح خليفة حفتر وحلفاؤه تحت الضغط، أم أنهم في مركز قوة يجعلهم يقلبون الطاولة على المفاوضين؟
مرتزقة فاغنر بلا سيطرة
رئيس مؤسسة "أسطرلاب" للدراسات، عبدالسلام الراجحي، قال لـ"عربي بوست" إن أهم العراقيل التي قد تواجه الاتفاق هو مدى سيطرة الموقعين الممثلين لحفتر على المرتزقة، وخصوصاً الروس، في سرت والجفرة.
وأوضح أن سلوك فاغنر في ليبيا يعزز فكرة أنهم خارج سيطرة وإرادة خليفة حفتر، بل هم يأتمرون بأوامر روسيا، وهو ما أكده العديد من المسؤولين الأمريكيين، وآخرهم السفير الأمريكي في ليبيا، خلال اللقاء الصحفي الذي أجرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية اليومين الماضيين.
وكشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية في تقرير لها، أن حفتر بالنسبة للروس لعبة أكثر من كونه "لاعباً"، موضحة أن حفتر تلقى وعوداً من الروس لدعمه خلال الأشهر القريبة، لكنه لم يتلقَّ شيئاً باستثناء بعض المرتزقة، ولم يحصل على معدات أو أسلحة روسية.
ويرى مراقبون أن أهم عقبة تواجه نجاح الحوار العسكري هي أن الروس الذين يرون أن حفتر قد انتهت مهمته سيسعون لتسليح طرف ليبي جديد، قد يكون جهة قبلية أو سياسية أو هما معا؛ لاستعماله كشماعة للبقاء والتفاوض باسمه، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن الحوار يجب أن يشمل كل من يملك قوة وتأثيراً على الأرض.
لا ثقة في حفتر
أضاف الراجحي أن سلوك خليفة حفتر في حد ذاته، والدول الداعمة له، خصوصاً الإمارات، لا يدل على أي احترام للمعاهدات والمواثيق الدولية، وأن الإمارات وحفتر يعملان دائماً على زعزعة الأمن وإفشال أي عملية سياسية، من خلال خرق خليفة حفتر للهدنة في كل مرة يتحقق فيها توافق.
آخر هذه الخروقات كان قبيل مؤتمر غدامس، في أبريل/نيسان 2019، وخرق الإمارات لحظر توريد الأسلحة والمرتزقة لليبيا، رغم توقيعها على اتفاق برلين في العام الماضي، حيث ضاعفت وبشكل كبير جداً إمداداتها العسكرية لخليفة حفتر، بحسب التقارير الدولية والمحلية ومجلس الأمن.
وأكد العقيد طيار سعيد الفارسي نفس الرؤية، موضحاً لـ"عربي بوست" أن اتفاق لجنة 5+5 في جنيف هو اتفاق هش بسبب عدم الثقة في حفتر، وعدم قدرته على إنهاء وجود المرتزقة على الأراضي الليبية، إضافة إلى أن حفتر مجرد أداة ودمية في يد أبوظبي والقاهرة وباريس وموسكو، على حد تعبيره.
تبايُن الرؤية المصرية والإماراتية في ليبيا
وذكر عبدالسلام الراجحي أن تعدد الداعمين لخليفة حفتر سبب له الشتات في اتخاذ القرارات، إذ تضغط الولايات المتحدة الأمريكية الآن عليه لإيقاف إطلاق النار، وسحب المرتزقة من ليبيا خلال 90 يوماً، بصفتها داعماً أساسياً له. وفي الوقت ذاته لا يملك حفتر السيطرة على المرتزقة الروس لإخراجهم من ليبيا خلال الفترة المحددة.
وأشار إلى أن المصريين يرون أن عملية وقف إطلاق النار والذهاب للحوار قد تسهم في تحييد أو تقليل الوجود العسكري التركي على الأراضي الليبية، وذلك بوجود حكومة جديدة تمتلك قرار إلغاء الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا، وذلك بتمكين رئيس المجلس الرئاسي الجديد من صلاحيات تمكنه من عزل ليبيا عن تركيا، وتنفيذ الأجندة المصرية في ليبيا.
لكنه أشار إلى أن الإمارات ترى عكس الرؤية المصرية في المشهد الليبي، حيث تؤيد أبوظبي ضرورة الاستمرار في الصراع، وأنها تحتاج لهدنة قصيرة فقط حتى الانتهاء من الانتخابات الأمريكية، لأن أي صراع مسلح في ليبيا قد يؤثر ولو بشكل بسيط على ترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأشار إلى أن الأدوار التي تقوم بها الدول الداعمة لحفتر هي مجرد تكتيك سياسي، يخدم أجندتها، ويمكنها من التراجع عن مواقفها الحالية حال عدم حصولها على هذه الأجندات.
حفتر وحلفاؤه تحت الضغط
أوضح المحلل السياسي عمر التهامي لـ"عربي بوست"، أن هزيمة اللواء الليبي خليفة حفتر ومرتزقته في مناطق غرب ليبيا، يوم 6 يونيو/حزيران، جعلت القوى الإقليمية تسارع في طرح المبادرات السياسية لإنقاذ الموقف بعد فشل المشروع.
وتابع التهامي أن حفتر وحلفاءه أصبحوا تحت الضغط والخضوع للحوار بعد دخول الولايات المتحدة بالمشهد الليبي بقوة، وتحالف حكومة الوفاق مع تركيا، فيما اقتنع الأوربيون أخيراً، وعلى رأسهم فرنسا، بفشل حفتر وسقوطه؛ تمهيداً لإخراجه من المشهد السياسي في القريب العاجل.
وأضاف التهامي أن انطلاق جولات الحوار الليبي في عدة دول عربية وغربية لتحديد مسار الحل السياسي القادم، كان آخرها لقاء مباشر هو الأول من نوعه بين اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في مدينة جنيف السويسرية، برعاية بعثة الأمم المتحدة، جاء لوضع ملف إخراج المرتزقة، خاصة مرتزقة الفاغنر الروسيين الذين يحتلون مدينتي سرت والجفرة وبعض الموانئ والمنشآت النفطية.
سرت والجفرة منزوعتا السلاح
قال التهامي إن مطالبات نزع السلاح وإخراج كافة المرتزقة من سرت والجفرة والموانئ والحقول النفطية تتوافق مع دعوات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
وأوضح أن هذه الضغوط مستمرة لإجبار حفتر على إخراج المرتزقة الذين جلبهم خلال عدوانه على طرابلس، أبريل/نيسان 2019، وأن هذه الضغوط نفسها هي ما أجبره سابقاً على استئناف تصدير النفط والاستجابة للضغوط الأمريكية، كما جاء في بيان السفارة الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2020 الماضي، والتي كشفت عن التزام حفتر بإعادة ضخ النفط في موعد أقصاه يوم 12 من ذات الشهر.
وكانت الخارجية الأمريكية اتهمت مراراً روسيا بالسعي لخلق الفوضى، وعدم الاستقرار في ليبيا عن طريق ما وصفته بـ"أفعالها الخبيثة بتحريك مرتزقة الفاغنر للسيطرة على مناطق مهمه وسط ليبيا، والسعي لإنشاء منطقة نفوذ روسية على شاطئ البحر المتوسط".
حفتر في ورطة
يرى الناشط السياسي أبوبكر العبيدي من مدينة طبرق (شرق ليبيا)، أن اتفاق جنيف سيرى النور ويُطبق في حال إيقاع عقوبات مشددة على كل من يعرقل هذا الاتفاق، سواء أكانوا أشخاصاً أو مؤسسات، موضحاً أن هذا الاتفاق يعني بداية خروج حفتر من المشهد السياسي والعسكري الليبي بشكل تام، وهو ما لن يوافق عليه حفتر.
وتابع العبيدي إذا طبق مجلس الأمن عقوبات مشددة على كل من يحاول عرقلة الاتفاق، فهذا يعني أن خليفة حفتر في ورطة، بمعنى أنه سيكون خارج المشهد، وبذلك سيتعرض لعقوبات من مجلس الأمن والملاحقات القانونية.
وأشار العبيدي إلى أن انسحاب الفاغنر من الموانئ النفطية هو اتفاق مبدئي وليس نهائياً بين تركيا وروسيا لإعطاء فرصة لإنجاح هذا الاتفاق، "هذا يذهب بنا إلى أن الفاغنر ليسوا تحت إمرة القيادة العامة التابعة لحفتر"، على حد تعبيره.
وأوضح أن هناك احتجاجات لقيادات اجتماعية وعسكرية من إقليم برقة (شرق ليبيا)، على الأسماء المشاركة في حوار 5+5 التابعة لمعسكر الكرامة، كونها لا تحتوي على أحد من أبناء قبائل المنطقة الشرقية وعلى رأسهم قبيلة العواقير.
وأكدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، خلال لقائها مع السيدات الحزبيات، يوم الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن اتفاقية وقف إطلاق النار سيصدّق عليها مجلس الأمن، وستكون هناك عقوبات على معرقلي اتفاق وقف إطلاق النار من قبل مجلس الأمن.
وأوضحت ويليامز أن البعثة سوف تتعاون مع إدارة فيسبوك؛ لإغلاق كافة الحساب التي تبث خطاب الكراهية والتحريض الذي يؤجج الوضع في ليبيا.
اتفاق ناقص
عقيد طيار سعيد الفارسي قال إن ما ينقص اتفاق وقف إطلاق النار هو عدم نصه على تسليم خرائط زرع الألغام في طرابلس وسرت، وكشف المقابر الجماعية التي ارتكبتها ميليشيات حفتر، وتسليم المتهمين في جرائم حرب للمحكمة الجنائية الدولية.
شكوك تركية
يذكر القيادي في حزب العدالة والتنمية بيرول دمير، أن أنقرة ترصد التطورات الميدانية في ليبيا عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وستبدأ بالحديث بشكل أقوى في تصدير موقف يتبنى إبعاد خليفة حفتر عن المشهد الليبي في الفترة المقبلة.
وأكد أن هناك محاولات لإضعاف التأثير التركي في المعادلة على الساحة الليبية، وأن هناك أطرافاً مثل الإمارات ومصر وفرنسا تسعى لذلك "ليس في ليبيا وحسب، بل في القارة السمراء"، على حد تعبيره، وفقاً لتصريح صحفي.
ولفت دمير إلى أن هناك اتفاقاً لوقف إطلاق النار، لكن لا توجد حلول للمسائل الرئيسية التي تشكل الصراع الحقيقي على السلطة في البلاد، مشيراً إلى أن علامة الاستفهام الأكبر تكمن في كيفية إجراء انتخابات في بلاد تحكمها القبلية، إذ إن ما يقرب من 91 قبيلة بالبلاد تسعى للسيطرة فيما بينها.
جهود موسكو وأنقرة نجحت في وقف إطلاق النار واستئناف النفط
ومن جانب آخر، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إن الجهود المشتركة بين موسكو وأنقرة نجحت في وقف إطلاق النار في ليبيا واستئناف النفط.
وأضاف لافروف أن موسكو وأنقرة مستمرتان في العمل على تقريب مواقف طرفي النزاع في ليبيا، لبدء عملية التسوية السياسية، لافتاً إلى تقريب المواقف التفاوضية لإطلاق تحولات سياسية بناء على قرارات مجلس الأمن الدولي ومخرجات مؤتمر برلين.
وكان نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، ونظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، أكدا الخميس الماضي، أهمية أن يكون الحل السياسي للأزمة الليبية وفقاً لمخرجات مؤتمر برلين التي تبناها مجلس الأمن.
وفي سياقه رحب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بوقف إطلاق النار في ليبيا، مشدداً على ضرورة التزام جميع الأطراف بالاتفاق، ومغادرة جميع القوات الأجنبية البلاد في غضون 90 يوماً.