في حالة فوز جو بايدن بالرئاسة قد يتصور البعض أن بنيامين نتنياهو سيكون على رأس قائمة الخاسرين، لكن الحقائق الحالية في المنطقة قد تظهر نتيجة مغايرة تماماً، فرئيس الوزراء الإسرائيلي على الأرجح سيجني الكثير أيضاً.
مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "كيف يمكن لرئاسة بايدن المُحتَمَلة أن تضر نتنياهو.. وتساعده"، ألقى الضوء على تبعات التغير المتوقع في السياسة الخارجية الأمريكية حال خسارة دونالد ترامب في الانتخابات الجارية حالياً.

إذا فاز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية، الشهر المقبل نوفمبر/تشرين الثاني، كما تتوقَّع استطلاعات الرأي، فسوف يخسر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيراً، لكنه قد يجني شيئاً، حيث لم ينتفع أيٌّ من قادة العالم أكثر مِمَّا انتفع نتنياهو من رئاسة دونالد ترامب، الذي تخلَّى عن صفقة باراك أوباما النووية مع إيران، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وساعد إسرائيل في تطبيع العلاقات مع دولتين خليجيَّتين، وهي جميعها سياساتٌ عزَّزَت اليمين الإسرائيلي، كما أعلن البيت الأبيض يوم الجمعة، 23 أكتوبر/تشرين الأول، أن دولةً عربيةً ثالثة، وهي السودان، سوف تقيم علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل، رغم أن التفاصيل لا تزال شحيحة حول الأمر.
علاقات أمريكا مع إيران
وعلى النقيض، سيبحث بايدن عن طرقٍ من أجل إعادة الانخراط مع إيران في المشكلات النووية واستعادة علاقات واشنطن الثنائية مع منظمة التحرير الفلسطينية التي بخس ترامب من قدرها، ومن المُحتَمَل أن تمتلئ إدارة بايدن بصنَّاع سياساتٍ من عهد أوباما، أولئك الذين لا يزالون يحقدون على نتنياهو لتوغُّلاته في السياسة الداخلية الأمريكية، وقد تكون النتيجة نوعاً من التوتُّر المُتأجِّج بين إسرائيل والولايات المتحدة يُذكِّرنا بسنوات أوباما.
وقال دان روثيم، المُحلِّل المقيم في تل أبيب، الذي عمل مستشاراً للرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز: "وَصَفَ نتنياهو سنوات أوباما بالاضطرار إلى لعب اللعبة الدفاعية، والآن مع إدارة ترامب يمكنه الانتقال إلى الهجوم"، ما يعيد تشكيل معالم الصراع مع إيران والفلسطينيين. وأضاف: "أما مع إدارة بايدن فسوف يضطر نتنياهو إلى العودة إلى الدفاع".

لن تشتعل التوتُّرات بالضرورة على الفور، إذ يتمتَّع بايدن بعلاقاتٍ طويلة مع إسرائيل تعود إلى الاجتماع مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير في 1973، وأيُّ مفاوضاتٍ مع إيران سوف تستغرق شهوراً حتى تبدأ بشكلٍ جديّ، وسوف تكون مُعقَّدة بسبب الأحداث التي وقعت منذ تخلي ترامب عن الاتفاق النووي الإيراني في 2018.
إعادة الاتفاق النووي لن تكون سهلة
لقد فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ قاسيةً على إيران، وواصلت طهران تخصيب اليورانيوم في انتهاكٍ للاتفاقية الأصلية، وهي الاتفاقية مُتعدِّدة الأطراف التي حظرت على إيران تطوير سلاحٍ نووي لمدة 15 عاماً. ولم يزدد عدم الثقة من جانب واشنطن تجاه إيران إلا عمقاً.
وعلاوة على ذلك، لن يسعى بايدن ببساطة إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، الذي انتُقِدَ من جانب الجمهوريين وإسرائيل باعتباره "اتفاقاً سيئاً". قال مسؤول أمريكي سابق في السياسة الخارجية يدلي بمشورته لحملة بايدن إن العودة إلى الاتفاق سوف تكون "محطةً على الطريق" في اتجاه اتفاقيةٍ أطول أجلاً وأكثر صرامةً وتغطي نطاقاً أوسع من القضايا. سيسعى بايدن إلى إدراج قيودٍ على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية في اتفاقٍ جديد، وسيتعامل مع التدخُّل الإقليمي لطهران في لبنان وسوريا.
ويقول المُحلِّل إن تحقيق ذلك سيتطلَّب دقةً دبلوماسية بالغة، وقال راز زيمت، الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب: "يتحدَّث بايدن عن رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي، لكن من غير الواضح تماماً كيف سيفعل ذلك". وأضاف: "هناك الكثير من العقبات في طريق العودة إلى الاتفاق. وما دمنا لا نرى مفاوضاتٍ ملموسة بين إيران والولايات المتحدة فسوف تكون إسرائيل أكثر حذراً في ردِّ فعلها".

وبالفعل فإن أيَّ إشارةٍ إلى تنازلاتٍ من جانب الولايات المتحدة تجاه إيران، أو أيَّ تخفيفٍ للعقوبات من أجل العودة إلى التفاوض، ستشعل على الأرجح غضب نتنياهو وتجعل إسرائيل أكثر عزلة.
وقال مائير جافيدانفر، الخبير في الشأن الإيراني، الذي يدرِّس في المركز الإسرائيلي مُتعدِّد التخصُّصات: "أيُّ حكومةٍ إسرائيلية، سواء كانت تحت رئاسة نتنياهو أو المعارضة البرلمانية، لن تكون على خطى الولايات المتحدة في ظلِّ إدارة بايدن". وأضاف: "تريد إسرائيل أن تتواصل العقوبات. وهذا يعني أن إسرائيل ستكون وحدها في التعامل مع التهديدات التي تفرضها إيران في سوريا ولبنان، علاوة على التهديدات التي يفرضها برنامج الصواريخ الإيراني".
كيف سيستفيد نتنياهو؟
ومع ذلك، فإن الصدام مع واشنطن قد يقدِّم منافع لنتنياهو، إذ قد يفيده في صرف الانتباه عن محاكمته على الفساد ومشكلاته السياسية، وسوف يحفِّز الإسرائيليين على الالتفاف حوله، فخلال سنوات أوباما حضَّ نتنياهو المجتمع الدولي ضد إيران بدافعٍ من الغيرة الأيديولوجية، مُشبِّهاً إيران بألمانيا النازية، وبينما سار ذلك في اتجاهٍ مُعاكِسٍ لنهج أوباما البراغماتي في المنطقة، فقد ساعَدَ على توطيد قاعدة نتنياهو وتمكينه لتحقيق انتصاراتٍ انتخابية متتالية.
سيسمح استئناف التوتُّرات مع الولايات المتحدة لنتنياهو بتصوير نفسه باعتباره السياسي الإسرائيلي الوحيد الذي يتمتَّع بهذا النوع من العلاقات في واشنطن -مع الجمهوريين في الكونغرس، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، والمسيحيين الإنجيليين الموالين لإسرائيل- تلك العلاقات اللازمة للمحاربة من أجل اتفاقٍ جديد.

وقال دانيل أيالون، السفير الإسرائيلي السابق إلى الولايات المتحدة، إن نتنياهو سيُبلي جيداً إذا بدأ "من القلب إلى القلب" مع إدارة بايدن، وسعى إلى أرضيةٍ مشتركة بخصوص إيران بدلاً من إثارة المعارضة السياسية داخل أمريكا بشأنها، وقال: "لطالما كنت ضد محاولة السير على هذا الخط الدقيق بين الإدارة والكونغرس. لكن قرارات السياسة تُتَّخَذ بواسطة الإدارة". وأضاف: "الأمر الأعظم هو ضمان دعم الحزبين في الكونغرس".
وفي حين تستغرق الدبلوماسية مع إيران شهوراً من أجل أن تتطوَّر، فإن إسرائيل والولايات المتحدة قد تتصادمان في وقتٍ أقرب بكثير على السياسة تجاه الفلسطينيين، فقد خَدَمَت إدارة ترامب نتنياهو من خلال صياغة اقتراحٍ غير متوازنٍ للسلام مع الفلسطينيين، وتعيين أحد المستفيدين من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية سفيراً لها إلى إسرائيل، واتِّخاذ خطواتٍ أخرى لتقليص احتمالات قيام دولة فلسطينية.
ولا يُتوقَّع أن يجدِّد بايدن على الفور الدفعة من أجل اتفاقِ سلامٍ شامل كالذي سعى إليه أوباما من قبل، أو أن يطالب بتجميد الاستيطان. وقد قال إنه لن يتراجع عن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
ماذا عن السلطة الفلسطينية؟
لكن من المُتوقَّع أن يعيد بايدن النظر في قرار ترامب بخفض مستوى العلاقات مع الفلسطينيين. وقد خفَّضَ ترامب المساعدات الأمريكية إلى الحكومة الفلسطينية، وقَطَعَ تمويل هيئة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، وأغلق سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وألغى القنصلية الإسرائيلية في القدس، والتي كانت تعمل كبعثةٍ دبلوماسيةٍ منفصلة للفلسطينيين.

وقال باراك رافيد، المراسل الدبلوماسي لموقع Walla الإسرائيلي: "إن مثل هذه الأمور الصغيرة هي التي تخلق توتُّراتٍ كبرى". وأضاف رافيد أن إدارة بايدن ستقاوم إذا أعلنت إسرائيل خططاً ضخمة للتوسُّع الاستيطاني أو عرَّضَت استقرار السلطة الفلسطينية للخطر، وأضاف: "سيتعيَّن على نتنياهو أن يتخلَّص من سموم إدمانه لترامب. لقد جعلته هذه السموم يتخيَّل أنه رجلٌ خارق. من دون ترامب يبدو نتنياهو رياضياً توقَّف عن الستيرويدات، وعليه أن يركض بطاقته الحقيقية، وحتى أكثر المعتدلين حول بايدن لن يحتملوا نتنياهو".
وقالت كسينيا سفيتلوفا، العضوة البرلمانية الإسرائيلية السابقة من حزب العمل، التي تعمل زميلةً بمعهد ميتفيم، إن كلاً من ترامب وأوباما، بطرقٍ مختلفة ومنفصلة خاصة بهما، قد كسرا المعاهدات تجاه إسرائيل في صناعة السياسات الخاصة بالشرق الأوسط. وبينما يمثِّل بايدن الكثير من الأمور كالمعتاد فلا يزال يتعيَّن على نتنياهو أن يرسم مساراً جديداً مع الولايات المتحدة.