"بهذه القطعة الصغيرة المهربة يستطيع الصينيون أن يوجهوا صاروخ كروز نحو مؤخرة جمل من على بعد بضع مئات من الأميال"، تكشف هذه الكلمات كيف تمثل صناعة أشباه الموصلات الأمريكية أهمية بالغة للصناعات العسكرية لأقوى دولة في العالم.
قالها أحد رجال شرطة ولاية ماساتشوستس الأمريكية في فيلم The Departed، الذي أنتج عام 2006، عندما أطاحت شرطة ولاية ماساتشوستس بزعيم عصابة يهرب معالجات دقيقة أمريكية الصنع إلى الصين، كاشفاً عن أن هذه القطعة البلاستيكية الصغيرة التي تمثل نوعاً من المعالجات الدقيقة تساوي 100 ألف دولار.
ولكن وضع أمريكا أسوأ مما هو الفيلم، فمثل هذه التقنيات الحساسة لصناعة الأسلحة الأمريكية تصنع في الصين نفسها.
واليوم بعد أربعة عشر عاماً، أصبحت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في مجال تصنيع الإلكترونيات الدقيقة أكثر سخونة من أي وقت مضى، مع سعي الدولتين المتنافستين إلى استخدام تقنية الجيل الخامس والأسلحة التي تفوق سرعة الصوت والحوسبة الكمومية، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ولكن المفارقة أن صناعة أشباه الموصلات الأمريكية تعتمد على الصين بشكل كبير.
الكونغرس يحاول إنقاذ صناعة أشباه الموصلات الأمريكية واستعادتها للوطن
بالنسبة للمشرعين الأمريكيين، أصبحت إعادة بناء سلسلة التوريد المحلية للخامات المهمة -سواء كانت أشباه الموصلات أو العناصر الأرضية النادرة- جزءاً أساسياً من التنافس الاقتصادي والتكنولوجي مع الصين.
ولإعادة جذب بعض من صناعة أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة التي هربت في العقود الثلاثة الماضية إلى آسيا، وخاصة الصين، يلجأ المشرعون إلى المنح التحفيزية.
وهو ما بدأ في شكل عدة مشاريع قوانين منفصلة في الكونغرس وانتهى كقسم من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2021 (NDAA) الذي سيقدم للشركات ما يصل إلى 3 مليارات دولار لبناء مصانع جديدة لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة. ويأمل الكونغرس في الاتفاق على نسخة نهائية من مشروع قانون تمويل الدفاع قبل الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني والتصويت عليه بعد فترة وجيزة.
ولكن القانون لا يركز على الصناعات العسكرية
ولكن هناك مشكلة واحدة كبيرة، على حد قول الشركات التي تصنع أشباه الموصلات المتخصصة التي تستخدمها وزارة الدفاع الأمريكية، مثل الشركات المصنعة للرقائق المقواة بالإشعاع المستخدمة في الأقمار الصناعية الفضائية وأجهزة استقبال GPS المضادة للتشويش والمقاتلة F-35.
تزعم الشركات بأن اللغة الحالية لمشروع القانون تركز أكثر من اللازم على أحدث الرقائق التجارية وليس بدرجة كافية على الرقائق الخاصة بالتطبيقات ذات الطلبات الصغيرة التي يحتاجها البنتاغون لبناء أسلحة طاقة موجهة.
أكثر من اثنتي عشرة شركة -أقل اهتماماً بتشغيل الكمبيوتر المحمول الخاص بك وأكثر اهتماماً بما قد يوجه صاروخ كروز- تضغط على الكونغرس لتغيير صيغة مشروع قانون الدفاع لتشمل "أشباه الموصلات ذات المهام الحساسة والدفاعية" قبل الانتهاء من الصيغة التوافقية النهائية.
وستسلط هذه الإضافة الضوء على تصنيع وتكامل أشباه الموصلات المؤهلة من البنتاغون وتساعد في تأمين سلسلة توريد عالمية هشة بشكل متزايد. وقالت تلك الشركات إنه في غياب هذه الجملة المضافة، فإن سبل عيش موظفيها -حوالي 50 ألف وظيفة في جميع أنحاء البلاد- معرضة للخطر.
لكن برنامج الحوافز، على الرغم من كونه مدسوساً في مشروع قانون الدفاع، إلا أنه يُقصد به أن يكون إصلاحاً أوسع النطاق لعملية اختفاء صناعة الرقائق الأمريكية على مدى عقود.
وتهدف صيغة قانون تفويض الدفاع الوطني الحالية إلى تحسين سلسلة التوريد الأمريكية بالكامل لتصنيع أشباه الموصلات، على حد قول أحد الموظفين التابعين لعضو بالكونغرس مشارك في هذه العملية.
ورغم أن أعضاء الكونغرس يأخذون مخاوف الصناعات الدفاعية في الاعتبار مع الانتهاء من الصيغة النهائية من القانون، إلا أن الموظف قال إن إدراج "أشباه الموصلات ذات المهام الحساسة والدفاعية" قد يحد من مرونة الحوافز المقترحة للمنح.
المنح التي ستوزعها وزارة التجارة الأمريكية سيكون لها تمويل محدود. وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها Foreign Policy، فقد دعا العديد من أعضاء مجلس الشيوخ سابقاً إلى السماح بمبلغ 15 مليار دولار، لكن من المتوقع أن يتم تضمين المبلغ الإجمالي في الصيغة النهائية للقانون.
وتهدف صيغة القسم المضاف لقانون تفويض الدفاع الوطني إلى تجديد السلسلة الكاملة لتصميم وتصنيع أشباه الموصلات الأمريكية المتطورة، بحسب توضيح جيمس لويس، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مما يمنح الولايات المتحدة القدرة على لعب دور فعال ومتفوق في الاقتصاد العالمي الجديد. وقال إن إضافة المزيد من الصياغة المحددة إلى قسم أشباه الموصلات لتهدئة شركات الدفاع تخاطر بإضعاف هذه النية، حيث ستأخذ المزيد من الشركات شريحة من فطيرة واحدة.
نسبة أمريكا تتراجع من 37% إلى 12%، بينما الحصة الأكبر تنتج بآسيا
على مدى عقود، راقب المشرعون والقائمون على الصناعة والخبراء بقلق انخفاض حصة الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات العالمية، بينما ارتفعت حصة الصين. ففي عام 1990، كانت الولايات المتحدة تصنع 37% من أشباه الموصلات في العالم، وفقاً لتقرير سبتمبر/أيلول الصادر عن اتحاد صناعة أشباه الموصلات ومجموعة بوسطن الاستشارية. ويبلغ حجم الصناعة الآن 12% ومن المتوقع أن ينخفض إلى 10% بحلول عام 2030.
بحلول عام 2030، من المرجح أن تُنتج 77% من رقائق الحوسبة في آسيا، وبشكل أساسي في الصين وتايوان، بنسبة 24% و 21% من الحصة على الترتيب، بحسب التقرير.
وأشار خبراء الصناعة إلى أنه في حالة تفاقم التوترات بين الصين وتايوان، فإن صانعي أشباه الموصلات الأمريكيين، الذين يعتمدون على القطع التي تصنعها شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) وغيرها من المسابك في البلاد، سيعانون بشكل كبير.
وبدأت صناعة أشباه الموصلات التجارية في الاستجابة. فقد أعلنت شركة TSMC، التي تمتلك أكبر مسبك في العالم، أنها هذا العام ستستثمر 12 مليار دولار لبناء منشأة تصنيع جديدة في ولاية أريزونا الأمريكية.
وحالياً، توجد معظم منشآتها في تايوان، مع وجود اثنتين في الصين وواحدة في ولاية واشنطن بشمال غرب الولايات المتحدة. كما أعربت Intel عن اهتمامها بالعمل مع وزارة الدفاع الأمريكية لبناء مسبك جديد في الولايات المتحدة.
والبنتاغون أحد أسباب الأزمة
من المفارقات العجيبة أن الاحتياجات الدفاعية للولايات المتحدة هي أحد محركات هجرة صانعي الرقائق من أمريكا إلى آسيا.
وقال جون كوستيلو، نائب رئيس الشؤون الحكومية لدى شركة Microchip Technology، التي تطور دوائر لأنظمة الدفاع والفضاء، إن عدداً أقل من الشركات قادر على تلبية متطلبات وزارة الدفاع الصارمة للتصميم والتصنيع.
وأضاف أنه من المنطقي بشكل أفضل من الناحية المالية أن يخرج البعض من السوق ثم يتبنى "نموذجاً بلا منشآت تصنيع والاستعانة بمصادر خارجية للكثير من الأشياء حتى يتمكنوا من الاستمرار في هذه التطبيقات التجارية كبيرة الحجم".
وكوستيلو، تعد شركته جزءاً من مجموعة الضغط على الكونغرس التي تدعو لتغيير الصيغة، لمواجهة تهديد سلاسل التوريد الخارجية، حتى لو كانت في مكان ودود مثل تايوان.
وقال إنه إذا كان هناك اضطراب في تايوان، فستحتاج شركة Microchip Technology إلى العثور على مورد آخر لرقائق السيليكون لشرائحها الدقيقة، وسيتعين عليها إعادة تأهيل خط منتجاتها بالكامل.
ويعترف صانعو الرقائق الآخرون بأن إعادة التوطين ستعني تكاليف أعلى -ولكن أيضاً مرونة أكبر.
وقال تيري سبيتزر، الرئيس التنفيذي لشركة Global Technical Systems، الذي توفر شركته منتجات الأمن والأمن السيبراني للجيش الأمريكي وتدعو أيضاً إلى تغيير الصيغة، إن الصين تتمتع بميزة "العمالة الرخيصة جداً جداً"، ويجب إعادة التصنيع والتكامل إلى الولايات المتحدة.