لماذا تعزز إيران قواتها قرب منطقة الصراع الأذربيجاني الأرميني؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/25 الساعة 17:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/25 الساعة 17:44 بتوقيت غرينتش
رؤوساء إيران وروسيا وأذربيجان/رويترز

جاء تعزيز إيران لقواتها على الحدود مع منطقة الصراع الأذربيجاني الأرميني، بعد إعلان باكو تحرير حدودها مع إيران من القوات الأرمينية، ليثير تساؤلات حول الهدف من التحركات الإيرانية.

فهل جاء نشر هذه القوات رداً على الانتصارات التي تتحدث عنها أذربيجان وهل تحاول الضغط على باكو لصالح أرمينيا أم مجرد حماية لحدودها في ظل الأنباء عن تضرر مساكن مواطنين جراء القذائف التي تسقط من الصراع على أراضيها؟

تعزيز إيران لقواتها على الحدود مع منطقة الصراع الأذربيجاني الأرميني.. لماذا الآن؟

وأعلن قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد باكبور اليوم الأحد، عقب جولة تفقدية للمنطقة الحدودية، أن "نقل القوات البرية لجيش الحرس الثوري إلى المنطقة الحدودية، انطلق أمس السبت، وسيتم تعزيز القوات إذا اقتضت الضرورة".

وسقطت خلال الأيام الماضية عدة قذائف هاون وصواريخ على مناطق حدودية إيرانية؛ نتيجة تبادل إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا، حيث أدت هذه المواجهات إلى إلحاق أضرار ببعض المنازل للسكان الإيرانيين.

وقبل إعلانها الأخير تعزيز قواتها على حدود منطقة الصراع، قالت إيران قبل أيام إنها لن تصمت حال تكرار استهداف حدودها، بينما اعتبرت الولايات المتحدة تدخل تركيا بجانب "باكو" – العاصمة الأذربيجانية، يزيد من خطورة الوضع.

وحذر المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية العميد أبوالفضل شكارجي، الجمعة 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أذربيجان وأرمينيا، قائلاً إن بلاده ستتعامل بصرامة مع أي عدوان أو تهديد على حدودها.

كما أعربت الخارجية الإيرانية، عن أسفها لسقوط صواريخ على المناطق الحدودية للبلاد، وأكدت أن ذلك الأمر غير مقبول، نافية قيام قوات حرس الحدود الإيرانية بالرد على مصدر هذه القذائف، منبهةً في الوقت ذاته إلى أن أمن وسلامة المواطنين الإيرانيين في هذه المناطق "خط أحمر" وأن إيران لن تظل غير مبالية حيال هذه الانتهاكات.

الجيش الأذربيجاني حقق انتصارات مؤخراً/رويترز

ونشر الصحافي والمحلل العسكري الإيراني بابك تقوايي، السبت الماضي، مقطع فيديو عبر حسابه على "تويتر"، يظهر عشرات الدبابات وعربات المشاة القتالية مع الجنود تتوجه إلى شمال إيران إلى الحدود مع ناغورنو قره باغ.

وقال تقوايي: "وصلت للتو أكثر من 30 دبابة قتال رئيسية من طراز T-72M1 ومركبات مشاة BMP-2، إضافة إلى العديد من أنظمة مثل منظومة (خرداد 15) للدفاع الجوي، وصواريخ Tor-M1 أرض- جو، التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني ونشرها على طول الخط الحدودي مع أذربيجان".

والثلاثاء الماضي، سقطت طائرة مسيرة في قضاء "خدافرین" شمال غربي إيران، نتيجة المعارك التي يشهدها إقليم "قره باغ" المحتل، بين أذربيجان وأرمينيا.

جدير بالذكر أن 60 قذيفة صاروخية سقطت في منطقة "خدافرین" منذ بدء الاشتباكات الأخيرة في "قره باغ".

لن نقبل بتغيير الحدود الجيوسياسية.. ماذا يعني ذلك؟

ولكن اللافت أيضاً أن التحرك الإيراني جاء بعد إعلان الرئيس الأذري إلهام علييف الخميس الماضي سيطرة جيش بلاده على أكثر من 20 بلدة في ثلاث مناطق حول ناغورنو قره باغ، مؤكداً أنه تم ضمان السيطرة الكاملة على حدود الدولة بين أذربيجان وإيران عبر تحرير أغبند.

من جانبها، نفت وزارة الدفاع الأرمينية صحة تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف حول سيطرة قوات بلاده على الحدود الأذربيجانية الإيرانية في منطقة قره باغ.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأرمينية أرتسرون أوفانيسيان يوم الخميس، إن "هناك معارك ضارية على امتداد الحدود ولا يمكن الحديث عن السيطرة الكاملة".

وأكد أن الجيش الأذربيجاني يواصل عمليته كما هو مخطط له، مع توسيع نطاق المناطق المحررة.

وحقّقت أذربيجان مكاسب عسكرية خلال أكثر من ثلاثة أسابيع من الأعمال القتالية، وأقر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، أمس الأربعاء، بأن بلده يعاني "وضعاً صعباً" على الجبهة.

واللافت في تصريحات قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني قوله إن الهدف من نشر القوات، هو ضمان أمن وسلامة سكان المناطق الحدودية وإثبات وقوف إيران ضد تغيير الحدود الجيوسياسية.

ورغم عدم وضوح المعنى فإن التغيير الوحيد حتى الآن هو ما قالته أذربيجان عن تحريرها عدداً من القرى وتأمين حدودها مع إيران.

من الحياد إلى الدعوة للانسحاب الأرميني

فهل هذه التحركات الإيرانية موجهة للطرفين لمنع تضرر المناطق الحدودية الإيرانية من الحرب أم موجهة لأذربيجان تحديداً للضعظ عليها لقبول الوساطة الإيرانية المطروحة؟

ويتسم موقف إيران من الأزمة بأنه متذبذب وغامض، فتقليدياً هي حليف تقليدي لأرمينيا وتنذر بتوجس لصعود نجم جمهورية أذربيجان لعلاقتها الوثيقة بالغرب وإسرائيل وتركيا، ولكن الأخطر بالنسبة لطهران هو تأثير باكو على الأقلية الأذربيجانية الكبيرة لديها.

ولكن من الواضح أنه في الصراع الحالي تحاول إيران إظهار الحياد، حتى لا تغضب أقليتها الأذربيجانية (بل الشعب الإيراني كله باعتبار أن الأذربيجانيين شيعة مثل الإيرانيين)، حتى إن إيران نفت  بشدة سماحها بمرور الأسلحة الروسية لأرمينيا، بل وصل الأمر إلى إصدار ممثلي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في شمال البلاد بيانات تدعم موقف أذربيجان في الأزمة.

إيران.. تحذيرات ومبادرات

عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الإثنين الماضي عن قلق طهران إزاء "جلب من وصفهم بالمتطرفين"، حسب تعبيره، إلى أذربيجان وطالب باحترام كل من أذربيجان وأرمينيا للقوانين الدولية.

وقال خلال مؤتمر صحفي في طهران، إن بلاده "سترد على أي تعرض لأراضيها حتى لو كان عن طريق الخطأ"، وذلك بعد سقوط قذائف ومسيرات على القرى الإيرانية الحدودية منذ اندلاع الحرب في ناغورنو قره باغ.

يأتي هذا فيما أفادت منظمات حقوقية باعتقال العشرات في المحافظات التي يقطنها الأتراك الأذريون في شمال غرب إيران، إثر خروجهم في مظاهرات منذ أيام، خاصة في تبريز (أكبر مدينة أذرية في إيران) تأييداً لجمهورية أذربيجان وتنديداً لما يصفونه بدعم النظام الإيراني لأرمينيا في أزمة قره باغ.

كما اتهم الأذريون في إيران نظام طهران بـ"إرسال الأسلحة والذخيرة إلى أرمينيا"، وطالبوا بإغلاق نقطة "نوردوز" الحدودية التي يتم من خلالها نقل الأسلحة والذخيرة إلى يريفان، حسب تأكيدهم.

وسبق أن حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من خطر تحول صراع أذربيجان وأرمينيا إلى حرب إقليمية، وشدد على أنه من غير المقبول إرسال مسلحين من سوريا للحدود الإيرانية.

 وقبل أيام أكد وزير الخارجية الإيرانى، محمد جواد ظريف، لنظيره الأذربيجانى، جيهون بيرموف، فى اتصال هاتفى، استعداد "طهران" للمساعدة على حل النزاع فى "قره باغ".

وسبق أن أعلن سعيد خطيب زاده، الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في مؤتمر صحفي عقده الإثنين أن إيران "أعدت خطة مفصلة لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان" وهي "مستعدة لمناقشتها مع طرفي النزاع".

وأكد على أن إيران "أعدت مشروعاً تأمل في أن يساهم بوقف الحرب في أسرع وقت ممكن وفي ظل الحفاظ على سيادة أذربيجان على أراضيها وخروج القوات العسكرية وبدء المفاوضات والحوار".

وقال رئيس تحرير وكالة "ترند روفيز" الأذربيجانية، حافظ أوغلو، لموقع قناة الميادين المقربة لإيران، إن "إيران نعتبرها حليفاً استراتيجياً لنا، رغم أنها حليف استراتيجي أيضاً لأرمينيا"، مشيراً إلى أن باكو تنتظر من إيران تقديم مبادرتها "ليبنى على الشيء مقتضاه".

ماذا تريد أذربيجان وتركيا؟

يعلم الأذربيجانيون وحلفاؤهم الأتراك أنه لا يمكن حل المشكلة بالنزاع العسكري، ولكنهم يريدون وقف إطلاق نار يفضي لخارطة طريق تحل الأزمة وتنهي الاحتلال الأرميني للأراضي الأذربيجانية، وليس استمرار المفاوضات لأربعين عاماً أخرى على طريقة مجموعة مينسك، كما يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي هذا الإطار يقول رئيس تحرير وكالة "ترند روفيز" الأذربيجانية إنه "على أرمينيا الاختيار بين استمرار الحرب أو الانسحاب من الأراضي الأذربيجانية"، لافتاً إلى أنه "على أرمينيا تقديم برنامج لانسحاب قواتها من أراضي أذربيجان مع تحديد مداه الزمني".

الرئيس الأذربيجاني يستقبل وزير الخارجية التركي/رويترز

وقد يبدو من هذا أن فحوى المبادرة الإيرانية ليس بعيداً عن المطلب الإيراني، ولكن أرمينيا، لا تريد ذلك، وبالتالي فإن باكو تريد الضغط عليها للوصول لهذه النقطة، ولكن التفوق الأذربيجاني الذي يبدو واضحاً يقلق طهران، فكلما كان نجاح أذربيجان مدوياً، كان صداه قوياً على الأذريين داخل إيران، كما أنه يمثل نجاحاً، لمنافسة إيران الإقليمية تركيا (وفي عقر دار طهران).

فهل يأتي تعزيز الحرس الثوري لقواته على الحدود بداية لتدخله في الصراع كما فعل في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، خاصة بعد الأنباء عن اعتقال ناشطين أذريين، أم أن طهران مازالت متمسكة بدور الوسيط.

تحميل المزيد