تعهد وزير الداخلية الفرنسي المتشدد بما سماه "استئصال المتطرفين" بعد وقوع جريمة قتل في باريس. وبقوله إنه "يريد الحفاظ على تميز طريقة الحياة الفرنسية"، فهو يخاطر بظهور فكرة أنه لا يستهدف الإسلاميين فحسب، بل جميع المسلمين، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
وفيما تحاول البلاد الخروج من صدمة قطع رأس مُدرِّس في إحدى ضواحي العاصمة، أصبح الوزير جيرالد دارمانان، البالغ من العمر 38 عاماً، الواجهة العامة لحملة الإجراءات المشددة التي تثير مشاعر عدائية تجاه المجتمع الإسلامي ككل.
وقال دارمانان في أعقاب واقعة القتل: "فرنسا في حالة حرب. والسؤال ليس: هل سنشهد هجوماً آخر؟ بل: متى؟".
جدّه جزائري قاتل في صفوف الجيش الفرنسي
وفي ظل استعداد مارين لوبان التي تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف، لخوض معركة شرسة جديدة للفوز بانتخابات عام 2022، وبحث التيار اليساري عن بدائل جديدة عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يحاول ماكرون كسب الناخبين المحافظين. ففي يوليو/تموز، سلم حقيبة الوزارة الأمنية المهمة إلى دارمانان، الذي تنتمي أصول والدته لشمال إفريقيا ويحافظ على التزامه القوي بقيم فرنسا العلمانية.
وهذه الأفكار صاغها جده لأمه، المسلم الجزائري الذي يدعوه "بطل جمهورية"، لأنه قاتل إلى جانب الفرنسيين خلال "حرب الاستقلال"، وأهدى له مقالاً عام 2016 عن العلمانية والإسلام.
ويدعى الوزير باسمه الكامل: جيرالد موسى دارمانان، هو ابن جيرارد الذي كان مدير مقهى في مدينة فالنسيان، شمال فرنسا، وهو من أصول يهودية مالطية، وأمه كانت عاملة نظافة من أصول جزائرية، حيث كان والدها جندياً متطوعاً في الجيش الفرنسي.
وكان دارمانان قد قال في أول تغريدة له بعد إعلان تعيينه بمنصب وزارة الداخلية: "إنه شرف كبير، لحفيد مهاجرين مثلي، أن يُعين كوزير للداخلية في بلد جميل كفرنسا"، حيث يعترف الوزير أن مشواره الشخصي والعائلي لم يكن ليسمح له أن يحلم بتبوأ مناصب مرموقة في الجمهورية الفرنسية.
ربيب ساركوزي المتهم بالفساد
في هذا المقال، يمجّد دارمانان المفهوم "الفرنسي الخاص عن الدين"، وهو أن التعبير عنه يجب أن يكون خاصاً ومحفوظاً، بعيداً عن المجال العام. ويدافع عن فكرة الإسلام الذي ترعاه الدولة لمسلمي البلاد الذين يقدر عددهم بنحو 5 ملايين مسلم ويدعو إلى حظر الملابس التي "غالباً ما تُظهر التمييز ضد المرأة".
وبدأ دارمانان في سن 16 مناضلًا في حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الذي أسسه الراحل جاك شيراك بعد خلافه مع الرئيس جيسكار ديستان، وكان في بداياته على خط يميني محافظ يقترب من أفكار أقصى اليمين، لكنه مع الوقت تأثر بأفكار الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وأصبح يميل إلى التيار اليميني الليبرالي ولكن بعيدًا عن الجانب البراق من الساركوزية، حيث دافع عن اليمين الاجتماعي الذي ينتمي اليه اغلب الفرنسيين الذين يعيشون في المدن والقرى الصغيرة.
وفي سن الثلاثين أصبح جيرالد دارمانان نائبا عن اليمين المحافظ، وفي العام 2014 فاز بالانتخابات البلدية وأصبح عمدة لمدينة توركوان حيث عرف بجديته وطريقته المباشرة حتى في انتقاد زملائه من حزب اليمين المحافظ.
وقد سطع نجم دارمانان على الساحة الوطنية باعتباره ربيب الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي، فانتقد ماكرون خلال حملته الانتخابية، قائلاً إنه لا بد أن يخجل من وصفه استعمار فرنسا للجزائر بجريمة ضد الإنسانية وَوَصفه بأنه "سُمّ" للوطن.
غير أن ماكرون، بدلاً من معاداته، كافأ دارمانان بوزارة المالية، قبل أن يرقيه إلى منصب وزير الداخلية، رغم مزاعم اتهامه بالاغتصاب التي ظهرت عام 2009.
وخلال أيامه الأولى في المنصب، اتضحت نظرته للأمور بجلاء. إذ اجتمع بالشرطة لكنه تجاهل الجماعات المحلية التي تقلقها العنصرية داخل الشرطة. وقال إنه يريد "منع شرائح معينة في المجتمع من العودة إلى البربرية"، وهي عبارة عادة ما يستخدمها اليمين المتطرف للإشارة إلى الجاليات العربية والإفريقية بشكل مباشر.
"يحفظ جميع قصص القديسين المسيحيين"
حين انتشر خبر قطع رأس المدرس على شاشات التلفزيون الفرنسية، كان دارمانان بالفعل على متن طائرة عائدة إلى فرنسا، بعد قطعه رحلته إلى الرباط حيث كان يناقش الهجرة غير الشرعية مع المسؤولين المغاربة. وهرع إلى مسرح الجريمة ووقف إلى جانب ماكرون وهو يدافع عن القيم الفرنسية ووعد بأن "الإسلاميين المتطرفين لن يفلتوا".
ودارمانان يتمتع بثقة عالية بالنفس، حيث قال ذات مرة لموقع Bondy Blog الإخباري: "لا تساورني الشكوك حيال أي شيء. وهذا ليس غروراً مني، لكنني لا أفكر أبدًا فيما إذا كان ما أفعله سينجح. هذه الفكرة لا تدخل رأسي أبداً".
ويقول أصدقاؤه إنه "يحفظ قصص جميع القديسين المسيحيين وكلمات الأغاني الشعبية الفرنسية. ويغني في بعض الأحيان بطريقة عفوية دون موسيقى".
وهو لا يخشى "الغلو"، فهو يفتخر، على سبيل المثال، بأنه لم يكن خريجاً من جامعات النخبة في فرنسا رغم دراسته في معهد العلوم Po في شمال فرنسا وذهابه إلى مدرسة رفيعة المستوى في أرقى منطقة في باريس. وقد وصف والدته، الحارسة في بنك فرنسا، بأنها عاملة نظافة.
ويقول شخص مقرب من دارمانان إن الرأي العام جاهز لتلقي رسالته، لكن مراقبين يشككون في ذلك. إذ يقول بيير بيرنبوم، المؤرخ وعالم الاجتماع الفرنسي، إن توجهه يغض الطرف عن مدى تنوع البلاد. وقال: "كانت تسود فكرة أن فرنسا جمهورية موحدة، أكثر بكثير من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، لكنها على أرض الواقع تقبل بالفعل الكثير من التنازلات".
اتهامات بالاعتداء والتحرش الجنسي
وكانت محكمة باريس طلبت في بداية شهر يونيو/حزيران العودة إلى التحقيقات التي تستهدف الوزير دارمانان بشأن اتهامات بالاعتداء الجنسي والتحرش تعود إلى العام 2009.
وكان الوزير قد استفاد من الإخلاء وعدم المتابعة في العام 2018 بسبب نقص الأدلة، لكن محكمة النقض طلبت إعادة فتح الملف وهذا لم يكن عائقا بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون لتعيينه في وزارة الداخلية.
الوزيرة السابقة المكلفة بحقوق السيدات، لورانس روسينيول، اعتبرت أن تعيين دارمانان هو صفعة للنساء الفرنسيات اللواتي يتعرضن للعنف والتحرش الجنسي.