خاض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومنافسه نائب الرئيس السابق، جو بايدن، مناظرة محتدمة لكن منضبطة ليلة الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول، وهي المناظرة التي منحت الناخبين فرصتهم الأخيرة لتقييم أداء المرشحين في مواجهة بعضهما قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
خفَّف ترامب من حدّة أدائه المعتادة في المناظرة الأخيرة التي أُقيمت في ناشفيل، بولاية تينيسي، بعد أن أدى عرضه الفوضوي السابق خلال المناظرة الأولى في كليفلاند، بولاية أوهايو، أواخر الشهر الماضي إلى شعورٍ عام بالاستياء والانزعاج، حتى داخل حزبه، كما تقول صحيفة The Hill الأمريكية.
ومع ذلك، لم يكن ذلك ليُخلي المناظرة الأخيرة من مصادمات عديدة أخرى، مع نزوع المرشحين إلى تناول مسائل شخصية وتوجيه هجمات لاذعة شهدت تركيزاً على عائلاتهم وقضايا أخرى مثل العرق والسياسات المتعلقة بالهجرة.
إليك ملاحظات على هامش المناظرة الأخيرة للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020:
ترامب غيّر لهجته
شهدت مناظرة الخميس 22 أكتوبر/تشرين الأول أفضل سلوك لترامب على الأغلب. إذ بعد أداء فوضوي شهدته المناظرة الأولى وسلوك جعل كثيراً من المتابعين يعزفون عن استكمال متابعتها، جاءت مناظرة الأمس بمقاطعات نادرة من ترامب لمنافسه بايدن وبسلوكٍ مهذب حيال مديرة المناظرة كريستين ويلكر، الصحفية بشبكة NBC News.
كانت لجنة المناظرات قد تأهبت لاحتمالات أخرى، حيث أجرت استعدادات لإغلاق ميكروفونات كل مرشح حتى يتمكن منافسه من التحدث دون انقطاع خلال الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه.
ومع ذلك، فمن الواضح أن ترامب دخل هذا النقاش عازماً على منح بايدن مزيداً من الوقت للتحدث، وهي استراتيجية أمِل مستشارو ترامب في أن تكشف المرشح الديمقراطي باعتباره مرتبكاً أو عاجزاً عن متابعة سياق الحديث.
غير أن هذا لم يحدث حقاً. ففي حين كانت هناك لحظات بدا فيها بايدن مرتبكاً، كانت هناك لحظات أخرى جاء فيها أداؤه على قدر اللحظة والمواجهة، مثل استجابته العاطفية لسياسة إدارة ترامب المتعلقة بفصل الآباء المهاجرين عن أطفالهم على الحدود. لكن في العموم، من المحتمل أن يكون سلوك ترامب الأكثر هدوءاً قد ساعده إلى حد ما.
ويمكن القول إن ترامب بدا أكثر رزانة واستعداداً هذه المرة. كما بدا مرتاحاً، وهو مستمر في توجيه الهجمات لبايدن بخصوص قرارات عدة له خلال سجل خدمته الطويل في واشنطن، ودعمه السابق لمشروع قانون لمكافحة الجريمة في عام 1994 أدى إلى ارتفاع معدلات سجن السود، إضافة إلى أمور أخرى.
كل ذلك قد يجعل النواب الجمهوريين ينتهون من متابعة هذه المناظرة وهم يشعرون بقدر أكبر قليلاً من التفاؤل بشأن فرصهم، وإن كانت استطلاعات الرأي حتى الآن لا تزال تشي بأنهم عرضة لخطر كبير بمواجهة خسائر فادحة في 3 نوفمبر/تشرين الأول.
كلا المرشحين وجّه ضربات لخصمه
كلا المرشحين كان لديه لحظات قدم فيها أداء قوياً. ومن الطبيعي أن يذهب مؤيدو كل مرشح إلى أن مرشحهم كان هو الفائز الصريح بالمناظرة، لكن فيما يتعلق بالناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، يبدو من الصعب القول إن أياً من المرشحين تسيّد المناظرة على نحو واضح. حتى إنه في بعض الموضوعات الأكثر إثارة للنزاع بين الطرفين، تبدو النتيجة متعادلة بينهما إلى حد كبير.
فيما يتعلق بجائحة كورونا، على سبيل المثال، انتقد بايدن الرئيسَ الأمريكي لعجزه عن تحمل المسؤولية على نحو لائق ولعدد الوفيات الهائل في الولايات المتحدة. لكن ترامب دافع عن نفسه بطريقة أشد تركيزاً من المعتاد، مشيراً إلى أن هناك كثيراً من الدول الأوروبية التي تشهد أيضاً ارتفاعاً في معدلات الإصابة بفيروس كورونا، واتهم بايدن والديمقراطيين عموماً بأنه دائماً على استعداد كبير للسعي إلى إغلاق واسع النطاق.
من جانبه، سعى ترامب إلى وضع بايدن تحت الضغط بشأن نجله، هانتر بايدن، وتعاملاته التجارية. لكن نائب الرئيس السابق تصدى لهجمات ترامب بفاعلية من خلال تفنيد أي مخالفة مزعومة والإشارة إلى موقف ترامب طويل الأمد بالامتناع عن الإفراج عن إقراراته الضريبية. الشاهد من ذلك أن كلا الرجلين وجه ضربات قوية لخصمه، لكن أياً منهما لم يوجه ضربات قاضية.
ترامب كثّف هجماته على عائلة بايدن
شرع ترامب في مساعيه لتسليط الضوء على عائلة بايدن وتعاملاته المالية الشخصية قبل حتى أن يبدأ النقاش. دعا ترامب الملازم البحري المتقاعد والشريك السابق لهانتر بايدن، توني بوبولينسكي، ليكون ضيفه الخاص في المناظرة. ويبدو أن بوبولينسكي كان يدير أعمال هانتر بايدن في الخارج لبعض الوقت.
قال بوبولينسكي إنه اتخذ خطوات لتسليم وثائق إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي ولجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ لإثبات أن بايدن استخدم نفوذه السياسي، بوصفه نائباً للرئيس، لتأمين صفقات تجارية أجنبية.
ومع أن وسائل الإعلام التفتت بحذر إلى تلك المزاعم، فإن حملة ترامب حاولت فرض تغطية مكثفة لتلك المزاعم من خلال ترتيب مؤتمر صحفي لبوبولينسكي قبل المناظرة.
بيد أن بايدن فنّد تلك المزاعم، قائلاً إنه لم يختلس سنتاً من المال الأجنبي، وإن كل ما فعله ابنه كان على المستوى المشروع، ووصف مزاعم ترامب بأنه جزء من حملة تضليل روسية، كما عمد إلى تحويل الانتباه إلى تعاملات الرئيس الخارجية وإقراراته الضريبية.
تألق كريستين ويلكر في إدارتها للمناظرة
لم يكن مديرو المناظرات قد حظوا بوقت جيد خلال المناظرات الرئاسية هذا العام حتى تلك المناظرة. والدليل على ذلك أن غالبية الآراء ذهبت إلى أن كريس والاس، من قناة Fox News، فقد السيطرة على المناظرة الرئاسية الأولى، كما واجهت سوزان بيج، القادمة من صحيفة USA Today، انتقادات بكونها افتقرت إلى الهجومية في لقائها مع بايدن، وبالطبع لم يتمكن ستيف سكالي، من C-SPAN، من إدارة المناظرة الثانية التي أُلغيت.
لكن، وعلى الرغم من أن ويلكر، القادمة من شبكة NBC News، كانت قد تعرضت لهجمات مكثفة من ترامب في الأيام التي سبقت المناظرة، فإن أداءها خلال المناظرة كفل لها إشادة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى من الرئيس نفسه، للكفاءة التي أدارت بها المناظرة الأخيرة.
وتدور الإشادات حول أن ويلكر تحركت وضغطت على المرشحين على نحو نافذ في عدد من القضايا السياسية المهمة، دون أن يكون لها غرض في التطفل أو السعي إلى فرض نفسها نجمةً للعرض. لقد كان أداء ويلكر سلساً واحترافياً وزاد من الإعجاب به كونه أتى في مناسبة محمَّلة بالضغوط كهذه المناظرة.
هل قدم ترامب ما يكفي لتغيير مجرى السباق لمصلحته؟
أداء ترامب خلال المناظرة سيحظى بالإشادة، أقله من جانب الجمهوريين الذي كانوا متخوفين من أن يؤدي عرض آخر شديد العدوانية إلى إلحاق ضرر فادح بفرص الحزب الجمهوري في سباقات مجلس الشيوخ والكونغرس. لكن ما إذا كان ترامب قد فعل ما يكفي لتغيير مجرى السباق الرئاسي لصالحه، فهذا موضع شك كبير.
ذهب ترامب إلى المواجهة متأخراً بنحو 8 نقاط مئوية في استطلاعات RealClearPolitics الوطنية، ومتخلفاً عن منافسه في جميع الولايات الحاسمة تقريباً. ومع ذلك، فمن الصعب تحديد لحظة معينة في المناظرة الأخيرة يمكن القول إنها قد تحول مجرى السباق تحولاً جذرياً.
وربما يكون أفضل تعبير عن أداء ترامب في المناظرة قد جاء في تغريدة نشرها تشارلي كوك، مؤسس مركز The Cook Political Report، قال فيها: "بشرى سارة للرئيس: لم يؤذ نفسه بنفسه، على خلاف المناظرة الأولى. أما الأخبار السيئة، فهي أنه كان متأخراً بعشر نقاط ولم يتمكن من مساعدة نفسه أيضاً. السباق لم يشهد تغيراً حقيقياً".