تقترب اتفاقية الحد من الأسلحة النووية بين أمريكا وروسيا من نهايتها دون مؤشرات على تمديدها أو استبدالها، في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن تعزيز وجودها في شرق أوروبا، فهل يتجه العالم نحو سباق تسلّح نووي جديد؟
ماذا قال وزير الدفاع الأمريكي؟
في كلمة له أمام المجلس الأطلنطي في واشنطن، الثلاثاء 20 أكتوبر/تشرين ألأول الجاري، أكد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أن بلاده تعتزم تعزيز حضورها العسكري شرق أوروبا بسبب ما وصفه بـ"التهديدات" من جانب روسيا ونقل قوات من ألمانيا إلى دولة أقرب من الحدود الروسية.
وقال إسبر: "نريد تقليص حضورنا العسكري بألمانيا فقط، ولكن ليس في أوروبا بشكل عام.. ونحن بحاجة لإعادة نشر القوات؛ لأننا نعلم بالتهديدات المرتبطة بروسيا، التي يواجهها حلفاؤنا"، وأضاف: "نحن بحاجة إلى نقل القوات باتجاه الشرق".
حديث إسبر، الذي حدد فيه دول البلطيق وبولندا وبلغاريا ورومانيا كوجهة جديدة للقوات الأمريكية في حلف الناتو على الأراضي الألمانية والتي أعلن الرئيس دونالد ترامب سحبها، من المؤكد أن يثير غضب روسيا، حيث أضاف وزير الدفاع الأمريكي أن "الإدارة الأمريكية تدرس نقل فوج المدرعات الثاني، الذي يضم 4.5 ألف عسكري، من ألمانيا إلى دولة أقرب من روسيا"، مشيراً إلى أن "هناك إمكانيات لنشره بشكل دائم في رومانيا أو بلغاريا أو دول البلطيق".
توقيت مثير للجدل
ربما يقرأ البعض تصريحات إسبر في سياق السباق الانتخابي الشرس حالياً في الولايات المتحدة بين ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، خصوصاً أن وزير الدفاع أشار إلى نجاح إدارة ترامب في جهودها للدفع بالحلفاء في الناتو نحو زيادة النفقات الدفاعية لتصل إلى 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، وقال إنه "منذ عام 2016 حتى الآن زاد حلفاؤنا في الناتو من النفقات الدفاعية بمقدار 130 مليار دولار بفضل قيادة الولايات المتحدة"، مضيفاً أنه يتوقع أن يزداد هذا الرقم إلى أكثر من 400 مليار دولار بحلول عام 2024، وكشف أن "9 دول من أعضاء الناتو أوصلت نفقاتها الدفاعية إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي حتى شهر يونيو/حزيران الماضي، فيما كان عددها 5 دول فقط في بداية ولاية دونالد ترامب".
وبالتالي يرى البعض أن تصريحات إسبر هدفها داخلي بالأساس ويتعلق بالانتخابات، لكن البعض الآخر يرى أن مجرد تفكير الولايات المتحدة في نقل قواتها من ألمانيا إلى قرب حدود روسيا على الأرجح سيؤدي إلى ارتفاع مستوى التوترات بين حلف الناتو وروسيا إلى مستويات تذكرنا بأجواء الحرب الباردة.
وفي هذا السياق نشرت مجلة The National Interest الأمريكية تقريراً بعنوان "سباق تسلح نووي؟ هل تستطيع أمريكا وروسيا إنقاذ معاهدة ستارت الجديدة؟"، تناول قرب انتهاء معاهدة ستارت الحالية التي تم توقيعها بين واشنطن وموسكو ودخلت حيز التنفيذ 5 فبراير/شباط 2011 لمدة 10 سنوات، أي أنها تنتهي رسميا في 5 فبراير/شباط المقبل، دون أي مؤشرات على بدء التفاوض حول تمديدها أو استبدالها باتفاقية جديدة.
وكان ترامب قد أعلن من قبل أن إدارته غير مهتمة بتمديد معاهدة ستارت وذكرت تقارير أنه أعطى أوامره لاستعداد لتصنيع المزيد من الرؤوس النووية، وتم بالفعل رصد مئات المليارات من الدولارات لهذا الغرض، لكن روسيا أعربت عن أن الفرصة لا تزال قائمة لتمديد المعاهدة أو استبدالها بمعاهدة ستارت جديدة وقدمت بالفعل تصوراتها عن تلك المعاهدة الجديدة.
وقال روبرت ليتواك مؤلف كتاب "إدارة المخاطر النووية" للمجلة الأمريكية إن "اقتراح بوتين قد يؤدي إلى إفساح مزيد من الوقت للدبلوماسية"، مضيفاً أن "انتهاء معاهدة ستارت الجديدة يمكن أن يؤدي لعهد من سباق التنافس النووي دون قيود بين الولايات المتحدة وروسيا ستكون له تداعيات كارثية على العالم أجمع".
وبالتالي فإن تصريحات إسبر بشأن خطط لتمركز قوات أمريكية قرب حدود روسيا تأتي في توقيت خطير للغاية ولا تساعد على إفساح المجال للدبلوماسية، بحسب المراقبين، حتى وإن كانت لأغراض انتخابية مؤقتة وليست خططاً فعلية، وهذه النقطة تحديداً تناولتها المجلة الأمريكية في تقرير آخر لها بعنوان "روسيا تراهن على الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن السيطرة على سباق التسلح".
ما قصة ستارت الجديدة؟
معاهدة ستارت الحالية والتي ستنتهي رسميا في فبراير/شباط المقبل تنص على ألا أنه بعد مرور سبع سنوات على دخولها حيز التنفيذ -أي قبل 3 سنوات من الآن- لا يزيد ما يمتلكه كل طرف من الولايات المتحدة وروسيا من الصواريخ الباليستية النووية التي تطلق براً أو من خلال الغواصات عن 700 صاروخ جاهزة للإطلاق، و1550 رأساً حربية نووية فعالة.
ويمكن أن يتم الاتفاق على تمديد الاتفاقية لمدة لا تزيد على 5 سنوات أخرى بعد انتهائها مطلع العام المقبل، أي يمكن تمديدها حتى عام 2026 بموافقة الطرفين، وقد طالبت موسكو واشنطن أكثر من مرة بعدم تأخير المفاوضات للتمديد أكثر من ذلك، دون أن تبدي الولايات المتحدة الاستعداد للتمديد.
وقدمت إدارة ترامب منذ مطلع العام الجاري اقتراحاً لروسيا بأن تضغط على الصين كي تنضم لاتفاقية جديدة تضع قيوداً على الأسلحة النووية بين الدول الثلاثة وتحل محل معاهدة ستارت الجديدة، لكن موسكو رفضت الاقتراح الأمريكي على أساس أن ما تمتلكه بكين من أسلحة نووية بالفعل لا يمثل سوى "نقطة في بحر" مقارنة بما تمتلكه روسيا والولايات المتحدة.
وحالياً تمتلك روسيا العدد الأكبر من الأسلحة النووية في العالم بعدد 7300 سلاح نووي، تليها الولايات المتحدة بـ6970 سلاحاً نووياً، بينما تمتلك الصين 260 سلاحاً فقط، وإن كان عدد قليل من تلك الأسلحة الفتاكة يكفي لتدمير الكرة الأرضية.
وبالتالي فإن روسيا تضع آمالها على أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة -في حالة فوز جو بايدن- أكثر انفتاحاً على تمديد معاهدة ستارت أو استبدالها بمعاهدة جديدة تضع قيوداً على الأسلحة النووية بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم، لكن في حالة انتهاء المعاهدة الحالية مطلع فبراير/شباط المقبل دون تمديد أو توقيع معاهدة جديدة ستكون هذه أول مرة -منذ ستينات القرن الماضي- لا توجد أي معاهدة لمراقبة والسيطرة على الأسلحة النووية بين موسكو وواشنطن، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سباق تسلح نووي لا أحد يمكنه أن يتوقع تداعياته.