بينما انتفض النشطاء في العالم كله وليس الأمريكيون فقط، لمقتل المواطن الأمريكي الإفريقي جورج فلويد، فإن ردود الفعل جاءت ضعيفة على توجهات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقييد الحريات الشخصية للمسلمين في بلاده بدعوى محاربة الانفصالية، الأمر يثير تساؤلاً، مفاده: لماذا لايتعاطف النشطاء الغربيون مع المسلمين كما يفعلون مع الأفارقة؟
قد يكون مفهوماً أن تكيل الشعوب والحكومات بمكيالين، ولكن نشطاء المجتمع المدني الذين ينتمي أغلبهم إلى اليسار والتيار الليبرالي يبدو موقفهم غريباً، باعتبارهم يمثلون ضمير العالم الحي.
ففي وقت شيطنوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونراهم يهاجمون الصين على اضطهاد الإيغور، فإنَّ رد الفعل أقل بكثير في الحالة الفرنسية، رغم أنه داخل فرنسا اعتبر بعض اليساريين، مثل زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلينشون، توجه ماكرون معادياً للمسلمين.
لكن يظل رد الفعل من قِبل النشطاء محدوداً للغاية، رغم أن فعلياً القيود التي يريد ماكرون فرضها على مسلمي فرنسا، تمثل نموذجاً لانتهاكات حريات البشر، والسؤال: هل لو حدث العكس وفرضت دولة إسلامية الحجاب على مواطنيها، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ألن يشن هؤلاء النشطاء عليها هجمات ليلاً ونهاراً؟
أردوغان وماكرون
ويظهر النموذج الواضح في ازدواجية المعايير بين موقف النشطاء الغربيين، تجاه ماكرون والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ يهاجمون أردوغان، رغم أن تركيا التي يحكمها حزب إسلامي الجذور واقعياً، يتمتع فيها غير المحجبات بحقوق أو وضع اجتماعي أفضل من المحجبات، حتى إن هناك واقعة مشهورة أثارت الغضب بالبلاد عندما هاجمت ممثلة مشهورة محجبات في أحد المطاعم.
والأغرب أن قوى المجتمع المدني الغربية تتسامح مع المصطلح الذي يروجه ماكرون عن الانفصالية الإسلامية، التي يستهدف بها منع المسلمين من الحفاظ على قدر من هويتهم، رغم أن الحفاظ على الهوية ليس انفصالاً، واللفظ فيه تلاعب واضح، لأن الانفصال هو محاولة مجموعةٍ إقامة دولة مستقلة عن الدولة الأصلية، كما تشجع فرنسا وأوروبا الأكراد في شمال شرقي سوريا.
وبالتالي أصبح من حق ماكرون الحديث دون أن يزعجه أحد، عن الانفصالية الإسلامية، رغم أنه لفظ غير دقيق، ولكن ليس من حق تركيا التصدي لمحاولات الانفصال الكردية التي يقوم بها حزب العمال والتي أصلاً لا تلقى في الأغلب تأييد معظم الأكراد في تركيا (نسبة تصويت الأكراد لأردوغان وحزبه عادةً أعلى من إسطنبول)، أو أن تتصدى مع المعارضة السورية لهيمنة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أعضاء في حزب العمال الكردستاني (وفقاً لتقارير أعدها معهد كارنيغي)، والتي تهدد وحدة تركيا أو سوريا على السواء، بل إنها في أحسن الأحوال ستؤسس لدولة عنصرية في شمال سوريا، هرمها من الأكراد وقاعدتها من العرب.
ازدواجية فادحة
مبدئياً يظل هناك قدر لافت من التعاطف بين النشطاء الغربيين مع قضايا المسلمين لا يمكن إنكاره، كما ظهر في موقفهم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تعهد في حملته الانتخابية السابقة، بأنه سيمنع دخول المسلمين إلى أمريكا، وبالفعل منع دخول مواطني عدة دول مسلمة رغم الانتقادات الحادة من قِبل قوى عدة في الولايات المتحدة والعالم، كما أن هناك بعض الانتقادات الخفيفة في عدة صحف غربية لسياسات ماكرون.
ولكن فعلياً الضرر الذي يلحق بالمسلمين في فرنسا، بسبب سياسات ماكرون، أكبر بكثير من الضرر الذي لحق بهم من قِبل ترامب رغم وقاحة الأخير.
بعيداً عن التجميل يقول ماكرون للمسلمين في بلاده: إما أن تكونوا مسلمين متدينين وإما أن تكونوا مسلمين فرنسيين، وادعاء أن من حق الدولة التحكم في سلوك الناس لحماية العلمانية، ادعاء لا يختلف كثيراً عن استبداد الاتحاد السوفييتي السابق والصين الشيوعية.
فالعلمانية هي فصل الدين عن الدولة وليس التدخل في سلوكيات الناس، وتحديد ماذا يأكلون ومع من يستحمّون في أحواض السباحة، فهل العلمانية تعني تقييد أبسط الحريات الشخصية، أنها في هذه الحالة علمانية تمثل الوجه الآخر للتطرف الإسلامي الذي تمثله طالبان والسعودية وإيران.
قد يكون ما يفعله ماكرون هدفه الأول انتخابي، ولكنه في النهاية ليس غريباً على فرنسا، لأنه استكمال لأجندة تاريخية فرنسية يتداخل فيها بشكل غريب، الرهاب من الأديان مع الجذور الكاثوليكية للبلاد.
ولكن الأخطر هو الهوس بفكرة التجانس إلى الدرجة التي تجعل فرنسا أنجح دولة بالتاريخ في عملية الإبادة الثقافية مثلما فعلت مع شعوب بريتاني وأوكيتانيا (Occitan) والباسك، وهي أقاليم فرنسية تعرضت لعملية ممنهجة لمحو هويتها اللغوية والثقافية لصالح الثقافة واللغة الفرنسية، وهي إبادة اعترف بها بعض المسؤولين الفرنسيين بعد أن تمت بنجاح.
ولكن الغريب هو موقف النشطاء الذين خرجوا في الشوارع للتضامن مع الاحتجاجات على الأحداث العنصرية بأمريكا، (رغم ما شابها من عنف)، بينما لم يتحرك سوى قليل منهم للاحتجاج على ما يحدث في فرنسا وهي جريمة لا تختلف كثيراً عما يحدث من قِبل الصين مع الإيغور.
لماذا لا يتعاطف النشطاء الغربيون مع المسلمين كما يفعلون مع الأفارقة؟
يمكن إجمال سلسلة من العوامل التاريخية والأيديولوجية والسياسية وراء هذه الازدواجية.
الانحياز الأيديولوجي
عندما تأتي الانتهاكات من زعيم ليبرالي أو يساري يتم تبريرها أو التقليل من خطورتها خاصة عندما تأتي مشفوعة بتأكيد أنها لا تستهدف المسلمين بل حماية المسلمين من التطرف، أو أن الرئيس الفرنسي سيعلِّم المسلمين ما هو ملائم وغير ملائم من دينهم للثقافة الفرنسية، فلو صدرت القوانين نفسها من ترامب لهاجمه النشطاء على مستوى العالم بشدة.
فرغم أن أغلب النشطاء المتعاطفين مع الإسلام والمناهضين للإسلاموفوبيا هم من القوى اليسارية والليبرالية، فإن هذا لا يمنع أن الجفاء ضد التدين- لاسيما التدين الإسلامي (خاصة بعد وصمه بالإرهاب)- في بعض هذه الأوساط يجعل التعاطف مع الأحداث القائمة على العنصرية العرقية أكبر كثيراً، من التعاطف مع الأحداث القائمة على العنصرية الدينية، رغم أن كلاهما عنصرية.
كما أن هناك توجهاً في أوساط المحسوبين على اليسار، والليبراليين ينظر إلى التمييز على أساس عرقي على أنه يمس أمراً طبيعياً للبشر، وغير مكتسب، بينما التمييز ضد التدين الإسلامي ليس تمييزاً، بل هو أشبه بمحاولة لتقويم المسلمين عن أخطائهم.
قراءة مختزلة للتاريخ
فقطاع كبير من النشطاء الليبراليبن واليساريين ينطلق من قراءة التاريخ من خلال فكرة ضيقة، وهي أن كل ما هو ديني رجعي بالطبيعة وشرير ويؤدي إلى العنف والدموية، متجاهلين حقيقة أن فرنسا الجمهورية العلمانية كانت أكثر عنفاً ودمويةً في الداخل والخارج من الملكية الكاثوليكية الفرنسية، وأن حروب أوروبا في القرن العشرين، التي خيضت تحت راية القومية، أكثر عنفاً من كل حروب العالم في العصور التي كان يعلو فيها شأن الأديان، وضمنها حرب الثلاثين عاماً التي يُضرب بها المثل دوماً كحرب دينية مريرة.
بل إن المفارقة أن الثورة الفرنسية التي تستند إليها نخبة باريس في استعلائها على العالم بقيم الحرية والعدالة، هي التي كانت فاتحة الحروب التدميرية الشرسة المدفوعة بالروح القومية المتعصبة، بينما كانت الحروب بأوروبا في عصور الملكية المشوبة بالروح الدينية مجرد مناوشات بين المرتزقة، تحسم بخسائر بشرية محدودة.
والتعايش بين المكونات الأوروبية في عصور ما قبل القومية كان أفضل بكثير، من العصر الحديث الذي شهد حتى فترة الحرب العالمية الثانية وحروب يوغسلافيا في التسعينيات، عمليات طرد هائلة للسكان (لاسيما بين الألمان ودول أوروبا الشرقية) أو محو لهويات شعوب عدة (فرنسا)، وحتى في الشرق الإسلامي كانت نسبة المسيحيين كبيرة بين الأناضول تحت الحكم العثماني، ولكن في ظل الحكم العلماني الأتاتوركي تبادلت تركيا السكان مع اليونان في عملية مأساوية، حيث طردت أثينا أغلب مسلميها إلى تركيا حتى المتحدثين منهم باليونانية، وفعلت أنقره المثل مع نسبة كبيرة من المسيحيين لديها، وضمنهم المتحدثون بالتركية.
نعم هم نشطاء ولكن يظلون أبناء حضارتهم
يزداد الأمر سوءاً بالنسبة للإسلام، فإذا كان كثير من هؤلاء النشطاء لديهم نظرة سلبية للأديان والتدين بصفة عامة، عبر قراءة مختزلة للتاريخ، فإنهم كأبناء للحضارة الغربية يتشربون الصورة السلبية للإسلام تحديداً.
ورغم أنه يُفترض أن الليبراليين واليساريين يتخلّون عن هذه النظرة الضيقة، فإن ممارسات بعض المتطرفين المسلمين تجاه النساء والأقليات مضافاً إليها عدم فهم النشطاء الغربيين أو عدم تسامحهم مع أي موقف مختلف تجاه قضايا المرأة أو المثليين على سبيل المثال، تجعل الإسلام أو المسلمين المتدينين في أدنى درجة في تصوراتهم لسُلم الرجعية والتقدمية.
الحجاب دليل على اضطهاد المرأة
فبالنسبة لقطاع من النشطاء فإن المتدينين عامة- لاسيما المسلمون (خاصةً أنهم إسلاميون مشتبه فيهم، إذ يظن البعض أن الحجاب مرتبط بالإسلاميين فقط)- خصوم أيديولوجيون، في المقابل فإن كفاح الأفارقة أيقونة يسارية وليبرالية (لحسن الحظ تمثل القضية الفلسطينية أيقونة مماثلة لليسار خارج أمريكا).
فأغلب النشطاء يفترضون (دون دليل غالباً)، أن الحجاب مؤشر على اضطهاد المرأة وأنه مفروض على النساء المسلمات، ويحاول الأكثر تعاطفاً مع المسلمين منهم تأكيد أنه ليس رمزاً إسلامياً (تحولوا إلى مفتين دينيين)، الأهم أن البعض لا يحاول النظر بشكل مختلف، إلى منطق بعض المسلمين المتدينين في أن الملابس المبالغة في تحررها هي التي تمثل شكلاً من أشكال استغلال المرأة.
ولا يحاولون النظر إلى أن الضغوط الاجتماعية والقانونية التي تمارس على المرأة المحجبة هي تمييز ضدها، واضطهاد بين.
"لقد غزوا بلادنا من قبل، ولكن الأفارقة لم يفعلوا"
العلاقة بين المسلمين لا سيما العرب والأتراك، والأوروبيين مختلفة نسبياً عن علاقة الأوروبيين بالشعوب الأخرى.
فتاريخياً كان العرب ثم الأتراك هم العدو والند للغرب، وبينما كانت الشعوب الإفريقية والآسيوية غالباً هي ضحية للاستعمار الأوروبي.
فالأتراك والتتر والعرب، كان الصراع بينهم وبين الغرب سجالاً، كما أن المسافة اللونية والشعورية محدودة (والحقيقة، في فترات كثيرة كان العرب والأتراك يتعاملون مع الأوروبيين بمنطق فوقي).
ومع أن هذا خلق نديَّةً بين الجانبين حتى في فترات الاستعمار، إذ لم يصل تبجُّح العنصرية الغربية ضد العرب في ذروة الاستعمار إلى ما حدث في إفريقيا والهند (نتحدث عن العنصرية وليس الدموية).
إلا أن هذا كانت له نتيجتان سلبيتان بالنسبة لليمين واليسار في الغرب.
بالنسبة لليمين فإنه يرى العرب والأتراك المسلمين تحديداً نداً ومنافساً، ورغم حال العرب المتداعي فإن التاريخ والقرب الجغرافي والهجرة الكثيفة تتيح الفرصة لاستعادة الروايات الخرافية المحتملة عن التسلل أو الغزو الإسلامي لأوروبا والذي كان يروج له بعض المفكرين ذوي الأجندة مثل المؤرخ اليهودي لويس برنار (الذي كان يقول إن فرنسا سوف تصبح جزءاً من شمال إفريقيا).
وبالنسبة لليبراليين والعلمانيين المتطرفين الغربيين، فإن العرب والأتراك المسلمين عبر تمسُّكهم بهويتهم نسبياً مقارنة بالأقليات الأخرى يمثِّلون ضربة لتصوراتهم للإنسان المتعولم ذي الثقافة الغربية العلمانية، فكثير من هؤلاء ليس عنصرياً من الناحية العرقية، ولكنه عنصري من الناحية الحضارية، فلا يرى سوى حضارة الغرب، ولأنه ينطلق من مُسلَّمة تقول إن الحضارة الغربية هي الأكثر تفوقاً، فلا يتصور أن هناك أناساً أسوياء يحاولون التمسك بنموذج مختلف لو جزئياً.
كما أن كثيراً من القوميين الأوروبيين الأكثر اعتدالاً والبراغماتيين، لا يرفضون الهجرة، لأنهم يعلمون أنها ضرورة اقتصادية مفيدة للغرب، ولكنهم يفترضون أن الهجرة العربية المثالية هي تلك المماثلة لتلك التي حدثت من دول جنوب وشرق أوروبا إلى شمالها وغربها، حيث نسي ملايين الإيطاليين والإسبان والبولنديين والروس جذورهم بعدما هاجروا إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وأصبحوا لا يحملون من أوطانهم الأصلية إلا الجينات وأسماء الجدود.
بالنسبة لهؤلاء المهاجرون يجب أن يكونوا خلايا بيولوجية لا إرث لها.
دور المسلمين في التسبب بضعف التعاطف معهم بالغرب
ولكن هناك إشكاليات تتعلق بالمسلمين أيضاً، منها تأثير الجرائم التي يمارسها الإرهابيون على صورة المسلمين (رغم أن هناك عشرات من الدراسات الغربية تشير إلى أن أغلب المسلمين، وضمنهم المتدينون، يرفضون الإرهاب ويؤيدون الديمقراطية).
كما أن هناك بعض السلوكيات لبعض المسلمين المتدينين أو بعض المتدينين التي كثير منها لا علاقة له بالإسلام أو على الأقل ليس من ثوابت الإسلام، تستفز الغربيين، إضافة إلى بعض السلوكيات غير الحضارية التي من الطبيعي أن تصدر من مجتمعات العالم الثالث.
كما أن بعض النشطاء الإسلاميين المحسوبين على السلفية الجهادية استغلوا أحياناً مساحة الحرية في الغرب للترويج لأفكار متطرفة (الحقيقة أن كثيراً من الدول الغربية تركت متطرفين متهمين بالإرهاب يسرحون في أراضيها ولم تسلّمهم إلى بلادهم أو تحدّ من حركتهم، إلا بعد أن بدأ الإرهاب ينتقل إليها).
كما أن محاولة تيار الإسلام السياسي إقامة بنية تنظيمية موازية في الغرب، أصبحت غير مقبولة لدى كثير من هذه الدول، خاصةً فرنسا التي تمثل العلمانية والتحالف مع المستبدين العرب السمة الرئيسية لسياستها حالياً.
علماً بأن السياسة الفرنسية في عهد الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي، شجعت اتحاد المنظمات الإسلامية المحسوب على فكر الإخوان المسلمين، (أصبح الاتحاد عضواً في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أسسه ساركوزي)، لأنه كان يعلم أن مثل هذه التيارات ستمنع انضمام قطاع من الشباب الفرنسي إلى السلفية الجهادية، (الاتحاد طالب مؤيديه خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة باختيار ماكرون)، كما أنه في عام 2005، نشر أن هذا الاتحاد فتوى تدعو المسلمين إلى الهدوء خلال أعمال الشغب في الضواحي.
فجزء من الأزمة التي تجعل المسلمين لا صوت لهم في الغرب، أن نسبة كبيرة من النشطاء المسلمين بالغرب محسوبون على الإسلام السياسي، ويظل هؤلاء- حتى المعتدل منهم- بعيدين عن المجتمعات الغربية ويصعب أن يصبحوا جزءاً من النخب السياسية أو المجتمع المدني، وتستغلهم الحكومات الغربية لمنع تحوُّل الشباب إلى السلفية الجهادية أو السيطرة على المجتمعات الإسلامية، خاصةً في حال وقوع أي أعمال شغب (غالباً تكون عفوية ولا علاقة للإسلاميين بها)، ثم تنقلب عليهم عادة إذا شعرت بقوة تأثيرهم وعدم الحاجة لهم مثلما فعل السيد ماكرون.
في المقابل فإن النخب العربية غير المحسوبة على الإسلام السياسي في الغرب أو بالأخص المقربة للقوى الليبرالية واليسارية، يخلط بعضها بين العداء الأيديولوجي الذي تكنه للتيار الإسلامي في مواطنهما الأصلية، وواجبها في حماية حقوق المسلمين، وضمنها حريات المسلمين الدينية.
كما أن الدفاع حقوق المسلمين الدينية تحديداً يبدو يضر بمحاولة هذه النخب الليبرالية العربية والمسلمة التي تعيش في الغرب للاندماج وإثبات صدق علمانيتها.
فوصمة الدفاع عن الحجاب على سبيل المثال، قد تراها بعض هذه النخب عائقاً أمام اندماجها المثالي في المجتمعات الغربية، خاصةً فرنسا التي لا يتصور مثقفوها فكرة أن يدافع مثقف عاقل عن الحجاب.
يبدو الدفاع عن حقوق المسلمين الدينية أمراً رجعياً للغاية لكثير من النشطاء العرب والغربيين على السواء، بينما إدانة العنصرية ضد الأفارقة في أمريكا، هو نموذج للتقدمية، وكأنهم يخلقون عنصرية جديدة داخل الصف الذي يفترض أنه مناهض للعنصرية.