بعد أن أدت حكومة رئيس الوزراء الأردني الجديد بشر الخصاونة، اليمين الدستورية أمام العاهل الأردني، تدور الكثير من التساؤلات حول المهام الأساسية التي كُلف بها الرجل، وما إذا كان قادراً على إتمامها في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها الأردن داخلياً وإقليمياً.
ويبدو أن الأردن مضطر إلى السير نحو استحقاقات مرحلية سيدفعها في المرحلة المقبلة، في ظل المنعطف الكبير الذي تسير إليه المنطقة، وإصرار الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة دونالد ترامب على تجاوز النظام الأردني، الذي أصبح في نظر أمريكا وإسرائيل يُشكّل عقبة مصالحها في المنطقة، خصوصاً في ظلّ إصرار الملك عبدالله على عدم تمرير صفقة السلام الأمريكية بصيغتها الحالية.
كل هذه المتغيرات جعلت العاهل الأردني يميل إلى تعيين رئيس الوزراء بشر الخصاونة رئيساً للوزراء لمواجهة هذه الاستحقاقات، التي يبدو أن الأردن مضطر لتمريرها، ومن أبرزها صفقة القرن.
الخروج بأقل الخسائر
أوضحت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن اختيار العاهل الأردني للخصاونة جاء على حساب مرشحَيْن آخرين، هما حسين المجالي ووليد المعاني.
يتميز حسين المجالي بأنّه شخصية عسكرية أقرب إلى التصادم، ويفتقد للحنكة السياسية، لكنه يتمتع بخطاب شعبوي يجعله قريباً من الشارع، وهو ما جعل الملك يفكر فيه كخيار أول، لمواصفاته القادرة على امتصاص غضب الشارع الأردني، وقدرته على إعادة الشعبية من جديد للملك الأردني التي تراجعت مؤخراً.
لكنّ الملك رأى في النهاية أنّ استحقاقات المرحلة المقبلة تقتضي تصدير شخصية دبلوماسية أكثر منها عسكرية وشعوبية قريبة من الشارع. بينما جاءت شخصية المرشح الثاني وليد المعاني بعيدة عن العمل السياسي والأمني، فهو طبيب، وبالتالي اختياره في ظل المرحلة غير مجدٍ للتعامل مع المرحلة المقبلة.
صفقة القرن.. البحث عن الحلول الواقعية
أشار المصدر أن اختيار الخصاونة جاء نتيجة تميزه كشخصية دبلوماسية وسياسية معروفة لدوائر صنع القرار الأمريكي، فالملك يريد الخروج في المرحلة المقبلة بأقل الخسائر، في ظل حالة التطبيع الخليجي مع إسرائيل، والضغوطات الأمريكية من قبل إدارة ترامب على الأردن للقبول بصفقة القرن.
ويتميز الخصاونة بأنّه شخصية معتدلة يؤمن بالحلول الواقعية، فليس لديه إشكالية مع مبدأ تعويض الفلسطينيين مادياً بدلاً من حق العودة، طبقاً لما أشارت إليه مصادر مقربة.
يذكر أن الخصاونة كان هو الشخصية الوحيدة التي رافقت العاهل الأردني في زيارته الأخيرة الخاطفة للإمارات، قبيل توقيع الإمارات اتفاقاً للسلام مع إسرائيل، الأمر الذي أعطى مؤشرات أولية وقتها أنّ الملك عبدالله أراد إرسال إشارات خاصة لواشنطن عبر أبوظبي، بأنّ عمّان ستقبل بالحلول الواقعية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتحديداً صفقة السلام الأمريكية.
إضافة إلى أنّ الرجل يتمتع بعلاقات مميزة مع باسم عوض الله، وهو شخصية مقربة لمحمد دحلان، الأمر الذي يُعتبر ضوءاً أخضر من الأردن وموافقة ضمنية لتقديم تنازلات حادة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والموافقة على صفقة القرن من حيث المبدأ، بعد أن أظهر في بادئ الأمر تعنّتاً ورفضاً كبيراً، على حد قول المصدر.
لا يقبل الرأي الآخر
في المقابل فإنّ شخصية الخصاونة "الدبلوماسية" على المستوى الخارجي لا تظهر في تعامله وسلوكياته مع المحيط الاجتماعي الذي يعرفه، والذي اصطدم به وتعامل معه بشكل مباشر، فشخصية الرجل معروفة بصدامها وعدم قبولها للآخر، بل يتميز الرجل بحالة إقصائية كبيرة.
وتشير مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أنَّ الرجل مشهور بعصبية مزاجه، وبأنّه شخصية وصولية وانتهازية، إذ كان قد اعتدى أثناء عمله سفيراً لبلاده في مصر على شرطي سير. إضافة إلى أنّه كان يتعامل مع المراجعين في السفارة الأردنية بالقاهرة بشكل فوقي، ولا يتقبّل أي انتقادات أو شكاوى تُقدّم له من المراجعين.
رئيس وزراء بنكهة الدبلوماسية المفرطة
خدم الخصاونة بشكل مطول في السلك الدبلوماسي الأردني، وتنقَّل في عدد من المناصب الدبلوماسية والحكومية، كان آخرها مستشار الملك للسياسات، منذ أغسطس/آب 2020، وسبق أن عمل مستشاراً للملك لشؤون الاتصال والتنسيق للفترة من 2019 -2020.
كما تسلَّم الخصاونة منصب وزير دولة مرتين، فأصبح وزير دولة للشؤون الخارجية في 2016-2017، ووزير دولة للشؤون القانونية في 2017-2018.
وتنقل في حياته الدبلوماسية سفيراً للأردن في عدد من الدول، وممثلاً له في عدد من المنظمات والمحافل الدولية، فكان سفيراً لبلاده في مصر من 2012 إلى 2016، وخدم في الفترة ذاتها مندوباً للأردن في جامعة الدول العربية، ومراقباً دائماً لدى الاتحاد الإفريقي، وسفيراً للأردن في كينيا وإثيوبيا، ثمّ انتقل للعمل سفيراً في فرنسا في الفترة بين 2018-2019.
وتنقل قبل ذلك في عدد من المناصب الأخرى في وزارة الخارجية منذ مطلع التسعينيات؛ ملحقاً وسكرتيراً ثانياً وأولاً.
وفي هذا السياق، يرى حسام العبدلات، المستشار السابق في وزارة التنمية الاجتماعية بالأردن والقريب من الدوائر الرسمية، في حديث لـ"عربي بوست"، أن الملك عبدالله الثاني وضع نفسه -بحسب تعبيره- أمام خيارات محدودة نتيجة أخطاء تراكمية طوال فترة حكمه، وأن اختياره لبشر الخصاونة في هذه المرحلة يعود إلى عدد من الأسباب.
السبب الأول هو أنّه لا يستطيع العودة إلى الحرس القديم، باعتبار "المجرب لا يجرب"، وبالتالي الملك خسر الكثير من شعبيته، فلا يريد أن يخسر أكثر من ذلك. ولا أدل على ذلك من تجربة معروف البخيت، الذي كلفه برئاسة الحكومة مرتين، الأولى كانت عام 2011، والمرة الثانية في 2017، وكانت حكومته الثانية أسوأ من الأولى.
السبب الثاني أن هناك قضايا ملحة في الشارع الأردني، بينها الوضع الاقتصادي السيئ والاعتبارات السياسية الموجودة في المنطقة، من تحالفات جديدة على رأسها التطبيع الخليجي مع إسرائيل، ومحاولة القفز على الدور الأردني في موضوع القدس وضم الأغوار، وكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
بالإضافة إلى الملف الأهم والأخطر على المستوى الداخلي، وهو الملف الصحي المتعلق بجائحة "كورونا"، وما رافقه من تداعيات اقتصادية مدمرة على الاقتصاد الأردني.
ويؤكدّ العبدلات أن الملك لم يرد التركيز على الجانب الأمني فقط باختياره شخصية مثل حسين المجالي، أو الجانب الصحي باختياره شخصية مثل وليد المعاني، بل أراد أن يستخدم شخصية مقربة منه وقريبة من المطبخ السياسي ومن القصر الهاشمي.
إذ يدرك الخصاونة التعليمات والتوجهات داخل أروقة القرار السياسي الأردني، وهو مطّلع عن كثب على الموقف الأردني في مختلف القضايا، فهو الأقل تكلفة للملك من اختيار شخص آخر، باعتبار أنّ هذا الشخص لا يوجد حوله علامات استفهام أو انتقادات كبيرة في الشارع الأردني، كون جل عمله يتركز في السلك الدبلوماسي والخارجية.
وبحسب مصادر، كان هذا هو ما دفع الملك عبدالله إلى تغيير رأيه في اللحظات الأخيرة في تعيين المجالي والمعاني في منصب رئاسة الوزراء، والميل نحو تعيين الخصاونة بعد سلسلة مشاورات كبيرة مع المستشارين والمقربين منه.
ويشير العبدلات إلى أنّ الملك يعيش في مأزق كبير جداً وخوف وقلق شديد من المرحلة الحالية وما هو قادم، في ظل ملفات مهمة، منها إجراء انتخابات مجلس النواب، وتهافت العديد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، والأهم من ذلك الانتخابات الأمريكية القادمة.
شخصيته تلامس حسابات القصر
اختيار الخصاونة رئيساً للوزراء كان من بين خيارات أخرى أمام العاهل الأردني، فالرجل مشهور بقربه من الملك، ويُعتبر من الشخصيات القريبة من الملك على مدى سنوات، وتحديداً عمله لفترة طويلة مستشاراً للملك، إضافة لخبراته التي اكتسبها كدبلوماسي عمل في السفارات الأردنية بالخارج، وكان له دور فاعل في تنمية علاقات الأردن في الدول التي عمل فيها، بما فيها الجامعة العربية، وربما كان بانضمام عدد من الدبلوماسيين لصفوف فريقه الوزاري ما يؤكد صحة ذلك.
وهذا ما يؤكد عليه خبير الأمن الاستراتيجي عمر الرداد، وهو عميد سابق في مديرية المخابرات العامة الأردنية، الذي يرى في حديثه لـ"عربي بوست" أنّ هذه الخبرات التي يمتلكها الخصاونة كانت ضمن حسابات القصر، وكونه على صلة وثيقة بالعديد من الملفات الأردنية في إطار علاقاته الدولية والإقليمية، كان أحد أبرز الأسباب التي أدت لاختياره.
وعلى نطاق واسع إذا ما تمّ استثناء التحديات الداخلية، وتحديداً التعامل مع وباء كورونا بكل تفاصيله، وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي ستظهر بشكل أعمق في الأشهر القادمة، فإنّ التحديات الخارجية بما فيها الإقليمية كانت أهم معايير اختياره على حسب رؤية الرداد، فصانع القرار الأردني يُدرك اليوم أنّ مرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية ستشهد فيها المنطقة تغيُّرات عميقة، ليست مرتبطة فقط بالسلام الفلسطيني والعربي مع إسرائيل.
ويوضّح الرداد أنّ تحولات وإعادة ترتيب تطال قوى إقليمية في المنطقة، تحتاج لدقة في بناء المواقف الأردنية، وموازنة ليست سهلة بين مقاربة الحفاظ على ثوابته وحقوقه، مع بناء التحالفات الجديدة، خاصة أنّ هناك إدراكاً أردنياً أنّ اتفاقات التطبيع مع إسرائيل ستشمل دولاً عربية أخرى، وهو ما يطرح اجتراح مواقف أردنية جديدة، تضمن له البقاء والبحث عن مساحات تضمن له توسيع هوامش المناورة، وهي مسألة ليست سهلة، فكافة القوى الإقليمية في المنطقة تتحرك وتبني سياساتها بمرجعية واحدة، وهي الانتخابات الأمريكية وتداعيات نتائجها.
لا حلول سحرية
ومن هنا فإنّ رئيس الوزراء الجديد الخصاونة -بحسب الرداد- لا يملك عصا حلول سحرية لمواجهة التحديات الداخلية، فهوامش المناورة فيها محدودة، وربما كان في تصريحاته الأولى بعد القسم ما يشير لذلك حينما قال: "سنأخذ القرارات اللازمة وإن كانت مؤلمة"، فيما ترسم السياسات والقرارات الخارجية في مستويات تشكل الحكومة أحد الفاعلين فيها، وليس الفاعل الوحيد.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد كلف الخصاونة بتشكيل حكومة جديدة، خلفاً لحكومة الدكتور عمر الرزاز، ضمت 31 وزيراً جديداً، منهم 13 وزيراً لأول مرة، و10 وزراء من حكومات سابقة، و8 وزراء من حكومة عمر الرزاز، يأتي على رأسهم نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية، ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ووزير الدول للشؤون السياسية موسى المعايطة.