منح توافق وفدين من المجلس الأعلى للدولة الليبي و"نواب طبرق" في مدينة بوزنيقة المغربية، الأسبوع الماضي، حول توزيع المناصب السيادية، جرعة معنوية لتسريع مسارات التشاور الليبية سواء في برلين أو مالطا ومصر وجنيف وتونس.
ويتزامن تكثيف هذه المشاورات مع اقتراب الموعد الذي حدده رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، لتسليم مهامه لسلطة تنفيذية جديدة، في الوقت الذي تواصل فيه ميليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر تحشيداتها المريبة.
لقاء مالطا.. اجتماع فُجائي بلا جدول أعمال
بشكل مفاجئ، جرى اجتماع بين الفرقاء الليبيين في مالطا برعاية وزير خارجيتها أيفاريست بارتولو، في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حرص فيه على التأكيد على أن مبادرته تجري على ضوء الجهود الأممية.
ولم يتضمن اللقاء مناقشة ملف بعينه ولم يخرج بأي توصيات، ولكن قد يكون جساً لنبض الفرقاء الليبيين في إمكانية عقد لقاءات أخرى بمالطا تحت رعاية أممية للخروج بتوافق بشأن مرحلة جديدة للخروج من الأزمة.
مؤتمر برلين 2.. دعوة دولية لتسوية تنتهي بانتخابات
أما مؤتمر برلين 2، الذي عُقد في 5 أكتوبر/تشرين الأول، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، فشارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس، وممثلون عن 16 دولة ومنظمة دولية.
ودعا المشاركون جميع الأطراف الليبية إلى بناء توافق في الآراء للتوصل إلى "تسوية سياسية شاملة تؤدي إلى انتخابات من شأنها أن تعيد الشرعية الديمقراطية".
مصر.. المسار الدستوري
بعد أن رمت بثقلها العسكري خلف حفتر، تحاول القاهرة اللحاق بالجهود الدولية لحل الأزمة الليبية سياسياً، خاصة إثر انهيار الهجوم على العاصمة طرابلس في يونيو/حزيران الماضي.
إذ عقد مساء الأحد، اجتماع المسار الدستوري بشأن ليبيا، في القاهرة، برعاية الأمم المتحدة ومشاركة وفدي مجلسي "الدولة" و"نواب طبرق"، على أن يختتم الثلاثاء.
ومن المتوقع أن تتم مراجعة مسودة الدستور، الذي أقرته مجموعة الستين المنتخبة، بحضور فقهاء دستوريين مصريين، فيما حاول مجلس نواب طبرق إجراء تعديلات عليه لم تلقَ إجماعاً وطنياً.
ناهيك عن انتقادات لخبراء في القانون الدستوري لبعض مواده، على غرار تلك التي تتحدث عن إقرار مشروع قانون المالية بأغلبية الثلثين، وهو أمر ليس بالهين بالنسبة لقانون لا يقبل التأجيل لأشهر، وفي ظل حالة الانقسام والتشظي التي يعيشها مجلس النواب حالياً.
لكن من شأن التوافق على مسودة الدستور، تسهيل إجراء الاستفتاء عليه، مما سيرفع عقبة مهمة أمام إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، تُنهي حالة الانقسام والمراحل الانتقالية.
جنيف.. المسار العسكري
ويعتبر المسار الوحيد الذي سيكون حفتر ممثلاً فيه كطرف رسمي بـ5 قادة في ميليشياته، مقابل 5 ضباط من الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية.
ومن المقرر أن يعقد اجتماع لجنة (5+5) العسكرية في 19 من الشهر الجاري، بجنيف السويسرية.
وسيناقش هذا الاجتماع تثبيت وقف إطلاق النار، خاصة في ظل اتهامات وزير الدفاع الليبي صلاح الدين النمروش لميليشيات حفتر بالاستعداد للهجوم على ثلاث مدن من طوق طرابلس (بني وليد وترهونة وغريان).
كما سيتم بحث جعل مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) ومحافظة الجفرة (300 كلم جنوب سرت) منطقة منزوعة السلاح، وإخراج المرتزقة الأجانب من الحقول والموانئ النفطية.
ويعد هذا اللقاء استكمالاً للمشاورات العسكرية التي جرت في مدينة الغردقة المصرية برعاية أممية بين 28 و30 سبتمبر/أيلول الماضي.
تونس.. المسار الحاسم
وستتولى محادثات تونس بين وفدين من مجلس الدولة و"نواب طبرق" اختيار مجلس رئاسي جديد مشكَّل من ثلاثة أعضاء بدل تسعة، بالإضافة إلى رئيس حكومة لا يكون عضواً في المجلس الرئاسي.
ورغم أن هذا الاجتماع الهام كان مقرراً في جنيف، فإنه نُقل إلى تونس لأسباب لوجيستية متعلقة ببعض العراقيل التي واجهت أعضاء الوفود الليبية في استخراج تأشيرات الدخول إلى سويسرا، بحسب وسائل إعلام.
وأعلنت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز، السبت، أن الملتقى سيبدأ في 26 أكتوبر/تشرين الأول باجتماعات تمهيدية عبر الاتصال المرئي، فيما تستضيف تونس الاجتماع المباشر الأول له مطلع نوفمبر/تشرين الثاني.
في حين ذكرت وسائل إعلام أن المحادثات قد تنطلق في جزيرة جربة التونسية، التي يوجد بها أقرب مطار من الحدود الليبية.
سباق مع الزمن
وتطرح دحرجة اجتماع مصيري لاختيار رئيس مجلس رئاسي جديد خلفاً للسراج، مسألتين في غاية الأهمية:
أولهما أن السراج أعلن أنه سيسلم مهامه لسلطة تنفيذية في أجل أقصاه نهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهذا الأمر لن يكون متاحاً إلا في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني كأدنى تقدير، مما يجعل السراج أمام خيارين؛ إما تأجيل تنحيه عن السلطة إلى غاية اختيار مجلس رئاسي جديد، أو تكليف أحد نوابه بمهامه.
الأمر الثاني متعلق بويليامز، التي تنتهي مهمتها كمبعوثة أممية بالإنابة رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في الوقت الذي لم يتفق فيه مجلس الأمن على تعيين مبعوث جديد إلى ليبيا بسبب تحفظ الولايات المتحدة الأمريكية على كل الأسماء التي اقترحها غوتيريش.
وهذا ما يفسر تحرُّك الأمم المتحدة على عدة مسارات وبأقصى سرعة لتفادي فراغ في المجلس الرئاسي وحتى على رأس بعثتها.
لذلك فأكتوبر/تشرين الأول سيكون شهراً حاسماً للجميع، وأي نكوص في أحد المسارات قد يؤدي إلى انتكاسة جديدة في طريق حل الأزمة الليبية.