الرئيس دونالد ترامب أعلن عن إصابته بمرض كوفيد-19 أو فيروس كورونا المستجد الجمعة 2 أكتوبر/ تشرين الأول، وموعد المناظرة الرئاسية الثانية التي يفترض أن يخوضها ضد منافسه الديمقراطي جو بايدن الخميس 15 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد 14 يوماً بالتمام والكمال، ما يطرح تساؤلاً بشأن خطورة انتقال العدوى لبايدن أو أي من المتواجدين في قاعة المناظرة وهل يحق للمنافس رفض خوضها؟
تعامل ترامب مع إصابته بالفيروس يثير التساؤلات
لابد في البداية من التوقف عند تعامل ترامب نفسه مع الفيروس القاتل الذي تحول إلى جائحة عالمية منذ مارس/ آذار الماضي وأصاب ما يقترب من 36 مليون شخص حول العالم وأودى بحياة أكثر من مليون و49 ألف شخص، بحسب ما رصده موقع وورلدميترز حتى اليوم الثلاثاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول، حيث إن تعامل الرئيس الأمريكي منذ البداية مع الوباء يمثل مدخلاً هاماً لمحاولة فهم تعامله مع إصابته هو شخصياً به.
استهان ترامب بالفيروس وشبهه بالإنفلونزا الموسمية، ثم قال إنه سيختفي بحلول إبريل/ نيسان الماضي وأشاد بجهود منظمة الصحة العالمية في مكافحة الفيروس وتغنى بشفافية الصين وتعامل رئيسها شي جينبينغ مع الأزمة الصحية، كل ذلك قبل أن يتفشى الوباء على الأراضي الأمريكية قبل نحو ستة أشهر الآن.
ومع تفشي الوباء في البلاد بصورة سريعة وحصده للأرواح على مدار الساعة، تحول ترامب للهجوم الشرس على منظمة الصحة العالمية ووصفها بدمية بكين وسحب تمويل بلاده للمنظمة وأعلن الانسحاب منها بالفعل، واصفاً الوباء بالفيروس الصيني، وبعد أن فرضت الجائحة نفسها وتم اتخاذ إجراءات الإغلاق لمواجهتها، لم يطق الرئيس صبراً وأراد إعادة فتح النشاط الاقتصادي لأسباب انتخابية بحتة.
وشكل خلية أزمة برئاسة نائبه مايك بنس وتصدر هو المشهد اليومي مدلياً بتصريحات أشهرها أن علاج هيدروكسي كلوروكين يقضي على الفيروس وأن شرب المطهرات أيضاً يقضي عليه، ثم تجاهل الفيروس وأوقف الملخصات اليومية وتحويل الخلية إلى مهمة "العمل على فتح البلاد"، وهون من الفيروس واصفاً إياه بالضعيف والتافه، وتجاهل جميع النصائح العلمية والطبية ورفض ارتداء الكمامة إلى آخر تصريحاته وتصرفاته التي كانت ولاتزال مثاراً للانتقادات الحادة.
ورغم إصابته بالفيروس الجمعة الماضي، واصل الرئيس تعامله المثير للجدل أيضاً مقدماً سعيه للفوز بفترة ثانية على ما سواها، ولو كان تعريض حياة الآخرين للخطر عندما قرر الخروج من مستشفى والتر ريد العسكري ليقوم بجولة في السيارة ويحيي مؤيديه خارج المستشفى، لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، بل قرر فجأة العودة للبيت الأبيض متجاهلاً نصائح الأطباء.
انتقادات لاذعة لكنه لا يغير أسلوبه
واليوم الثلاثاء واجه ترامب انتقادات جديدة لأنه نزع كمامته لدى عودته إلى البيت الأبيض وحث الأمريكيين على عدم الخوف من الوباء الذي فتك بأكثر من 215 ألف أمريكي وأصاب أكثر من سبعة ملايين ونصف المليون، وكان ترامب قد وصل إلى البيت الأبيض مساء الإثنين ونقلت شاشات التلفزيون نزوله من طائرته الهليكوبتر مارين وان واضعاً كمامة بيضاء قبل أن ينزعها ويقف للتصوير ويؤدي التحية العسكرية ويلوح بيده.
وقال ترامب في مقطع فيديو بعد عودته من المستشفى العسكري خارج واشنطن حيث عولج من المرض الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا: "لا تدعه يسيطر عليك. لا تخف منه"، مضيفا "أنا أفضل، وربما اكتسبت مناعة.. لا أعلمط. ومضى يقول "اخرجوا وكونوا حذرين".
بصفته رئيس الولايات المتحدة، عالج ترامب جيش من الأطباء وتلقى علاجاً تجريبياً غير متاح للآخرين وهذا أمر طبيعي، لكن تهوينه من شأن مرض أودى بحياة أكثر من مليون شخص على مستوى العالم أقل قليلاً من ربعهم من مواطنيه جعله عرضة لمزيد من الانتقادات في توقيت قاتل من الحملة الانتخابية.
وقد فزع بعض الأطباء لقرار ترامب نزع الكمامة بعد أن صعد الدرج إلى البيت الأبيض، وكذلك إصراره على حث الأمريكيين على عدم الخوف من كوفيد-19، وقال وليام شافنر أستاذ الطب الوقائي والأمراض المعدية في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت بمدينة ناشفيل "تملكني الذعر عندما قال لا داعي للخوف من كوفيد"، مضيفا "هذا مرض يقتل نحو ألف شخص يومياً ويدمر الاقتصاد ويقطع الأرزاق… هذا فيروس ينبغي أن نضعه في الحسبان ونخشاه".
ودخل الديمقراطيون على الخط، إذ قال السناتور الديمقراطي كريس كونز على تويتر "هذا فشل مأساوي في القيادة"، لكن ترامب صوّر نفسه على أنه رجل هزم المرض وخرج من التجربة أقوى حالاً، وكتب على تويتر "إذا عاد الرئيس إلى الحملة الانتخابية، فسيكون بطلاً لا يقهر، لم ينج من كل خدع الديمقراطيين القذرة فحسب، بل انتصر على الفيروس الصيني أيضاً".
هل تواجد أي شخص مع ترامب يعرضه للعدوى؟
في البداية لابد من القول إن ترامب لا يزال حاملاً للعدوى مهما كانت طبيعة العلاج الذي خضع له، وذلك بحسب الأطباء وخبراء الأوبئة إضافة إلى الإرهاق البادي على ترامب نفسه وهو ما لم تخطئه الكاميرات بالطبع، فتجربة البشرية مع الفيروس حتى الآن تشير إلى أنه شديد العدوى وينتقل عبر الهواء وأنه في حالة مخالطة مصاب بالعدوى يخضع الشخص المخالط للعزل لمدة أسبوعين حتى التأكد من أنه لم يصب بها.
"ترامب حامل العدوى يعود للبيت الأبيض دون كمامة" هذا هو العنوان الأبرز الذي حملته الغالبية العظمى من وسائل الإعلام الأمريكية بعد ذلك المشهد الذي خلع فيه ترامب الكمامة ووضعها في جيبه لدى عودته للبيت الأبيض، بينما استشاط كثير من المراقبين والمحللين غضباً في ظهورهم على المحطات التليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على تصرفات ترامب.
كما تم التركيز على حالة الجناح الغربي – مقر إقامة وعمل الرئيس في البيت الأبيض – لدى عودة ترامب إليه حيث بدا مهجوراً بصورة تناقض تماماً ما يفترض أن يكون عليه في هذا الوقت الحساس من الحملة الانتخابية، بحسب تقرير لشبكة CNN، رصد حالة الخوف المسيطرة على العاملين في البيت الأبيض.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جود دير إنه يجري اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لحماية الرئيس وأسرته، وسيظل التواصل الفعلي مع ترامب محدوداً وسيستخدم من يكونون بالقرب منه أدوات الوقاية اللازمة.
هل من المنطقي إجراء المناظرة؟
المتحدث باسم حملة ترامب الانتخابية تيم مورتو أكد الإثنين أن الرئيس، الذي نُقل إلى المستشفى لإصابته بكوفيد-19 منذ أربعة أيام، يعتزم المشاركة في المناظرة المقبلة مع بايدن في 15 أكتوبر/ تشرين الأول في ميامي، وكان ذلك قبل قليل من قرار الرئيس مغادرة المستشفى وعودته البيت الأبيض حيث "يواصل علاجه".
وعلى الرغم من أن حملة بايدن قد أكدت سابقاً أن المرشح الديمقراطي سيشارك في المناظرة الثانية، إلا أن كثيراً من المراقبين وخبراء الأمراض المعدية تحدثوا بالفعل عن مدى خطورة ذلك الحدث، خصوصاً أن القاعة ستضم أيضاً عدداً من الناخبين يوجهون أسئلة للمرشحين.
فالمناظرة مقرر أن تقام في مركز أدريان أشتر للفنون بميامي وسيحضرها عدد من الناخبين غير الحزبيين يختارهم معهد غالوب تحت إشراف الدكتور نيوبورت، حيث سيوجه الناخبين أسئلة لكل من ترامب وبايدن يجيبان عنها، ويدير المناظرة ستيف سكالي المحرر السياسي في محطة C-SPAN.
ومن المؤكد أن لجنة إدارة المناظرات الرئاسية تواجه موقفاً غاية في الصعوبة الآن مع إصابة ترامب، فالإجراءات المتخذة لمناظرة مايك بنس نائب ترامب وكامالا هاريس نائبة بايدن والمقرر لها الأربعاء 7 أكتوبر/ تشرين الأول سوف تشمل وجود حاجز زجاجي بينهما، رغم أن أياً منهما ليس حاملاً للعدوى.
ويتساءل البعض إذا كان من حق بايدن من الناحية القانونية أن يرفض التواجد مع ترامب في مكان واحد قبل التأكد من أن الرئيس لم يعد حاملاً للعدوى، حتى وإن كان ذلك يعني رفضه إجراء المناظرة الثانية، لكن التصريحات من جانب حملة المرشح الديمقراطي تؤكد أن ذلك الاحتمال غير وارد، لكنهم يحرصون على اتخاذ كافة إجراءات الوقاية لحماية بايدن من أن تنتقل له العدوى من منافسه ترامب.