بعد صدمتهم من فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 2016، أقسم بعض الناخبين الأمريكيين على مقاطعة استطلاعات الرأي العام إلى الأبد، معتقدين أن استطلاعات الرأي العام التي أجريت خلال الحملة الانتخابية فشلت في تنبيههم إلى إمكانية فوز الجمهوريين.
يذكر أن هيلاري كلينتون كانت تتمتع بتقدم آمن في استطلاعات الرأي طوال حملة 2016، وبالمثل ترسم بيانات استطلاعات الرأي هذا العام صورة مماثلة، حيث يتقدم المرشح الديمقراطي -هذه المرة جو بايدن- بشكل مريح، لكن إذا لم يستطع المرء الاعتماد على استطلاعات الرأي للتنبؤ بالنتيجة فماذا يمكن أن يحدث، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020؟
إلى أي مدى يمكن أن تكون نتائج الاستطلاعات هذه دقيقة؟
تقول صحيفة Times البريطانية إنها ابتكرت أداة لاستكشاف 8 نتائج محتملة للانتخابات الرئاسية القادمة، بدءاً من فوز بايدن بأغلبية ساحقة في المجمع الانتخابي، ووصولاً إلى تكرار ما حدث في عام 2016. حدد سيناريو يوم النتائج لترى كيف يمكن للخريطة السياسية للولايات المتحدة أن تبدو بعد الانتخابات.
صحيح أن استطلاعات الرأي كانت خاطئة في عام 2016، ولكن ليس بالقدر الذي كان يعتقده معظم الناس.
في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من تلك الحملة الانتخابية بالغت استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني في تقدم هيلاري كلينتون بمقدار 3.1 نقطة مئوية في المتوسط، وفقاً لتحليل أجراه موقع FiveThirtyEight المختص بتحليل استطلاعات الرأي. وبالطبع لم يكن ذلك مثالياً، خاصةً أن نتائج الانتخابات جاءت متقاربة جداً بالفعل، لكنه يمثل خطأ معيارياً طبيعياً جداً وفقاً للمعايير التاريخية. ففي عام 2012، كان متوسط الخطأ أكبر -3.3 نقطة- لكنه كان أقل أهمية لأن استطلاعات الرأي كانت تميل إلى التقليل من شأن باراك أوباما.
هذا الخطأ يعني أن ما اعتقده الكثيرون سيكون سباقاً متقارباً مع ميت رومني، يحظى فيه أوباما بحظوظ أفضل قليلاً، تحول إلى نزهة مريحة لأوباما للعودة إلى البيت الأبيض.
فيما بعد، تبين أن أحد أسباب خطأ استطلاعات الرأي عام 2016 هو أن استطلاعات الرأي في الولايات الأمريكية، حيث تجري المنافسات الحقيقية، كان متوسط الخطأ فيها أكبر من استطلاعات الرأي الوطنية الشاملة: 5.2 نقطة، مقارنة بـ3.7% في عام 2012 و3.9 نقطة في عام 2008.
هذا يعني أنه في حين أن نتيجة التصويت الشعبي العام كانت متقاربة بين المرشحين مقارنة بما أشارت إليه استطلاعات الرأي (ومن الجدير دائماً أن نتذكر أن كلينتون فازت في التصويت الشعبي بأكثر من نقطتين بقليل)، إلا أن استطلاعات الرأي لم تستطع توقع الانتصارات المفاجئة التي كان ترامب على وشك تحقيقها في منطقة حزام الصدأ والتي تشمل: بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن.
الخطأ الذي وقعت فيه الاستطلاعات
كان كل استطلاع من بين أكثر من 30 استطلاعاً للرأي في ولاية ويسكونسن في الأشهر التي سبقت الانتخابات يظهر فوز كلينتون بأصوات الولاية بنسبة تتراوح بين 2 و16 نقطة، لكنها خسرت أصوات الولاية بفارق ثلاثة أرباع نقطة.
إن استطلاعات الرأي في الولايات الأمريكية لم تقلل فقط من شأن ترامب في الأماكن التي بها أعداد غير متجانسة من الناخبين البيض والناخبين الذين لم يذهبوا إلى الجامعة، لكنها لم تحدد أيضاً التأرجح نحو هيلاري كلينتون في أجزاء أكثر تنوعاً من الولايات المتحدة، أو الولايات التي بها أعداد كبيرة من الناخبين الذين ذهبوا إلى الجامعة. وفيما يتعلق بعملية الإقبال، لم يدرك منظمو استطلاعات الرأي أن ترامب سيثير حماسة الناخبين في المناطق الريفية، والمناطق الجمهورية عموماً، للخروج والتصويت أكثر مما فعل أسلافه.
ومع ذلك، فإن الأبحاث التي أُجريت بعد عام انتخابات 2016 بشأن مدى سلامة الاستطلاعات تعني أن استطلاعات الرأي أكثر جدارة بالثقة على هذه الجبهات. والآن يعطي معظم منظمي الاستطلاعات الناخبين غير المتعلمين وزناً أكبر في عيناتهم. على سبيل المثال، كان هناك اختبار لمعرفة ما إذا كانت التعديلات التي أُجريت على استطلاعات بعد عام 2016 ستكون فعالة للتنبؤ بنتائج الانتخابات النصفية لعام 2018 للكونغرس. وخلصت صحيفة New York Times أن استطلاعات الرأي كانت أكثر دقة مما كانت عليه في أي انتخابات على مدار عقد من الزمان، وعندما كانت خاطئة لم يكن دائماً الخطأ في نفس الاتجاه.
إذن ما الخطأ الذي قد يحدث هذه المرة؟
إحدى النظريات الشائعة تقول إنه قد يكون هناك ناخبون "خجولون" يؤيدون ترامب، أولئك الذين لا يريدون أن يخبروا استطلاعات الرأي أنهم سيصوتون للرئيس لأنهم يشعرون بالحرج من ذلك، أو أنه لن يكون مقبولاً اجتماعياً الإفصاح عن ذلك، ربما، ولكن لا يوجد فارق ملموس في أرقام ترامب بين الاستطلاعات عبر الهاتف والاستطلاعات عبر الإنترنت، وهو أمر متوقع بالتأكيد في ظل عدم رغبة مؤيدي الرئيس في الاعتراف بآرائهم لشخص آخر، لكن الكثير ممن قابلوا أنصار ترامب يقولون إن هؤلاء الأنصار لا يميلون إلى الشعور بالخجل من الإفصاح عن ذلك.
الاحتمال الآخر هو أن الفجوة بين نتيجة المجمع الانتخابي الأمريكي ونتائج التصويت الشعبي تتسع، لقد كان أحد الأسباب التي دفعت المتنبئين (أولئك الذين يغذون استطلاعات الرأي لتقديم نموذج ينتج نسب احتمالات وصول كل مرشح إلى البيت الأبيض) إلى التقليل من فرص ترامب في الفوز في عام 2016 هو أنه لم يكن مفهوماً على نطاق واسع كيف يمكن لمرشح يحقق هذا الانتصار الكبير في الحصول على أصوات المجمع الانتخابي ثم يخسر بعد ذلك التصويت الشعبي.
في الواقع، كانت هذه هي المرة الخامسة فقط التي يخسر فيها المرشح الفائز بالتصويت الشعبي، وكانت الثلاث الأولى كلها في القرن التاسع عشر، أما المرة الرابعة فكانت في عام 2000، عندما خسر جورج دبليو بوش التصويت الشعبي لصالح آل جور بنسبة ضئيلة جداً، وكانت النتيجة قريبة جداً وفي حدود نقطة مئوية. لقد عكست أرقام المجمع الانتخابي كيف كانت المنافسة متقاربة، حيث فاز بوش بأربعة أصوات انتخابية فقط أكثر من آل جور، في حين فاز ترامب بـ74 صوتاً أكثر من كلينتون.
هذه المرة، من الواضح أن ائتلاف الناخبين المميز لترامب يمكن أن يحقق نصراً مماثلاً مرة أخرى، بينما لا أحد يعتقد أن يفوز ترامب في التصويت الشعبي. وفي حين أنه من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يفوز ترامب في المجمع الانتخابي إذا خسر أمام بايدن، على سبيل المثال، بنسبة 7 نقاط مئوية على الصعيد الوطني، فإن وجود خطأ في استطلاعات الرأي بنسبة ثلاث نقاط فقط أو نحو ذلك يمكن أن يلعب دوراً في نتيجة الانتخابات.
من ناحية أخرى، فإن وجود خطأ في استطلاعات الرأي بنسبة ثلاث نقاط في الاتجاه الآخر من شأنه أن يمنح بايدن فوزاً ساحقاً وتفويضاً كبيراً، لكن في الانتخابات القادمة، لن تكون الفوارق كبيرة، بغض النظر عما تقوله استطلاعات الرأي.