اتهامات للعسكر في السودان بتأجيج الأزمة الاقتصادية لفرض التطبيع.. فما علاقة اجتماع أبوظبي بها؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/29 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/29 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
هل يحاول المجلس العسكري استغلال الأزمة لإجبار الشعب على قبول التطبيع ؟- رويترز

تصاعدت الأزمات الاقتصادية في السودان على نحو مفاجئ، وبصورة غير مسبوقة، حيث شهد الجنيه السوداني تراجعاً غير مسبوق، إذ وصل سعر الدولار في البنك إلى 55 جنيهاً، بينما في السوق السوداء زاد عن 250 جنيهاً.

واعتبرت بعض القوى السياسية والمختصين أن هذا التراجع غير مبرر،  ويوحي بأن مخطط ما يتم تنفيذه لخنق الاقتصاد السوداني خدمة لأجندات سياسية، غير معلنة.

الأزمات الاقتصادية في السودان ليست جديدة، لكن تزامنها بهذه الصورة أتى  مفاجئاً، إذ تزامنت مع الاجتماعات التي عقدت في أبو ظبي مع القيادة السودانية وأثيرت وقتها الأحاديث عن الترتيب للتطبيع مع إسرائيل بوساطة إماراتية، فضلاً عما صرح به عبدالفتاح البرهان وقت الأزمة متحدثاً عن وجوب البحث عن حلول للأزمة داخلياً خارجياً، إذ أثار شكوك القوى السياسية في نيته، أنه يمهد للقبول بالتطبيع حلاً للأزمة الاقتصادية الحالية.

أزمات متلاحقة ومتصاعدة

  لم تتوقف الأزمة عند محطة تراجع قيمة الجنيه السودانية بصورة مفاجئة وسريعة، بل امتدت إلى القطاعات الخدمية، حيث شهدت محطات الوقود غياباً كبيراً للمحروقات، ما تسبب في تشكل صفوف وطوابير طويلة من السيارات في انتظار التزود بالوقود.

 كما تزامن ذلك مع ضعف شديد في إنتاج الخبر، ما أدى لارتفاع سعره من جنيهين إلى ثلاثين جنيهاً في بعض المناطق.

ما دفع القيادي في تحالف الحرية والتغيير وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، صديق يوسف، للقطع بوجود مخطط مدروس يستهدف ضرب الاقتصاد السوداني من أجل إفشال الثورة السودانية، وتصوير الحكومة المدنية في صورة العاجز عن حل الأزمات الاقتصادية.

وأكد يوسف في حديثه لـ"عربي بوست" أن المخطط الذي يراه يهدف لتمكين العسكر من السلطة، من خلال تفويض مزيّف باستخدام مجموعات شبابية في تظاهرات مفتعلة.

وشدد صديق على أن الشعب الذي صنع الثورة للتحرر من الحكم الشمولي لن يسمح بسرقة ثورته وإعادة عجلة الزمن إلى مربع القهر وكبت الحريات.

أزمة شح الوقود أصابت الشارع السوداني بالشلل التام.. فأين الحل؟ .. إنترنت

وجزم بأن الأزمات الاقتصادية مقصودة، والهدف منها تهيئة مناخ ضاغط وخانق يجبر السودانيين على القبول بالتطبيع مع إسرائيل، لافتاً إلى أن هذا المخطط تقف وراءه دول طبّعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني.

 مشدداً على أن الشعب السوداني لن يغيّر موقفه الرافض للتطبيع حتى إن  تناسلت الأزمات الاقتصادية والضوائق المعيشية، لأنه ينطلق من مبدأ داعم للقضية الفلسطينية بعيداً عن الواقع الاقتصادي.

لا مبرر اقتصادي لانهيار العملة

 فيما أبدى أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، الدكتور الطيب عبدالمطلب، تعجبه من تراجع العملة المحلية أمام النقد الأجنبي، لعدم وجود مبرر اقتصادي معلوم.

وقال عبدالمطلب لـ"عربي بوست" إن سوق النقد الأجنبي محكوم بنظرية العرض والطلب، ومعلوم أن حركة الاستيراد متوقفة بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، ما يعني أن تراجع الجنيه السوداني غير مبرر مطلقاً، لغياب الطلب على النقد الأجنبي.

ولم يستبعد أستاذ الاقتصاد وجود جهة من مصلحتها العمل على خلق أزمات اقتصادية لتحقيق أهداف وأجندات سياسية، مشدداً على أن ما يحدث من شُح في بعض السلع بعد ثورة أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وتلقي البلاد بعدها إعانات مالية ومنحاً من عدد من الدول، أمر غير مبرر من منظور اقتصادي.

 مؤكداً أن ما أتى من إعانات كفيل بتثبيت سعر صرف العملات الأجنبية، إن لم يساعد في خفضه بصورة كبيرة.

وقريباً من حديث عبدالمطلب فإن القيادي في تحالف الحرية والتغيير والقيادي في الحزب الناصري، منذر أبو المالي يرى أن هناك جهة تخطط بعناية لخلق الأزمات الاقتصادية، بما يقود إلى إيجاد حالة شعبية من الشعور بالغبن والسخط على الحكومة الانتقالية.

ما يعزز مساعي بعض المتنفذين الذين يروجون لفكرة البحث عن حلول خارجية للأزمة الاقتصادية السودانية، في إشارة للحديث المتناثر عن اتفاق التطبيع المتوقع بين السودان وإسرائيل.

يرى المختصون أن انهيار الجنيه السوداني أمام الدولار لا مبرر له .. انترنت

وقال أبو المعالي لـ"عربي بوست" إن المتضررين من الثورة السودانية ومن سقوط النظام السابق، بجانب بعض الذين يراهنون على التقارب مع أمريكا وإسرائيل، ليسوا بعيدين عن الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالسودان حالياً.

وشدد القيادي في الحرية والتغيير على أن هناك دلائل واضحة تؤكد أن الأزمات مصنوعة بعناية، خاصة أنها تظهر لفترة طويلة ثم تختفي ثم تعاود الظهور بصورة أعنف من ذي قبل.

تصريحات البرهان التي أثارت الجدل

وكانت قد انطلقت في الخرطوم يوم السبت الماضي جلسات "المؤتمر الاقتصادي القومي" للبحث عن آلية لحل المشكلات والأزمات الاقتصادية، بمشاركة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك.

وشدد البرهان في كلمته خلال المؤتمر على أن السودان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة تحتّم على الحكومة الانتقالية البحث عن حلول داخلية وخارجية.

حديث البرهان حول البحث عن حلول خارجية للأزمة الاقتصادية، اعتبره كثيرون بأنه محاولة لإيهام الشعب السوداني بأن الحل يكمن في التقارب مع أمريكا واسرائيل.

ولفت المحلل السياسي عز الدين المنصور إلى أن البرهان يسعى لخلق أكبر قاعدة شعبية لتحقيق مساعيه بالتطبيع مع إسرائيل، وخصوصاً بعد عودته من المباحثات التي قادها في أبو ظبي مع وفد من الجانب الأمريكي حول رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحول التطبيع مع إسرائيل. 

وقال المنصور لـ"عربي بوست" إن البرهان يريد أن يستثمر في التدهور الاقتصادي الذي يعيشه السودان حالياً بما يعزز فرص تمرير صفقة التطبيع مقابل بعض الدعم المالي من الإمارات وإسرائيل وأمريكا.

وتابع: "يبدو أن هناك مخططاً مرسوماً بمهارة لتجويع الشعب السوداني، بما يجعله يرى في التطبيع حلاً لأزماته الاقتصادية، مع أن الواقع يؤكد أن جيران السودان الذين طبّعوا علاقاتهم مع إسرائيل يعانون أشد المعاناة سواء تشاد أو جنوب السودان أو أريتريا التي تعاني كلها من ضوائق اقتصادية أسوأ من الحالة السودانية الحالية".

ما الذي جرى في اجتماعات أبوظبي وهل التطبيع قادم بترتيبات إماراتية ؟ .. (أرشيفية)/ وام

بدوره، نفى القيادي في الحرية والتغيير والقيادي في الحزب الجمهوري، حيدر الصافي أن يكون هناك مخطط لتجويع الشعب السوداني، لجعله يقبل بالتطبيع مع إسرائيل، أو القبول بعسكرة الدولة، مقابل تقليص صلاحيات المدنيين.

وقال الصافي المعروف بتأييده لفكرة التطبيع، لـ"عربي بوست"، إن اتجاه الحكومة للتطبيع مع إسرائيل ليس مقروناً بالواقع الاقتصادي، لأن الأزمات لم تولد مع بروز الرغبة في التطبيع، وأنها موجودة من قبل سقوط نظام البشير.

ولفت القيادي في الحزب الجمهوري، إلى أن التطبيع يأتي من منطلقات رغبة كثيرين وسط الشعب السوداني، مشيراً إلى أنه ليس من العيب البحث عن حل للأزمة الاقتصادية خارج السودان.

خلافات حول اجتماع أبوظبي

سبقت المباحثات التي قادها البرهان ووزير العدل السوداني نصر الدين عبدالبارئ مع الجانب الأمريكي في أبو ظبي، تراجعاً متتالياً للعملة السودانية مقابل التطبيع، حيث قفز الدولار في السوق الموازي "السوداء" من سبعين جنيهاً إلى 250 جنيهاً في أيام قليلة.

وأفرزت مباحثات أبو ظبي خلافاً كبيراً بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وبين رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك الذي يرى أن حكومته الانتقالية ليست مفوّضة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأن قضية التطبيع معقدة وتحتاج إلى توافق مجتمعي.

وسبق أن أبلغ حمدوك وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته للسودان أواخر أغسطس/آب الماضي، بأن حكومته ترفض ربط التطبيع مع رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

رئيس الوزراء السوداني وأغلب التيار المدني بالحكومة يرفض آليات العسكر لفرض التطبيع ويشترطون حواراً مجتمعياً / الأناضول

وحول هذا الخلاف، يرى القيادي في الحرية والتغيير منذر أبو المعالي، أن السودان محكوم بنظام نيابي برلماني، وأن إدارة الشأن الاقتصادي من مهام الجهاز التنفيذي الذي يقوده حمدوك، وليس من مهام مجلس السيادة بقيادة البرهان.

وشدد أبو المعالي على أن مجلس السيادة ليس معنياً برسم علاقات السودان الخارجية، لأنه مجلس شرفي، وفقاً لنص الوثيقة الدستورية التي منحت مجلس الوزراء صلاحيات بناء علاقات السودان الخارجية.

ولفت إلى أن الأزمات المصنوعة لا يمكن أن تجبر الشعب السوداني على تغيير موقفه من القضايا المفصلية، منوهاً إلى أن محاولات خلق الأزمات بهدف تأجيج الشارع ضد الحكومة الانتقالية لن تنجح لأن الشعب يؤمن بثورته.

لا تضيعوا الفرصة!

بدوره، طالب العميد دكتور الطاهر أبو هاجة المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، الشعب السوداني، بعدم تضييع الفرص التي تلوح في الأفق لحل الأزمة الاقتصادية السودانية.

وقال أبو هاجة في تصريح صحفي، إن مباحثات أبو ظبي لها ما بعدها، وأنها ليست استسلاماً لأحد، ولا بيعاً للقضية الفلسطينية، وإنما محاولة جادة لبناء علاقات خارجية جيدة.

وتابع: "نعم تحتاج كل الخطوات إلى تفويض كامل، ولكن انتظار التفويض في القضايا الحساسة والملحة ربما يضيّع الفرص المتاحة، خاصة أن الفرص لا تتكرر".

وتأتي تصريحات أبو هاجة في إطار استراتيجية المجلس العسكري في الترويج لفكرة قبول التطبيع شعبياً، واستغلال فرصة الأزمات الحالية للضغط من أجل تمرير الصفقة، حسبما يرى المختصون وبعض النافذين بقوى الحرية والتغيير.

مستشار البرهان يعتبر التطبيع فرصة ويطالب السودانيين بعدم إضاعتها/ عربي بوست
تحميل المزيد