كان من الممكن أن تنتهي قصة شمسية علي زاده ببساطة حين كانت في الخامسة عشرة من عمرها.
لكن شمسية، ابنة عامل منجم الفحم التي تنقلت عائلتها في جميع أنحاء أفغانستان بحثاً عن الأمان وفرصة لها ولأخواتها لتلقي مستوى جيد من التعليم، كانت من بين المحظوظين الذين أفلتوا من التفجير الانتحاري الذي تسبب في مقتل العشرات من زملائها الطلاب في مركز للدروس الخصوصية في كابول قبل عامين.
ولكن إذا كان الحظ هو ما أنقذ شمسية، البالغة من العمر الآن 17 عاماً، فإن الإصرار والعمل الجاد هما ما جعلاها مصدر إلهام على مستوى البلاد، حين أعلن التلفزيون يوم الخميس 25 سبتمبر/أيلول أنها حققت أعلى المعدلات من بين ما يقرب من 200 ألف طالب مسجل في امتحان قبول الجامعة الأفغانية الوطنية.
وشاهدت والدتها هذا الخبر السعيد وأبلغتها إياه بنفسها، حسبما ما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وقالت شمسية في مقابلة: "ظننتها تمزح. ولكن عندما دخلت الغرفة، رأيت أجمل ابتسامة تزين وجه والدتي. أنا معتادة على ابتسامها، لكن ابتسامة الأمس كانت شيئاً آخر. كانت ابتسامتها هدية لي وملأت يومي بالسعادة. وكانت أفضل من الحصول على المركز الأول على مستوى البلاد".
هجوم داعش الوحشي
كانت شمسية علي زادة طالبة صغيرة في مركز دروس خصوصية يُعِدّ الأفغان الفقراء لامتحان القبول بالجامعة في البلاد حين دخل انتحاري إلى قاعة محاضرات تضم أكثر من 200 طالب أكبر سناً وفجر سترته الناسفة.
وتسبب هذا الهجوم في مقتل أو جرح أكثر من نصف الطلاب في الغرفة، وفقدت شمسية صديقات وفتيات كانت ترنو لأن تصبح مثلهن. وتحول المركز الذي كان يحتضن حلماً جماعياً- التعليم الجيد الذي يعد بطاقة الخروج من الفقر والقمع- إلى ساحة مذبحة، وغطت الدماء معادلات الجبر على السبورة البيضاء.
وقد أعلن أحد فروع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن تفجير مركز الدروس الخصوصية في كابول، الذي كانت تذهب إليه شمسية، استغلالاً منه لساحة المعركة المعقدة في أفغانستان، فدأب على مهاجمة أهداف سهلة مثل المساجد والمدارس والمستشفيات. وكانت قاعة الدرس مكتظة عن آخرها، وكان الانفجار شديد القوة، مما أدى إلى مقتل 40 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 60 آخرين.
وكان معظم الضحايا من الأطفال الفقراء من قرى صغيرة في وسط أفغانستان، وهي منطقة ينتمي معظم سكانها لقومية الهزارة. وكان الكثيرون منهم يتجهون إلى العاصمة كابول ويقيموا في مساكن للشباب تكلفهم 15 دولاراً شهرياً بعيداً عن عائلاتهم حتى يتمكنوا من متابعة تعليمهم. وقد عادت بعض نعوشهم إلى قراهم. أما بعض النعوش الأخرى، التي كان من بينها نعشان يحملان توأماً يبلغان من العمر 19 عاماً، فقد دُفنت على قمة تل في كابول.
ماذا ستفعل طالبان مع تعليم النساء؟
ولم يوضح مفاوضو طالبان موقفهم بالضبط من تعليم المرأة في الوقت الحالي، وقدموا القليل من التفاصيل في هذا الشأن غير أنهم يرددون أنهم يحترمون حق المرأة في التعليم والعمل "وفقاً للشريعة الإسلامية"، وهو تحذير تخشى العديد من النساء أن يفقدهن مكاسبهن.
ورغم أن الولايات المتحدة تعتبر تحسين وضع الفتيات نجاحاً كبيراً لوجودها في أفغانستان، لم تأتِ على ذكر حمايتهن في الاتفاق الذي وقعته مع طالبان بشأن سحب القوات الأمريكية، وتركت التفاوض على هذه القضايا للأطراف الأفغانية.
غير أن الحكومة الأمريكية قالت صراحة إنها ستستمر في استخدام المساعدات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتقدمها لأفغانستان، التي تعتمد على المساعدات الخارجية في حوالي 75% من إنفاقها، وسيلة للضغط لدفع الأطراف الأفغانية لاحترام مكاسب الحريات المدنية.
قالت شمسية: "أتمنى أن يفي كلا الجانبين بوعودهما، أتمنى ألا يُقتل أحد في أفغانستان بعد الآن".
والتوسع في فرص التعليم كان بارقة أمل في خضم التدخل الفوضوي الذي دام عقدين في أفغانستان من الولايات المتحدة وحلفائها.
وحين أُطيح بطالبان عام 2001، كانت المدارس تضم حوالي مليون طالب، جميعهم تقريباً من الذكور. وتسبب الصراع الذي دام عقوداً في إلحاق ضرر بالغ بالبنية التحتية، التي كانت ضعيفة بالفعل بسبب الفقر.
غير أن عشرين عاماً من الاستثمار زاد من معدل الالتحاق بالمدارس بما يصل إلى تسعة أضعاف. وظهرت الجامعات الخاصة في مدن البلاد.
لكن مثل العديد من الأشياء الأخرى، أعاق الفساد المتغلغل في البلاد جهود التعليم، وكثيراً ما تكون الأرقام الرسمية موضع شك. وفي السنوات الأخيرة، تسبب العنف أيضاً في خسائر فادحة، حيث أُغلقت أكثر من 1000 مدرسة بسبب الهجمات. ووفقاً لليونيسف، لا يزال ثلث الأطفال في سن الدراسة خارج المدرسة.
وشمسية علي زاده، التي تنتمي لقومية الهزارة، من منطقة جاغوري في مقاطعة غَزني، لكن عائلتها المكونة من خمسة أفراد ما فتئت تبحث عن ظروف معيشية أفضل منذ كانت طفلة. إذ عاشت عائلتها في مقاطعة هرات الغربية قبل أن تنتقل إلى كابول. وفي هرات، تلقت شمسية علي زاده دروساً مجانية في فنون القتال، لكنها اضطرت إلى التوقف عن تدريبها في كابول، لأن الدروس فيها كانت باهظة الثمن.
أما والدها فيعمل في منجم فحم في شمال أفغانستان، ولا يعود إلى المنزل إلا كل ستة أشهر.
وقالت شمسية في إشارة إلى الإقليم الشمالي الذي يعمل به والدها: "الاتصالات الهاتفية في سمنغان شديدة السوء. ولكنني تمكنت أخيراً من التحدث إلى والدي مساء أمس في الثامنة مساءً. وكان يبكي من شدة سعادته".