انتقل الدكتور يحيى الريوي (60 عاماً) من السلك الدبلوماسي في اليمن، حيث كان رئيس مركز المعلومات الوطنية التابع لوزارة الداخلية، إلى متن زورق صغير، كانت قصته مثالاً يجسد مأساة اللاجئين المبحرين عبر بحر المانش في قوارب صغيرة.
يقول الدكتور يحيى: "قبل بداية جميع المشكلات، كنت أسافر من دولة إلى دولة باستخدام جواز سفري الدبلوماسي. وحين أصِل إلى أي مطار، لم أكن أضطر للانتظار في الصفوف، لأنني كنت أمر عبر البوابة الخاصة بالدبلوماسيين.
في ذلك الوقت، كانت كل الأبواب تُفتَح لي، لكنها الآن مغلقة. لم يكن أمامي أي خيار سوى اجتياز بحر المانش على متن زورق صغير للوصول إلى المملكة المتحدة بحثاً عن الأمان"، بحسب ما نقل عنه تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
من اليمن إلى سويسرا لم يجد الأمان
وبكى يحيى وهو يروي كيف أُجبِر على الفرار من اليمن بسبب الصراع هناك، ووصل إلى سويسرا في أبريل/نيسان 2019 بواسطة جواز سفره الدبلوماسي، طالباً اللجوء.
وأثناء وجوده هناك تعرض الدكتور يحيى للهجوم؛ مما أفقده الرؤية في إحدى عينيه، ويعتقد أنَّ من يقف وراء الهجوم هم معارضون سياسيون لمواقفه، لأنه انتقد في السابق الفساد في اليمن.
وقال: "بعد ذلك الهجوم كانت حياتي في خطر دائم في سويسرا. لذا سافرت بالقطار إلى فرنسا في 10 يوليو/تموز 2020 وقضيت أربعة أيام في مخيم كاليه قبل العبور إلى المملكة المتحدة في زورق".
ويرد اسم الدكتور يحيى الريوي في مركز تكنولوجيا لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة غربي آسيا بصفته محكماً، وخبيراً في النظم المعلوماتية.
وأوضح الريوي: "أنا لا أهتم للمال، كل ما أريده هو العيش في سلام. لكن بسبب عدم وجود نظام عادل للاجئين في أوروبا، نضطر إلى الانتقال من بلد إلى آخر".
والعديد ممن يسافرون في قوارب صغيرة هم من الذكور، ونادراً ما تُسمَع قصص النساء اللواتي يشرعن في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر، لأنهن يتعرضن أكثر لخطر الاغتصاب والاتجار.
نساء يخضن مأساة اللاجئين المبحرين عبر بحر المانش
ولكن لا يمنع بعض النساء من خوض هذه التجربة المريرة.
فقد هربت امرأة في أوائل العشرينات من عمرها من إريتريا مع والدها وإخوتها، ووصلت إلى المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر على متن قارب صغير من مخيم كاليه، بعدما افترقت عن أفراد عائلتها الآخرين.
وفرت هذه السيدة من إريتريا حين كانت في سن الخامسة، وبعدها عاشت هي وعائلتها في إثيوبيا والسودان وليبيا، قبل عبور البحر المتوسط المحفوف بالمخاطر إلى إيطاليا، ثم سافرت من هناك إلى فرنسا.
وتعرضت المرأة للاغتصاب خلال رحلتها، وتسكن حالياً في فندق اقتصادي بدعم من وزارة الداخلية البريطانية. وأظهر الفحص أنَّ طفلها توقف عن النمو، وقال الأطباء إنه يجب إنهاء الحمل لأنَّ الجنين غير قابل للحياة.
وقالت: "جميع أفراد عائلتي علموا ما حدث لي. لكن لا يزال والدي عالقاً في ليبيا"، مشيرة إلى انهياره حين عرف بالاعتداء عليها، حتى أنه بالكاد استطاع التحدث حين أخبرته عبر الهاتف.
وأضافت أنها لَمِسَت عطفاً من الجمعيات الخيرية والشعب الفرنسي. وقالت: "كانت هناك سيدة فرنسية تسمح لنا أنا وأختي بالنوم أحياناً في منزلها حتى لا نضطر إلى النوم في المخيم. لا أعرف ما سيحدث لي في إنجلترا، لكن هناك شيء واحد مؤكد: مررت بالكثير من الصعاب في حياتي".
أخذوا كليتي
ولكن حتى الذكور أجسامهم تتعرض للانتهاك خلال هذه الرحلة.
فقد تعرض طالب لجوء من اليمن في أوائل العشرينات من عمره، الذي فر مرتين من اضطهاد الحوثيين في بلده الأم في عام 2017، للترحيل مرتين وأُعِيد إلى بلده قبل الوصول إلى ليبيا. لكنه اختُطِف في ليبيا على يد عصابة لتهريب الأعضاء، التي اقتادته إلى "عملية جراحية تحت الأرض" حيث تُزَال الأعضاء البشرية للبيع، وحيث أُخذِت إحدى كليتيه.
وعلى الرغم من هذه الجراحة، سافر عبر المغرب وإسبانيا وفرنسا وصولاً إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير في يونيو/حزيران. وتلقى العلاج في المستشفى، وقال: "أنا مصاب بصدمة شديدة. وأعاني الكثير من الضغط النفسي. إذا أفصحت بالكثير عن المُهربِين الذين سرقوا كليتي، فأخشى أن يتعقبوني ويعاقبوني مرة أخرى".