رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التعهد بتسليم السلطة سلمياً إذا خسر الانتخابات، قبل 40 يوماً فقط من التصويت، مؤكداً التخوفات من أن الولايات المتحدة مقبلة على كابوس حقيقي، لكن السؤال هو هل يمكن فعلاً أن يرفض ترامب مغادرة البيت الأبيض؟
ترامب يقطع الشك باليقين
رفض ترامب أمس الأربعاء، 23 سبتمبر/أيلول، التعهد بتسليم السلطة بشكل سلمي إذا خسر الانتخابات المقرر إجراؤها 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مجدداً المخاوف مما قد يحدث في البلاد المنقسمة بالفعل بسبب الأزمة الثلاثية التي تتعرض لها، من وباء كورونا والانهيار الاقتصادي والاحتجاجات المضادة للعنصرية.
رفْض ترامب القاطع احتل الصدارة في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية وحول العالم، ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تقريراً بعنوان "ترامب يرفض الالتزام بانتقال سلمي للسلطة"، تناول ما قاله ترامب وردود الأفعال الغاضبة من تصريحاته.
ورداً على سؤال بشأن إذا ما كان الرئيس سيلتزم بانتقال سلمي للسلطة، بغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات بينه وبين منافسه الديمقراطي جو بايدن، قال ترامب: "أنا أشكو بشكل قوي جداً من عملية الاقتراع، والاقتراع عبر البريد كارثة بالطبع"، وعندما قاطعه الصحفي قائلاً "الناس يحتجون في الشوارع"، انفعل ترامب قائلاً: "تخلصوا من الاقتراع، ولن يكون هناك أي انتقال للسلطة، بل ستكون هناك استمرارية سلمية جداً".
ترامب كان قد رفض أيضاً التعهد بقبول نتيجة الانتخابات الماضية أمام منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، لكنه فاز في النهاية بأصوات المجمع الانتخابي، رغم خسارته التصويت الشعبي لصالحها، وتقبلت كلينتون الهزيمة، وأعلنت تسليمها به.
لكن الموقف مختلف بصورة جذرية هذه المرة، فبسبب تفشي وباء كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 200 ألف أمريكي وأصاب أكثر من 7 ملايين و145 ألفاً بالعدوى، سيزيد الاعتماد على التصويت عبر البريد هذه المرة بصورة ضخمة لم تحدث من قبل في تاريخ البلاد، ويكرر ترامب طوال الوقت أن التصويت عبر البريد "عملية تزوير ضخمة" لصالح الديمقراطيين، رغم عدم وجود أي مؤشرات أو أدلة تدعم مزاعمه.
وفي هذا السياق وجّهت هيلاري كلينتون تحذيراً لبايدن، بألا يُعلن هزيمته أمام ترامب تحت أي ظرف من الظروف، وهو ما يشير إلى أن إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة ربما لا يلقى قبولاً من أي من الطرفين، وليس فقط من جانب ترامب.
هل تصبح أمريكا مثل روسيا البيضاء؟
لكن رفض ترامب التعهد بالانتقال السلمي أثار عاصفةً من الانتقادات لم تكن مقصورة على منافسيه الديمقراطيين، فقد صرّح السيناتور الجمهوري ميت رومني، بأن ما صرح به ترامب "غير مقبول، ولا يمكن التفكير فيه من الأساس"، مضيفاً في تغريدة له نقلها موقع The Hill الخاص بالكونغرس، أن "جوهر الديمقراطية هو الانتقال السلمي للسلطة؛ وبدون ذلك نصبح مثل روسيا البيضاء".
رومني يشير إلى الانتخابات الرئاسية في روسيا البيضاء، حيث تسبب إعلان فوز الرئيس أليكساندر لوكاشينكو في احتجاجات شعبية واسعة، بسبب اتهامات المعارضة له ولنظامه بتزوير الانتخابات، وهو ما أدى لدخول البلاد في موجة من الاضطرابات لا تزال مستمرة، رغم تأدية لوكاشينكو اليمين الدستورية أمس الأربعاء، ورفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الاعتراف به رئيساً شرعياً لروسيا البيضاء.
https://twitter.com/MittRomney/status/1308932877229477890
ومن جانبه وصف منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن تعليقات ترامب بشأن انتقال السلطة بأنها "غير عقلانية"، بينما قالت حملته إنهم مستعدون لأية "ألاعيب" من جانب الرئيس، وأضافت الحملة في بيان صحفي أن "حكومة الولايات المتحدة قادرة تماماً على طرد المتعدين على السلطة خارج البيت الأبيض".
كيف يمكن أن يرفض ترامب تسليم السلطة؟
صحيح أن ترامب معروف بتصريحاته الصاخبة والمخالفة للواقع، وصحيح أيضاً أنه قد عبر مراراً قبل ذلك بأنه يرغب في أن يظل رئيساً، ليس فقط لفترتين رئاسيتين مدة كل منها أربع سنوات كما ينص الدستور الأمريكي، بل مدى الحياة إن أمكن، يظل السؤال قائماً بشأن كيف يمكن له أن يرفض تسليم السلطة إذا خسر الانتخابات لصالح جو بايدن؟
الحقيقة أن ترامب قد كشف عن خطته بالفعل، أمس الأربعاء، حينما قال للصحفيين -بعد أن رفض التعهد بتسليم السلطة سلمياً- إنه يعتقد أن الأمر سينتهي بانتخابات 2020 الرئاسية في المحكمة العليا، مضيفاً أنه يعتقد أن هذا هو سبب أهمية وجود تسعة قضاة.
وقال ترامب، متحدثاً في البيت الأبيض، إن السيناتور لينزي جراهام، الذي يرأس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، لن يضطر حتى إلى عقد جلسة استماع لمرشح المحكمة العليا، وإن العملية ستتم بسرعة، وذلك في سياق تعيين بديل بعد وفاة القاضية الليبرالية بالمحكمة روث بادر جينسبورج، الجمعة 18 سبتمبر/أيلول الجاري.
وفي ظل تشكيك ترامب المستمر في عملية التصويت برمتها، واعتبارها مؤامرة ديمقراطية لسرقة الرئاسة منه، إضافة إلى تعقيدات عملية التصويت بالبريد والتأخير المتوقع في فرز الأصوات، لا ينتظر الأمريكيون معرفة نتيجة التصويت الشعبي مساء يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل (يوم التصويت)، فعلى الأرجح سيتأخر إعلان النتيجة وسيتفاوت التأخير من ولاية لأخرى.
وبالتالي ربما ينعقد المجمع الانتخابي مطلع ديسمبر/كانون الأول، دون أن يكون هناك مرشح فائز بالتصويت الشعبي على مستوى البلاد بعد، وحتى في حالة إعلان المجمع الانتخابي فوز جو بايدن بالرئاسة، سيرفض ترامب الاعتراف بالهزيمة، ويطلق معركة قضائية توقّع أن تصل للمحكمة العليا التي تتكون من 9 قضاة (رئيس و8 مساعدين)، لكنها حالياً ينقصها أحد القضاة المساعدين بعد وفاة غينسبورج.
لذلك يسعى ترامب لتعيين بديل للقاضية الليبرالية، رغم أن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل رفض ذلك من قبل، معلناً أنه "لا يجب تعيين قضاة في المحكمة العليا في عام الانتخابات"، وهو الموقف الذي يتمسك به الديمقراطيون الآن، أي الانتظار لحسم الرئاسة، ومن ثم تعيين بديل لغينسبورج، لكن ترامب مصمم على الإسراع في عملية التصويت على اختيار البديل الذي سيرشحه، فذلك ببساطة يعني وجود أغلبية مطلقة للقضاة المحافظين (الأكثر ميلاً للجمهوريين) على حساب الليبراليين (الأكثر ميلاً للديمقراطيين).
كيف يمكن أن تؤدي تصريحات ترامب لكابوس؟
لكن تعليقات ترامب الأخيرة وفي هذا التوقيت جعلت من مخاوف كثير من المراقبين من أن تؤدي الانتخابات القادمة إلى كابوس يهدد الديمقراطية الأمريكية والسلم المجتمعي أقرب من أي وقت مضى، وقد عبرت شبكة CNN المعادية لترامب عن ذلك في تقرير بعنوان "تهديدات ترامب وأفعاله تدفع بأمريكا إلى الهاوية".
وقال معلقون للشبكة إن رفض ترامب ضمان انتقال سلمي للسلطة في حالة خسارته أمام بايدن يدفع بالبلاد إلى مكان مظلم في عام يشهد انتخابات مشتعلة ومجتمع منقسم بشدة، وحذر التقرير من أن هجوم ترامب المتكرر وغير المبرر على عملية الاقتراع عبر البريد يمثل خطراً داهماً على ديمقراطية أمريكا المستمرة منذ 250 عاماً.
لكن الأخطر هنا أن تعليقات ترامب لا تهدد الديمقراطية فحسب، من خلال التشكيك في نزاهة عملية الانتخابات برمتها، لكنها قد ترسل إشارة لقاعدته الانتخابية بشأن كيفية رد الفعل في حالة فوز المرشح الديمقراطي في الانتخابات، وتزداد خطورة هذا السيناريو في ظل وجود احتجاجات غاضبة بالفعل تجتاح البلاد منذ مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد، مايو/أيار الماضي، على أيدي رجل شرطة أبيض.
والأخطر أن تلك الاحتجاجات اكتسبت زخماً جديداً، أمس الأربعاء، بعد تبرئة رجلي شرطة في لويزفيل بولاية كنتاكي من قتل امرأة أمريكية سوداء لم تكن تحمل سلاحاً، وهو ما أثار موجة جديدة من الاحتجاجات الغاضبة، والتي تطالب بإنهاء التمييز العنصري تجاه الأقليات، في إطار حملة "حياة السود مهمة".