دخلت القوات الأمريكية سوريا قبل أكثر من خمس سنوات على رأس قوات التحالف الدولي الذي تم تشكيله لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ورغم هزيمة التنظيم وتفرق ما تبقى من أفراده، لا تزال القوات الأمريكية متواجدة في سوريا وسط تصريحات متلونة بشأن الأسباب، فماذا تفعل القوات الأمريكية في سوريا حتى الآن؟
السبب الأول محاربة داعش
عند دخول القوات الأمريكية سوريا عام 2015 ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش، كان سبب وجود تلك القوات واضحاً، على الأقل بالنسبة للجنود أنفسهم وللساسة أيضاً وللشعب الأمريكي، ومع انتهاء ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، الذي اتخذ قرار إرسال القوات الأمريكية إلى سوريا، وتسلم دونالد ترامب مقاليد السلطة، كانت أبرز وعوده هي إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن وإنهاء مشاركة أمريكا في "الحروب اللانهائية".
وقبل أن يفوز ترامب بالرئاسة كانت المعركة ضد داعش أحد أبرز الملفات على الساحة الأمريكية، وفي أحد تجمعاته الانتخابية في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، قال ترامب إنه "يعرف عن داعش أكثر مما يعرفه الجنرالات الأمريكيون أنفسهم" مؤكداً قدرته على حسم المعركة عندما يفوز بالرئاسة ومن ثم يعيد الجنود إلى أرض الوطن.
ولكن بعد أن أصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة، أعلن انتصار بلاده على داعش 16 مرة، كان آخرها في مارس/آذار 2019، وهو الوقت الذي أصبح التنظيم فيه بالفعل لا يسيطر على أي أراض سواء في سوريا أو العراق وتم اعتقال عشرات الآلاف من مقاتليه، ورغم ذلك لا يزال مئات الجنود الأمريكيين متواجدين في سوريا بل وتم قبل أيام إرسال المزيد من القوات إلى هناك، فما السبب هذه المرة؟
الاستيلاء على النفط؟
موقع The National Interest الأمريكي رصد أسباب الوجود الأمريكي في سوريا في تقرير بعنوان "ماذا تفعل القوات الأمريكية في سوريا؟" رصد عبثية السياسة الأمريكية هناك من حيث تغير الأسباب المعلنة وذلك منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
التقرير رصد الاستقالة الشهيرة لوزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس بسبب معارضته قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، وفي السياق كان الإعلان مؤخراً عن معارضة ماتيس نفسه خطة لاغتيال الرئيس السوري بشار الأسد بمثابة مفاجأة لجميع المراقبين، حيث إن مواقف ماتيس المتناقضة بشأن ما تريده أمريكا من وجودها العسكري في سوريا يمثل انعكاساً للتخبط في السياسة الخارجية الأمريكية بشأن سوريا.
وسبب التناقض هنا هو أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا تتمركز بالأساس حول معارضة الأسد وليس هزيمة داعش التي تمت بالفعل قبل أمر ترامب بسحب القوات في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وينعكس هذا التناقض بشكل واضح في التبريرات التي تقدمها واشنطن للتواجد العسكري في سوريا؛ فسبب وجود تلك القوات يتغير من مناسبة لأخرى بصورة يصعب عدم الالتفات لها.
فبعد أن كان السبب محاربة داعش، انتفى ذلك السبب في مارس/آذار 2019 بعد خسارة التنظيم لآخر معاقله على الأرض في سوريا، لكن ذلك لم يكن سبباً كافياً لأن تنسحب القوات الأمريكية من سوريا، ثم أخبر الجنرالات قواتهم في سوريا أن سبب وجودهم هناك هو مواجهة إيران، على الرغم من أن القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا كانت تحارب داعش أيضاً.
ثم أعلن ترامب أن القوات الأمريكية موجودة في سوريا "لتأمين النفط" ومهدت إدارته الطريق لشركة أمريكية كي تدير حقول النفط السورية، وكان هذا هو السبب الذي قال ترامب إنه يحتفظ بمئات الجنود في سوريا من أجله، لكن السيطرة على حقول النفط كسبب تعني ببساطة أنه لابد من وجود تلك القوات بصورة دائمة لتأمين إنتاج وتصدير النفط.
لكن من بين الأسباب المتعددة التي ساقتها إدارة ترامب تبريراً للوجود العسكري المستمر في سوريا، يظل مبرر النفط هو الأضعف على الإطلاق، بحسب المراقبين، لأن النفط السوري لا يمثل قيمة كبيرة من حيث الجدوى الاقتصادية مقارنة بالنفط العراقي على سبيل المثال، خصوصا وأن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم الآن.
هل السبب حماية إسرائيل؟
مبرر آخر قدمه ترامب لوجود قوات أمريكية في سوريا عندما قال إن إسرائيل والأردن طلبا منه ذلك، وأعاد التأكيد على ذلك التبرير مؤخراً خلال أحد تجمعاته الانتخابية عندما قال "الحقيقة هي أننا لا يجب أن نتواجد (عسكرياً) في الشرق الأوسط، إلا لسبب واحد هو رغبتنا في حماية إسرائيل. كنا جيدين جداَ تجاه إسرائيل".
لكن حتى هذا التبرير الذي ظهر مؤخراً يصعب تخيله، فما الذي يمكن أن يفعله مئات الجنود لحماية إسرائيل؟ فالواقع هو أن إسرائيل هي التي تهاجم سوريا ليل نهار ولا تتعرض لأي تهديد من جانب نظام بشار الأسد تحديداً وهو الذي لم يحرك ساكناً حتى بعد إعلان أمريكا الموافقة على ضم الجولان رسمياً لإسرائيل.
وحقيقة الأمر هنا هي أن الهدف الرئيسي من السياسة الأمريكية تجاه سوريا هو تغيير نظام بشار الأسد، بحسب المحللين الأمريكيين، لكنه السبب الوحيد الذي لا تعلنه إدارة ترامب ولا يبدو أنها تتخذ أي خطوات على الأرض لتنفيذه مما يطيل أمد الحرب في سوريا والتي يدفع ثمنها الباهظ الشعب السوري نفسه، ولهذا السبب تحديداً (تغيير النظام) قامت أمريكا بتسليح جماعات معارضة أبرزها الأكراد وهو ما يفسر أيضاً استمرار القوات الأمريكية هناك بعد هزيمة داعش قبل أكثر من عام ونصف.
ويثير الوجود العسكري الأمريكي في سوريا تحديداً الجدل ليس فقط بسبب تعدد أسباب ذلك الوجود وتناقضها فقط، بل بسبب استمرار ذلك الوجود هناك حتى الآن دون سبب وحيد منطقي أو مقنع، خصوصاً أنه صدر بالفعل أمر سحب تلك القوات مرتين على الأقل من جانب ترامب دون أن يحدث ذلك فعلياً على الأرض.