يقع مباشرة فوق مقهى "السنترال" -أحد أقدم المقاهي بالعاصمة الأردنية عمّان- في شارع الملك حسين، متحف يعرض لافتات قديمة كانت مُعلّقة بشوارع عمّان في الفترة من الخمسينيات حتى تسعينيات القرن العشرين.
ويصف أمين متحف "آرمات عمان" والخطّاط، غازي خطاب، تجربة زيارة المتحف بأنها "رحلة عبر الزمن"؛ نظراً إلى أنه يعرض لافتات تعود لمحلات، وعيادات أطباء، ومتاجر ملابس، وفنادق، ومكتبات، ومقاهٍ، وكذلك مؤسسات حكومية من تلك الحقبة، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
قصة بدأت قبل 50 عاماً
وبدأ خطّاب، البارع في الخط العربي، تجميع اللافتات القديمة في 1986؛ للحفاظ على ذاكرة عمّان وأعمال الخطّاطين.
وقال خطّاب لموقع Al-Monitor: "بدأت قصتي مع اللافتات قبل 50 عاماً، عندما كنت أستقلُّ حافلة من مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين- حيث كنت أعيش- إلى محل بقالة والدي بمنطقة العبدلي. ولاحظت العلامات المكتوبة بخط اليد للمحلات التجارية في وسط المدينة. ووجدت طرقاً عديدة للحفاظ على فن الخط العربي هذا من خلال شراء بعض اللوحات، والبعض الآخر فإما تبرع بها أصحابها وإما عرضت عليهم علامات جديدة في المقابل".
وأوضح خطاب: "في أوائل أغسطس/آب، افتتحت المتحف بعدما جمّعت مئات اللافتات القديمة التي تعود بنا إلى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وتُوثِّق حقبة اجتماعية محددة في تاريخ عمّان؛ حقبة من اللافتات مليئة بأسماء الأطباء والمحامين والخياطين والمتاجر وشركات سيارات الأجرة. إن هدفي هو خلق ذاكرة فنية لعمّان".
وأضاف خطّاب: "أسعى أيضاً لإحياء هذا الإرث والحفاظ عليه وإدامة أسماء الخطّاطين بدلاً من تحويل لافتاتهم إلى خردة. وقد تمكنت من إنقاذ اللافتات التي كانت محفوظة في المستودعات وأعدتها. هذه ليست مجرد علامات، لكنها تحكي قصص أفراد وتُجسِّد ذكريات حقبة".
العودة إلى الماضي
ولفت أمين المتحف: "هذه اللافتات تملأ الزائر شعوراً بالحنين. فقد فوجئت سيدة مُسنَّة زارت المتحف، برؤية لافتة عليها اسم مُصفِّف شعر كانت تذهب إليه في السبعينيات. هذا المتحف يُوثِّق خمسين عاماً من الحياة في عمّان".
ويضم المتحف واحدة من اللافتات النادرة؛ وهي لافتة المتجر الملكي الهاشمي التي تعود لعام 1949. واللافتة مملوكة لروبن كيشيچيان، وهو أرميني-أردني، استخدمها واجهة لمتجر معدات التصوير الذي كان يملكه. وصَنَع اللافتة خطّاط أرميني يدعى ألبرت.
ويعود تاريخ لافتة أخرى معروضة في المتحف إلى الثمانينيات. والتقط خطّاب صورة لنفسه وهو يقف أسفلها، وكان في المرحلة الثانوية وقتها.
إضافة إلى ذلك، جمع خطّاب لافتات المحلات التي عُثِر عليها في مدينة نابلس بفلسطين، والتي تعود إلى عام 1967 عندما سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية. وإحدى تلك اللافتات التي رسمها الخطّاط الفلسطيني شوقي يعيش، تعود إلى محل ملابس غازي الطاهر.
وأشار خطّاب: "ذُرِفَت دموعٌ كثيرة بالفعل في هذا المكان [المتحف] من كبار السن الذين يتذكرون أسماء الأطباء الذين عالجوهم أو الفنادق التي أمضوا أياماً جميلة فيها. وهناك كذلك لافتات تمثل شاهداً على الأحداث المؤسفة [أيلول الأسود] التي مر بها الأردن في السبعينيات. وأضاف أنَّ بعض اللافتات ما زالت تحمل آثار طلقات نيران من تلك الحقبة".
يُذكر أنَّ دخول المتحف مجاني.
وعن هذا، قال خطّاب: "المكافأة بالنسبة لي هي أن أرى حب الزوار لعاصمة عمّان الجميلة وحرصهم على تعلُّم الخط العربي ولغتنا العربية. أما بالنسبة للأشخاص المحرومين من السفر [للخارج] بسبب فيروس كورونا المستجد، فأقول لهم: تعالوا وزوروا حقبة الخمسينيات في عمان".
وتأسس المتحف بدعم مالي من الشركة الهندسية لصناعة الإعلان، التي شيّدها خطّاب وأشقاؤه.
موقع ثقافي مهم
وصرّح وزير الثقافة الأسبق محمد أبو رمان، الذي زار المتحف، لموقع Al-Monitor، بأنَّ هذا المتحف يُعَد "موقعاً ثقافياً وتاريخياً مهماً، ليس بسبب اللافتات فحسب؛ بل أيضاً لأنَّ لكل منها قصة تروي جزءاً مهماً من التاريخ غير موجودة في الكتب. هذه اللافتات جزء من التاريخ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لعمّان. أجمل ما في الأمر أنَّ أمين المعرض [خطّاب] لديه ذكريات حية عن هذه اللافتات الثمينة، وقصصها [الخلفية] والأماكن التي تمثلها، سواء الفنادق أو المطاعم أو المقاهي أو المكاتب التجارية أو المكتبات".
وبإمكان الزائرين كتابة رسائل في كتاب للضيوف بالمتحف، وأعرب كثيرٌ منهم فيه عن صِلاتهم بتلك اللافتات.
إذ كتبت واحدة من الزائرين تُدعى هدى، رسالة تقول فيها: "من دون تخطيط مسبق وبمحض الصدفة، زرت المتحف في وسط المدينة ورُدَّت إليَّ روحي عندما عُدت إلى الوراء 50 عاماً. لقد كانت رحلة غير متوقعة عبر الزمن، رحلة لن أنساها أبداً".
في حين كتبت امرأة أخرى: "هذا المكان يروي قصصاً سأعتز بها للأبد".
إلى جانب ذلك، يضم المتحف ركناً مخصصاً لأشهر الخطّاطين الكلاسيكيين في عمّان، ويعرض أدواتهم وصورهم التقليدية لتكريمهم.