نعم حقق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أكثر مما كان يحلم به مدعوماً بوجود الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكن هل تم بالفعل تصفية فلسطين وانتهى الأمر أم أن موسم الهرولة إلى التطبيع ربما يكون أعاد فلسطين المحتلة لواجهة الأحداث مرة أخرى؟
رفض شعبي لاتفاقيات التطبيع
منذ اللحظة الأولى لإعلان ترامب المسرحي عن اتفاق الإمارات وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما بشكل كامل يوم 13 أغسطس/آب 2020، أجمعت ردود الفعل، على تنوعها، على نقطة واحدة بدا وكأنها حقيقة لا تحتاج لتفسير مفادها أن اتفاق التطبيع لا علاقة له بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، والمقصود بها هنا هو توقيع اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطين.
وبعيداً عن اتهامات الخيانة التي طالت القيادة الإماراتية أولاً ثم ملك البحرين ثانياً بعد توقيع "اتفاقات أبراهام" في البيت الأبيض قبل أيام، من المهم هنا رصد عدة نقاط نتجت عن تلك الاتفاقيات التي وصفها الرئيس الجزائري – دون ذكر الدولتين بالطبع – بموسم الهرولة نحو التطبيع (مع إسرائيل)؛ أبرز تلك النقاط هو أن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة بدا وكأنه أمر بديهي لا يمكن أن يتحقق السلام في الشرق الأوسط بدونه.
واتخذت هذه النقطة أشكالاً متعددة، على المستوى الشعبي والرسمي أيضاً؛ فقد أطلقت 31 منظمة أهلية عربية رافضة للتطبيع "وثيقة فلسطين"، منها الرابطة الإماراتية لرفض التطبيع، تجاوز عدد الموقعين عليها مليونين وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من إطلاقها على مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك في المظاهرة الافتراضية جيش من المناهضين للتطبيع من كل البلاد العربية، ولا تزال أعداد الموقعين في ازدياد.
ولا يمكن الاستخفاف بالرفض الشعبي للتطبيع المجاني مع إسرائيل، حيث أعادت تلك الاتفاقيات قضية فلسطين إلى الواجهة مرة أخرى، حتى في ظل الدفاع المستميت عن قرارات الإمارات والبحرين من جانب إعلاميين ومسؤولين محسوبين على الأنظمة، وقيام وسائل الإعلام الرسمية في غالبية الدول العربية التي تتحكم فيها الأنظمة بمباركة تلك الاتفاقيات.
مطالبات رسمية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي
النقطة الثانية التي تسترعي الانتباه منذ 13 أغسطس/ آب الماضي هي تأكيد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما من دول العالم على حتمية انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وقيام دولة فلسطين طبقاً للقرارات الدولية كطريق وحيد لإقرار سلام حقيقي في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من القرارات الأحادية التي اتخذتها إدارة ترامب مثل نقل السفارة الأمريكية للقدس أو ضم الجولان السورية المحتلة لإسرائيل.
وعلى المستوى العربي، جاء رد الفعل الرسمي الجزائري واضحاً على لسان الرئيس عبدالمجيد تبون أمس الأحد 20 سبتمبر/أيلول، معلناً أن بلاده "لن تشارك ولن تبارك الهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل"، مضيفاً "أنا أرى أن هناك نوعاً من الهرولة نحو التطبيع ونحن لن نشارك فيها ولن نباركها، والقضية الفلسطينية عندنا تبقى مقدسة بالنسبة إلينا وللشعب الجزائري برمته".
وأكد تبون على الموقف الدولي من الصراع في الشرق الأوسط بالقول إنه "ليس هناك حل للقضية الفلسطينية إلا بدولة فلسطينية في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وإذا أعلنت هذه الدولة سيحل مشكلة الشرق الأوسط"، ومشدداً على أن "مفتاح الحل لمشاكل الشرق الأوسط هو القضية الفلسطينية".
وعبرت جنوب إفريقيا عن نفس الموقف الجمعة 18 سبتمبر/أيلول 2020 حين أعلنت عن دعمها للقضية الفلسطينية حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة مستقلة، وذلك خلال مكالمة هاتفية أجرتها وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور مع نظيرها الفلسطيني رياض المالكي، حسب وكالة الأنباء الرسمية "وفا".
ماذا عن الموقف الأمريكي؟
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الداعم الرئيسي لإسرائيل منذ نشأتها عام 1948 ولم يتغير أبداً هذا الدعم بغض النظر عن كون الإدارة جمهورية أو ديمقراطية، فاللوبي اليهودي هو الأقوى والأكثر تأثيراً في واشنطن ولا غنى عنه للفوز في الانتخابات هناك، لكن السنوات الأربع الماضية منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض شهدت اختلافاً ملحوظاً في النظر للصراع في الشرق الأوسط وكيفية إيجاد حل سلمي له.
فرد الفعل على قرارات ترامب المتعلقة بنقل السفارة إلى القدس وضم الجولان لم يكن تأييداً على طول الخط وليس تهليلاً ومباركة، بقدر ما ظهرت أصوات تحذر من تلك القرارات وانعكاسها على فرص تحقيق السلام، ومن بينها أصوات يهودية داعمة لإسرائيل لكنها رأت في تلك القرارات "هدايا من ترامب لنتنياهو لمساعدته في موقفه المتأزم داخلياً" أكثر منها دعماً لإسرائيل ومصالحها.
وربما تكون المرة الأولى في السياسة الأمريكية التي تظهر أصوات منتقدة لنتنياهو بتلك الحدة، وهو ما يشير إلى أن "حل الدولتين" قد عاد مرة أخرى للواجهة بصورة كانت قد اختفت في السنوات الأخيرة، في ظل التركيز على المنظمات الفلسطينية وخصوصاً حماس وتصويرها على إنها منظمة إرهابية تسعى لتدمير إسرائيل.
كثرة الضغط تولد الانفجار
لكن ربما تكون النقطة الأهم والتي ظهرت جلياً منذ ذلك الإعلان عن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي هي وحدة الفلسطينيين أنفسهم وهو ما لم يحدث منذ عام أكثر من 15 عاماً تقريباً، وبالتحديد منذ انفراد حماس بحكم قطاع غزة ووجود حكومة السلطة برئاسة محمود عباس في الضفة الغربية؛ فعلى الرغم من محاولات عقد المصالحة الفلسطينية على مدار سنوات دون نتيجة والتركيز إعلامياً على تلك النقطة، جاءت اتفاقيات التطبيع لتضع حداً للحديث عن الانشقاق الفلسطيني مقابل التركيز على حتمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين كسبيل وحيد لإقرار السلام في الشرق الأوسط.
وقد نشرت صحيفة الغارديان البريطانية قبل يومين مقالاً تحليلياً بعنوان "احتلال فلسطين يأكل إسرائيل من الداخل ولا يمكن لاتفاقيات التطبيع أن تؤسس للسلام"، تناول إصرار إسرائيل على محاولات تكريس احتلالها للأراضي الفلسطينية بدلاً من الانسحاب منها كسبيل وحيد لإقرار السلام.
وقد نشر موقع Axios الأمريكي تقريراً شارحاً لاتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي ركز على رمزية وجود بند ينص على التزام الجانبين "بالعمل معاً للتوصل إلى حل تفاوضي ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويلبي طموحات واحتياجات الطرفين"، وبحسب الموقع فإن السلام في الشرق الأوسط يظل مرتبطاً بتحقيق طموحات الفلسطينيين المشروعة والمعترف بها دولياً لإقامة دولتهم.
من المؤكد أن موسم التطبيع مع إسرائيل يمثل انتكاسة للفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم مرة أخرى بمفردهم في مواجهة دولة الاحتلال، لكن وكما يقول العرب "رب ضارة نافعة" ربما تمثل تلك الانتكاسة فرصة لأن يتخلى قادة الشعب الفلسطيني عن خلافاتهم السياسية والأيديولوجية بعد أن وجدوا أنفسهم في هذا الموقف، على الرغم من أن تخلي الأنظمة العربية عن الفلسطينيين لا يعني بالضرورة تخلي الشعوب العربية عن القضية التي شكلت وجدان الأجيال العربية على مدار أكثر من 7 عقود حتى الآن.
والأهم هو أن قضية فلسطين قد عادت مرة أخرى إلى المشهد عربياً وإقليمياً ودولياً في ظل الإجماع على أن اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل لا تعني اقتراب السلام في واحدة من أكثر البقع الساخنة حول العالم، وهو ما يشير إلى أن تلك الاتفاقيات ربما تمثل فوائد سياسية أو اقتصادية أو سياسية لمن وقعوها، لكنها أيضاً ربما تكون قدمت خدمة كبيرة لفلسطين كقضية عادت مرة أخرى إلى واجهة الأحداث من الباب الواسع بعد أن أدرك الجميع – باستثناء ترامب ونتنياهو والمطبعين – أن السلام في الشرق الأوسط له باب واحد وهو إعلان قيام دولة إسرائيل على أراضيها التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو/حزيران 1967.