بعد 6 أشهر من انتصارها على كورونا.. كيف يعيش سكان ووهان منشأ الفيروس حياتهم اليوم؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/21 الساعة 09:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/21 الساعة 11:40 بتوقيت غرينتش
الحياة والسياحة تعود من جديد لووهان الصينية، بؤرة تفشي فيروس كورونا إلى العالم، لكن الخوف من العدوى لا يزال موجودا/ رويترز

بينما عاد شبح وباء كورونا من جديد مع اقتراب فصل الشتاء، تعيش مدينة ووهان الصينية، منشأ الفيروس، حالة فريدة تستدعي التوقف، فالمدينة لم تسجل حالة إصابة واحدة منذ 6 أشهر رغم أن سكانها يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، فما القصة؟

القصة تناولتها مجلة The Economist البريطانية في تقرير بعنوان: "مدينة ووهان المتضررة تُصبح واجهة عرض للصين بأكملها"، ألقى الضوء على الظروف السياسية والاجتماعية بل والنفسية للمواطنين داخل المدينة التي يبلغ تعدادها 11 مليون نسمة.

إغلاق صارم لكنه فعال

في مدونة إلكترونية صادقة عن الحياة تحت الحجر الصحي، سجلت فانغ فانغ، وهي كاتبة شهيرة تعيش في ووهان، مخاوفها من أن ذكريات السكان عن المعاناة سوف تتلاشى بسرعة كبيرة. كانت فانغ قد كتبت في اليوم الـ12 من إغلاق المدينة: "لا يمكننا أن ندع الحزن الذي يسيطر على الأوضاع الحالية يستهلكنا"، لكنها أضافت: "آمل فقط أن نتذكر … أولئك الذين سلبهم الموت قبل الأوان أو بسبب الإهمال، تذكروا تلك الأيام الحزينة والليالي المؤسفة، تذكروا فقط ذاك الشيء الذي أربك حياتنا…".

الموظفون يتناولون غدائهم في مصنع Dongfeng Fengshen في 24 مارس في ووهان ، الصين/ AFP

بعد نحو 6 أشهر من خروج ووهان من إغلاق شاق استمر 76 يوماً، لن يقدر أحد أن يحرم سكانها فرصة الاحتفال والاسترخاء إلا لو كان قاسي القلب. لم تسجل المدينة المركزية، حيث اكتُشف "كوفيد-19" لأول مرة وفُقد 3869 شخصاً بسبب فيروس كورونا (وهو ما يعادل أربعة أخماس إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفيروس في البلاد) أي حالات منذ منتصف مايو/أيار. في ذلك الشهر، أدى ارتفاع طفيف في عدد الإصابات إلى حملة واسعة لفحص سكان ووهان البالغ عددهم 11 مليوناً في غضون أسبوعين، وهو مثال على نهج الحملة الشاملة التي تتبعها الصين لمواجهة الوباء، إذ أثبتت فاعليتها حتى لو كانت على درجة ما من الشدة.

ساعدت تلك الفحوصات على تعزيز الثقة. بدأ المحتفلون يحتشدون الآن بشوارع التسوق ويترددون على تجمعات الكاريوكي. يخلع مرتاحو البال من السكان أقنعتهم في الهواء الطلق، بينما يذهب السباحون للغطس في نهر يانغزي الذي ينتصف ووهان (في يوليو/تموز كان السكان في حالة من الرعب من كارثة أخرى: فيضانات واسعة النطاق). اكتظ برج يِلو كرين الذي تشتهر به المدينة بالزوار، ويقول تشانغ هاني، ويعمل بالسياحة: "يعتقد جميعهم أن ووهان مدينة الأبطال ويريدون المجيء لرؤيتنا". فيما وجد استطلاع أجرته مؤسسة فكرية رسمية في أواخر أبريل/نيسان بعد فترة وجيزة من رفع الإغلاق أن ووهان كانت الوجهة الأكثر شعبية في الصين، بعد أن كانت الثامنة قبل أن ينتشر الفيروس.

كيف نجحت حكومة الصين هناك؟

كل تلك الدعاية تصب في مصلحة الحكومة الصينية، التي تعرضت في وقت مبكر من الجائحة لانتقادات واسعة، حتى داخل الصين نفسها، بسبب إسكاتها أطباء ووهان الذين حاولوا التحذير من ظهور فيروس جديد، وبسبب إخفاقها في التعامل معه بصورة مناسبة عند ظهوره. عندما انتشرت صور الشهر الماضي لتجمهر آلاف الأشخاص في مهرجان موسيقي بحديقة مائية في ووهان – ملتصقين ببعض وبدون أقنعة – أصرت جريدة Global Times، الناطقة بلسان الدولة، على أنه "لم يفت الأوان أبداً للتعلم من ووهان".

وفي شهر سبتمبر/أيلول الحالي، استضافت جمعية "صداقة الشعب الصيني مع الدول الأجنبية"، وهي هيئة مرتبطة بالدولة، رؤساء 20 شركة متعددة الجنسيات في جولة في المدينة مصممة بعناية لمدة ثلاثة أيام. كان هدف الرحلة، على حد تعبير لين سونغتيان، رئيس الرابطة، هو "مشاهدة الشفاء الكامل لووهان".

الرئيس الصيني في ووهان يعلن الانتصار على الفيروس/رويترز

تضمَّن خط سير الرحلة زيارة مشفى مؤقت، الذي فرغ الآن من الأسرة والمعدات، ومتجر كبير فاخر (وصف بأنه "السوق الرطبة 3.0" وهو ما يطلق على الأسواق الشعبية في الصين) ومدرسة ابتدائية راقية. عبر كل من أجرى حوارات صحفية منهم بكلمات الثناء والإعجاب تجاه الحزب الشيوعي. وتباهى ليو تيتشو، مسؤول محلي، بمشفى متنقل كان في ما سبق قاعة زفاف، وقال إن "كوفيد-19" جعل الجميع يدركون أن "الناس لا يمكن أن يتجاوزوا آلامهم دون الاحتفال".

إلا أن كثيراً من المواطنين العاديين يشاركونهم البهجة ذاتها. وصف سائق يبلغ من العمر 50 عاماً، خدم في أسطول كان ينقل الأطباء والأغذية والأدوية أثناء الحجر الصحي، عملية اتخاذ القرار التي تبناها شي جين بينغ، الزعيم الصيني، بأنها "استثنائية". وقال متطوعون شبان مسؤولون عن تنظيم جولة هرولة على ضفاف البحيرة للزوار إن خطر انتشار موجة ثانية تشعرهم بالذعر. وبينما يُرسم وشماً ملوناً على أذرع المارة يقول: "ووهان، نحن نستطيع"، بدأوا في ترديد عبارة جديدة: "ووهان هي المكان الأكثر أماناً الآن". يقول فيليب كلاين، الطبيب الفرنسي الذي مكث في ووهان أثناء الإغلاق، إن كثيراً من الناس في المدينة يريدون "نسيان أننا كنا في أصل الكارثة"، فيما يلخص أب شاب الشعور السائد قائلاً: "لمَ علينا أن نركز على الأشياء غير السارة؟".

وبينما لا تزال الولايات المتحدة تتحسس خطواتها حول الجائحة، أصبح الصينيون أكثر استعداداً لقبول موقف الحزب. إذ سرعان ما تعرضت فانغ فانغ، كاتبة المذكرات الإلكترونية البالغة من العمر 65 عاماً (اسمها الحقيقي هو وانغ فانغ)، للسب من جانب وسائل الإعلام الحكومية لأنها، على حد قولهم، كشفت "الجانب المظلم" فقط من الجائحة، وعلى الرغم من وجود ملايين المتابعين لها على الإنترنت، انقلب القراء ضدها بأعداد مذهلة. أحد المنتقدين هو مستشار طلابي في إحدى جامعات ووهان يبلغ من العمر 28 عاماً، ويقول إن "المعلومات السلبية" التي أتت بها فانغ فانغ "تضر بالحالة النفسية للعامة".

ماذا عن الحالة النفسية لمواطني ووهان؟

كانت الحالة المزاجية لمواطني ووهان موضوعاً تناولته فانغ فانغ مراراً في مذكراتها. كتبت عن "ضغوط غريبة لا توصف" في المدينة أثناء الإغلاق. في اليوم 40، أي أوائل مارس/آذار السابق، كتبت أن السكان "وصلوا إلى نقطة الانهيار النفسي"، وأشارت إلى أن الجميع في المناطق الأخرى قد "أصيبوا بصدمة" بسبب تفشي المرض. تقول: "بالنظر إلى ما كان، لا يشعر أحد منا بأنه محظوظ، فقط نشعر بأننا ناجون".

مدينة ووهان الصينية، التي يقطنها 11 مليون شخص بالصين، عادت إلى الحياة بعد عزل عام استمر شهرين بسبب تفشي فيروس كورونا بها

إنها محقة في القول إن المدينة مشوهة. كانت إحدى وجهات الرؤساء هي مستشفى تونغجي، الذي أنشأ وحدة تعاف للناجين من "كوفيد-19″، ممن يعانون أمراضاً نفسية وآثاراً أخرى لاحقة. وأكد مدير المستشفى أن بعض الذين تجنبوا الإصابة بالفيروس أظهروا أيضاً بعض أعراض الاكتئاب، لكنه رفض التصريح بأي أرقام. جدير بالذكر أنه لم يُعرض على الزوار أي مكان بالمستشفى إلا صالة المدخل، ومُنعوا من التحدث إلى الموظفين أو المرضى.

وسط حالة الابتهاج التي أصابت ووهان، ما زالت علامات الخوف والمعاناة ظاهرة على سكانها. قلة من الناس على استعداد للتصريح بأسمائهم للصحفيين الأجانب، ومن الصعب التغاضي عن المتاجر التي لم تومض أضواءها بعد، وتلك التي تحمل لافتات كُتب عليها "معروض للبيع"، وما تزال رحلات المترو اليومية تبلغ ثلاثة أرباع ما كانت عليه في سبتمبر/أيلول الماضي. يقول مهندس في منتصف الثلاثينيات من عمره، ويعيش في إحدى المناطق الأكثر تضرراً، إنه خزن كمية كبيرة من الأقنعة في منزله، ويكمل بهدوء: "على الواحد أن يكون مستعداً". في الأماكن العامة، قد تظن أنها مدينة مستعدة للعودة إلى الحياة الطبيعية، لكن على المستوى الشخصي، ربما يتردد في ذهن الكثيرين في ووهان كلمات التحذير التي قالتها فانغ فانغ: "دموع أكثر من تلك سوف تجيء".

تحميل المزيد