الاختلافات بين ترامب وبايدن في السياسة الخارجية تبدو عميقة وتضمن قضايا عدة، لكنهما يتشاركان في رؤى متشابهة حول بعض الأهداف الكبرى، بما في ذلك تقليص توزيع القوات في الشرق الأوسط وأفغانستان.
سعى الرئيس الأمريكي ترامب إلى تسليط الضوء على أوراق اعتماده في السياسة الخارجية في الأسابيع الأخيرة من حملة 2020. وبترتيبٍ سريع، فقد أشرَفَ على اتفاقي سلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وساعد في إطلاق مباحثات السلام الأفغانية، وقلَّص القوات في العراق وأفغانستان، ودَفَعَ في اتجاه إطار عملٍ لاتفاقٍ للحدِّ من التسلُّح مع روسيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
أما بايدن، الذي يتمتَّع بعقودٍ من الخبرة الدولية كسيناتور سابق ونائبٍ للرئيس، فقد انتَقَدَ ترامب على إضعافه التحالفات الأمريكية، وتوطيد العلاقات بالحُكَّام الديكتاتوريين، والفشل في تحجيم البرنامج النووي الإيراني بعد الانسحاب من اتفاق عام 2015 الذي جرى التفاوض بشأنه حين كان بايدن يعمل في ظلِّ إدارة أوباما.
قال الأميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، القائد السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، إن رؤاهما للتحالفات "هي الاختلاف الأكبر والأهم بين المُرشَّحين، حتى أكبر من اختلافهما بشأن المناخ، والبرامج النووية الإيرانية، والحفاظ على حدٍّ أدنى من القوات في العراق وسوريا وأفغانستان".
الاختلافات بين ترامب وبايدن في السياسة الخارجية
التحالفات الأمريكية
كَتَبَ جو بايدن في مجلة Foreign Affairs الأمريكية أن ترامب "قوَّضَ حلفاء وشركاء الولايات المتحدة وقلَّل من شأنهم، وفي بعض الأحيان تخلَّى عنهم"، ما أضعف المكانة الأمريكية عالمياً.
وأشار نائب الرئيس السابق إلى أنه سوف يوطِّد الصلات مع حلفاء الناتو. وانتَقَدَ قرار ترامب بسحب قواتٍ تُقدَّر بحوالي 12 ألف فرد من ألمانيا، وتعهَّد بمراجعة هذه الخطوة. وقال إنه سوف ينضم مُجدَّداً إلى الاتفاقات العالمية، مثل اتفاق باريس بشأن التغيُّر المناخي.
وكان ترامب مُتشكِّكاً إزاء تحالفات واشنطن ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويرى أعضاء الناتو باعتبارهم منافسين اقتصاديين ينبغي أن يدفعوا أكثر بكثير على دفاعاتهم. وضَغَطَ على اليابان وكوريا الجنوبية من أجل إنفاق المزيد على تعويض الولايات المتحدة على نشر قواتها في البلدين. وقدَّمَ إشعاراً بالانسحاب من اتفاق باريس الخاص بالمناخ العام الماضي، قائلاً إن الاتفاق يعاقب العمال الأمريكيين بشكلٍ غير عادل.
إيران وكوريا الشمالية
يختلف ترامب وبايدن بحِدَّة في كيفية تحجيم البرنامج النووي الإيراني. يفضِّل بايدن العودة إلى اتفاق إيران النووي لعام 2015، شريطة أن تلتزم إيران أيضاً بالاتفاق، الذي خرقته بتخصيب اليورانيوم بعد قرار ترامب بالانسحاب. وقال بايدن إنه سوف يحاول التفاوض على اتفاق متابعةٍ أكثر صرامة، لكنه لم يوضح التفاصيل.
في المقابل، سوف يواصل ترامب حملته للضغط الاقتصادي الأقصى، لكن شروطه من أجل اتفاقٍ جديد -حيث إنهاء جميع عمليات تخصيب اليورانيوم وانسحاب إيران من المنطقة- قوبِلَ بالرفض من جانب طهران.
وأوقفت كوريا الشمالية الاجتماع مع المفاوضين الأمريكيين، ولم يفسِّر أيٌّ من المُرشَّحين علناً كيف يخطِّطان لحثِّ كوريا الشمالية على نزع سلاحها النووي. وقال بايدن إنه سينسِّق مع الصين ودولٍ أخرى للتفاوض بشأن نزع السلاح النووي لدى كوريا الشمالية.
وعَقَدَ ترامب قمَّتين مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، لكنه فشل في إقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن ترسانتها النووية وصواريخها طويلة المدى.
روسيا والحدُّ من التسلُّح
يقول كلا المُرشَّحين إنهما يفضِّلان الحدَّ من التسلُّح، لكنهما حدَّدا إستراتيجيَّتين مختلفتين، إذ يريد ترامب اتفاقاً نووياً مع روسيا هذا العام من شأنه أن يُحدِّد بعباراتٍ عامة أهداف معاهدةٍ مستقبلية تشمل جميع الرؤوس النووية وتنصُّ على تحقُّقٍ صارم.
وإذا وافقت روسيا، فسوف يمدِّد ترامب اتفاقية ستارت الجديدة، التي من المُفتَرَض أن تنتهي مدتها في فبراير/شباط المقبل. ويتمثَّل مطلب ترامب طويل المدى في أن تنضم الصين إلى معاهدةٍ جديدة مع واشنطن وموسكو.
أما بايدن، فيقول إن هدفه هو تقليص دور الأسلحة النووية في العقيدة العسكرية الأمريكية. ويفضِّل تمديداً لاتفاقية ستارت الجديدة كأساسٍ لترتيباتٍ من نوعٍ جديد.
نشر القوات خارج أمريكا
قال بايدن إنه سوف يعيد أغلب القوات الأمريكية من أفغانستان والشرق الأوسط إلى الوطن، بينما يركِّز على مهمة مجابهة تنظيميّ القاعدة وداعش.
أما ترامب، فقال إنه يريد سحباً كاملاً للقوات الأمريكية من أفغانستان. ومن المُقرَّر أن ينخفض عدد القوات، التي بلغت في الإجمالي 13 ألفاً في فبراير/شباط الماضي، إلى 4300 بحلول الخريف.
ولم يُصرِّح أيٌّ من المُرشَّحين بخططهما طويلة الأمد بشأن القوات في العراق وسوريا.
العلاقات مع السعودية وإسرائيل
ستكون العلاقات مع المملكة السعودية أبرد كثيراً في ظلِّ رئاسة بايدن المُحتَمَلة، إذا تمسَّك بايدن بخطاب حملته الانتخابية، فقد تعهَّد بإنهاء مبيعات السلاح الأمريكية للمملكة، وأخبَرَ مجلس العلاقات الخارجية العام الماضي إنه سوف "يأمر بتقييمٍ للعلاقات مع المملكة السعودية"، مستشهداً بحربها في اليمن، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في العام 2018.
ويدعم الرئيس ترامب المملكة السعودية ووليّ عهدها الأمير محمد بن سلمان بقوة، باعتبار المملكة حليفاً إستراتيجياً ضد إيران. وتجاهَلَ ترامب المعلومات الاستخباراتية بأن من المُرجَّح أن يكون وليّ العهد هو من أمَرَ بقتل خاشقجي، واعترض على محاولات الكونغرس لكبح مبيعات الأسلحة للرياض.
لطالما صوَّرَ بايدن نفسه باعتباره داعماً قوياً لإسرائيل، ووَعَدَ بالحفاظ على تفوُّقها العسكري. ولكنه أيَّد كذلك حلَّ الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحذَّرَ من ضمِّ إسرائيل أجزاءٍ من الضفة الغربية.
في المقابل، اقترح ترامب، الذي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في عام 2018، خطة سلامٍ في الشرق الأوسط من شأنها أن تمنح الإسرائيليين الشروط والأراضي التي سعوا إليها منذ فترةٍ طويلة، مع إتاحة إقامة دولةٍ فلسطينية بشروطٍ يرفضها الفلسطينيون.
الصين، متفقان على العداء مختلفان على الطريقة
يُعتَبَر التعامل الصارم مع الصين من بين المساحات القليلة للتوافق بين الحزبين في واشنطن. ورغم ذلك، أطلقت كلتا الحملتين إعلاناتٍ تلفزيونية تنتقد سجل الآخر في القضية نفسها. وتعهَّد كلٌّ من ترامب وبايدن بردٍّ قويٍّ على بكين، رغم اختلاف أسلوبهما.
وفي ظلِّ إدارة ترامب، تحوَّلَ ما بدأ بحربٍ تجارية إلى مواجهةٍ مُتعدِّدة الجبهات، إذ شنَّت واشنطن حملةً على التجسُّس الصيني، وفَرَضَت عقوباتٍ على شركات التكنولوجيا الفائقة، وانتقمت من خطوات الصين لإنهاء استقلال هونغ كونغ.
ويقول بايدن إنه يوافق على التحدي الذي تفرضه الصين، ووَصَفَ الزعيم الصيني شي جين بينغ بأنه "بلطجي". لكنه وَصَفَ حرب ترامب التجارية بـ"غير المُنتظِمة"، وشدَّد على الحاجة إلى تنسيق ردِّ الحلفاء على ممارسات بكين التجارية.