بعد 9 أشهر على الجائحة التي غزت العالم.. كورونا حطم اقتصاد الجميع باستثناء كوريا الجنوبية، فما سرها؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/09/17 الساعة 20:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/17 الساعة 20:10 بتوقيت غرينتش
يرتدي الناس أقنعة على وجوههم وينزلون من الحافلة في محطة الحافلات الواقعة في منطقة جانجنام بسيؤل بكوريا الجنوبية/ Istock

في الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة جائحة مستعصية وعودة بطيئة إلى النمو الاقتصادي، يبدو أن كوريا الجنوبية قد وجدت الوصفة للنجاح على الجبهتين، إذ تمكنت من النجاة من الارتفاع نهاية العام في حالات الإصابة بفيروس كورونا. وفي أحدث التوقعات الاقتصادية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تتطلع كوريا الجنوبية إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1% فقط لعام 2020، وهو ثاني أفضل أداء بين الاقتصادات الكبرى بعد الصين فقط. في المقابل، من المتوقع أن تتقلص منطقة اليورو بنحو 8%، ويمكن أن تشهد الولايات المتحدة انكماشاً لمدة عام كامل بما يقارب 4% من إجمالي الناتج المحلي.

يقول لورانس بون، كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مقدِّماً أحدث التوقعات، لمجلة فورين بوليسي الأمريكية: "يواجه العالم أكثر تباطؤ اقتصادي دراماتيكي منذ الحرب العالمية الثانية". 

وأكد العرض التقديمي لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، أن النجاح الاقتصادي يسير جنباً إلى جنب مع النجاح في القضاء على الوباء. هذا جزء من سبب هروب كوريا الجنوبية سالمة نسبياً من الناحية الاقتصادية، بدءاً من إدارتها الفعالة للغاية للوباء في المقام الأول. 

الفيروس وصل لكوريا الجنوبية وأمريكا في اليوم نفسه، ولكن الفرق كبير

سجلت كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أول حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد في اليوم نفسه؛ منذ ذلك الحين، بلغت الحالات في كوريا الجنوبية ذروتها عند 851 حالة يومية جديدة في مارس/آذار، قبل أن تتسطح إلى رقم واحد. في الولايات المتحدة، لم تستقر الحالات قط حتى منتصف يوليو/تموز، حيث كانت الذروة عند 74818 إصابة مؤكدة في يوم واحد. سجلت كوريا الجنوبية سبع وفيات لكل مليون شخص؛ فيما شهدت الولايات المتحدة ما يقرب من 600 حالة وفاة لكل مليون، وفقاً للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها وجامعة جونز هوبكنز.

أدى هذا التعامل الفعال مع تفشي المرض إلى إغلاق وطني صارم- من النوع الذي شل الاقتصادات الأوروبية بأكملها لأشهر متتالية- غير ضروري إلى حد كبير في كوريا الجنوبية؛ مما أدى بدوره إلى تقليل الاضطراب الاقتصادي من المصانع والمطاعم المغلقة وما شابه.

قال كريستوف أندريه، كبير الاقتصاديين في كوريا الجنوبية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: "السبب الرئيسي هو أنهم كانوا قادرين على احتواء الوباء بشكل أفضل بكثير من غيرهم، لذا كانت الاضطرابات في التعامل مع الوباء محدودة للغاية".

كيف واجهت البلاد الوباء والأزمة الاقتصادية؟

يمكن ملاحظة ذلك في بيانات التنقل الخاصة بـGoogle، والتي تُظهر أن كوريا الجنوبية بالكاد غيرت إجراءاتها المعتادة بعد تفشي المرض في أواخر فبراير/شباط، وما تغيَّر قليلاً تعافى سريعاً في أبريل/نيسان. كانت أكبر عوامل التغيير هي الطقس والعطلات الرسمية، وليس الفيروس. في المقابل، شهدت إيطاليا المتضررة بشدة تراجعاً في عدد زيارات المتاجر. 

علاوة على ذلك، على الرغم من أن كوريا الجنوبية لم تتضرر بالقدر نفسه مثل معظم البلدان الأخرى، فقد أطلقت بسرعةٍ استجابة مالية قوية إلى حد ما، حيث ضخت نحو 12.2 مليار دولار، أو نحو 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، في جيوب الشركات والمواطنين في أوائل الربيع.

لم يكن ذلك بحجم دولٍ مثل ألمانيا، التي تطلق حزمة تحفيز تبلغ قيمتها نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن لأن سيول قدمت الدعم بسرعة، فقد ساعدت في الحفاظ على الاستهلاك مرتفعاً. كما تواصل كوريا الجنوبية تقديم الدعم في شكل قروض وضمانات يبلغ مجموعها نحو 230 مليار دولار.

والأهم من ذلك، أبقت كوريا الجنوبية الصنابير المالية مفتوحة: في الأسبوع الماضي، أعلنت سيول جولتها الرابعة من التحفيز بإضافة 6.5 مليار دولار إضافية، ويقول صانعو السياسة في كوريا الجنوبية، إن النهج التوسعي سيستمر على الأرجح خلال العام المقبل؛ لمكافحة الآثار الاقتصادية العالقة للجائحة.

وهذا أيضاً يتناقض مع دولٍ مثل الولايات المتحدة، التي بدأت العام بانفجار مالي ونقدي، لكنها تباطأت منذ ذلك الحين، من الجهود المبذولة لإلقاء النقد على الضعف الاقتصادي المستمر. في وقت سابق من هذا الشهر، فشل الكونغرس الأمريكي في الاتفاق على حزمة تحفيز جديدة، بعد أن سعى المشرعون الجمهوريون لتقليص الفوائد التافهة بالفعل، في حين سعى الديمقراطيون لمزيد من المساعدة للأعداد الهائلة من الأمريكيين العاطلين عن العمل. 

يقول أندريه من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن الاستجابة المالية كانت أحد المفاتيح لإعادة الاستهلاك المحلي إلى المسار الصحيح. لذلك ظل الطلب المحلي قوياً نسبياً. كان هناك انخفاض في الاستهلاك بالنصف الأول من العام، ولكن كان هناك انتعاش ساعده أيضاً الدعم المالي.

وحققت الاستجابة المالية لكوريا الجنوبية ضجة كبيرة بالنسبة للمبالغ المالية مقارنة بالأماكن الأخرى: 

أولاً، كانت الكثير من الشركات منفتحة لإنفاق تلك المدفوعات النقدية، وهو ما ترجم إلى أن المستهلكين الكوريين الجنوبيين ينفقون أكثر ويوفرون أقل من شيكات الإنقاذ الخاصة بهم. أنفق المستهلكون الكوريون الجنوبيون جزءاً كبيراً من الأموال الموزعة في الشرائح الثلاث الأولى من التحفيز؛ في الولايات المتحدة، قامت العديد من الأسر ببساطة بصرف الكثير من شيكات التحفيز الشهير البالغة 1200 دولار أمريكي. "كان هناك تأثير كبير على الاستهلاك، فقد انتعش الاستهلاك في الواقع، وارتفع في نهاية يوني/حزيران على أساس سنوي، وهو أمر مذهل للغاية. لذلك، كان هذا التحفيز مهماً للغاية"، يقول أندريه.

ثانياً، استخدمت بعض مقاطعات كوريا الجنوبية أيضاً حلولاً إبداعية؛ لضمان إعادة تدوير المدفوعات الحكومية في الاقتصاد والمساعدة في تعزيز الاستهلاك. 

قرر لي ميونج، حاكم مقاطعة غيونغي، المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، اختبار المدفوعات غير النقدية. حصل كل مقيم على 100.000 وون، أي نحو 85 دولاراً أمريكياً، والتي يمكن إنفاقها على مدى ثلاثة أشهر. لكنه جاء في شكل عملة محلية لا يمكن إنفاقها إلا في المتاجر داخل المنطقة، وليس نقداً يمكن تخزينه.

"استخدمنا [المال] لتناول الطعام في المطاعم المحلية؛ قالت لي جونغ هيانغ، وهي أُم في الخمسينيات من عمرها بمقاطعة كيونغ جي: كنا نأكل بالخارج أكثر من المعتاد لاستخدام أموال الطوارئ".

لم تكن وحدها. قال هيو يونغ جيل، رئيس قسم تخطيط السلامة في مقاطعة جيونج جي التي تشرف على توزيع الإغاثة في حالات الكوارث، إنه على الرغم من تكلفة المنطقة بنحو 850 مليون دولار، فإنه يعتقد أن البرنامج مستدام. "كان الهدف منه هو زيادة الاستهلاك وخلق دورةٍ أكثر فاعلية من الإنفاق للاقتصاد. وبهذا المعنى، نعم، الأمر يستحق ذلك"، قال هيو.

السير على حبل مشدود

على الرغم من نجاحها النسبي حتى الآن، فإن كوريا الجنوبية بعيدة عن التعامل مع الفيروس أو تداعياته. كانت البلاد تحوم بين 100 و200 حالة يومية جديدة لأكثر من أسبوعين، مما أثار مخاوف من تفشٍّ جديد. اضطرت سيول إلى تقييد النشاط التجاري، مثل السماح للمطاعم فقط بتقديم وجبات سريعة بعد الساعة الـ9 مساءً وجعل المقاهي جاهزة فقط.

وقال رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن، الحكومة تسير على حبل مشدود بين السيطرة على الفيروس والاقتصاد، وبعد ضغوط من الشركات المحلية، خففت سيول هذه القيود مرة أخرى، بعد أسبوعين من دخولها حيز التنفيذ.

قد تتعرض كوريا الجنوبية لمزيد من الألم الاقتصادي الذي توقعته. خفض البنك المركزي للبلاد، الشهر الماضي، توقعاته للعام بأكمله للاقتصاد إلى انكماش بنسبة 1.3%، وهي قفزة كبيرة عن تقديراته السابقة الأكثر إيجابية. الموجة الثانية من الفيروس فبكوريا الجنوبية هي أيضاً ما تسبب في قيام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتعديل تقييمها الأوَّلي من النمو السلبي 0.8% إلى -1%.

يقول لي دوون، خبير اقتصادي بجامعة يونسي في سيول: "بالأساس، إنه دعم حكومي للشعب الكوري، ولكن في الحقيقة، لا نستطيع تقديم الدعم إلى الأبد، بسبب هذه الإعانات، فإن ميزان ميزانية الحكومة الكورية يتدهور".

بالنسبة لكوريا الجنوبية، الاقتصاد الموجَّه للتصدير، فإن هذا يمثل خطراً حاداً بشكل خاص، حيث يستمر الوباء في خفض التجارة عبر الحدود. تعتمد كوريا كثيراً على التجارة الدولية. وبسبب هذا الوباء، تقلصت التجارة العالمية وكان لذلك تأثير سلبي على صناعة التصدير الكورية. وقال "لي": "ما لم نحقق انفراجة خطيرة بالمستقبل القريب، فإن هذا الوضع سيكون أسوأ في الأشهر العديدة المقبلة".

يوافق بون، من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الخبير "لي"، ويقول إن آمال كوريا الجنوبية في الانتعاش، العام المقبل، تعتمد على خروج بقية العالم من حفرة COVID-19، وهذا خارج عن سيطرة سيول. وقال بون: "بالنظر إلى المستقبل، فإن كوريا مندمجة إلى حد كبير في الاقتصاد العالمي، ولهذا السبب، فإن مدى الانتعاش سيكون إما محدوداً وإما سيرتدُّ في مكان آخر".

تحميل المزيد