منذ 2013، وربما قبل هذا التاريخ لم يكن هناك رجل في الإمارات العربية المتحدة لديه نفوذ ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي خلال 7 سنوات أحكم سيطرته بالكامل على الإمارات وعلى باقي الحكام في الاتحاد، وحتى خصمه اللدود حاكم دبي محمد بن راشد الذي لم يعد يمثل أي قلق لحاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد.
ما وصل له محمد بن زايد من سيطرة وهيمنة في الإمارات جعله ينسف تاريخ والده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حول القضية الفلسطينية وجعل مواقف أبوظبي تجاه إسرائيل من العداء إلى التطبيع دون مراحل انتقالية من غير أن يجد من يعارض هذه الخطوة في البلد الخليجي علناً.
ورغم ذلك فإن اللحظة التي ينتظرها محمد بن زايد وهي شهادة توقيع الاتفاقية بين أبوظبي وتل أبيب والمنامة في واشنطن غاب عنها ولي عهد أبوظبي، وخول شقيقه وزير الخارجية عبدالله بن زايد بالحضور، مما دفع المتابعين للتساؤل عن سر غياب محمد بن زايد عن هذه "اللقطة" التاريخية؟.
ثمة أسباب خاصة وغيرها قد تكون هي السبب وراء عدم ظهور "عراب" التطبيع الخليجي مع إسرائيل في هذه المناسبة سنحاول رصدها في هذا التقرير.
1- رجل يحب الظل:
المتابع لشخصية ولي عهد أبوظبي يرى أن رجل يرد اللعب في الظل ولا يريد الظهور في الكثير من المناسبات حتى الداخلية في الإمارات، فما بال أن يصبح محمد بن زايد أول من وقع اتفاقية تطبيع في الخليج مع إسرائيل، وهي التي تراها الشعوب العربية مثالاً لـ"الخيانة" أو التنازل عن الثوابت العربية.
فرغم دوره في هذا التقارب إلا أنه قد يكون لا يريد ربط هذا التوقيع بشخصيته، وإنما يعد "إنجازاً" للإمارات وليس لمحمد بن زايد إذا ما نظر العرب أو على الأقل بعض الإماراتيين لهذه الخطوة على أنها كسر للمحرمات الخليجية، وهذا قد يعد سبة في جبينه على الأقل في ضمير العرب والإماراتيين.
أيضاً كل مشاهد التطبيع الإماراتية الأخيرة لم تخرج صورة لولي عهد أبوظبي حول هذا الأمر، وحتى الوفد الإسرائيلي الذي زار أبوظبي لم يقابل محمد بن زايد في العلن وربما لم يلتقه في السر أيضاً، مما يعزز رغبة حاكم الإمارات الفعلي في البقاء خلف الكواليس وإدارة المشهد دون الظهور.
2- الخوف من المساءلة!
منذ 2017 وحتى الآن، لم تحط أقدام محمد بن زايد في الولايات المتحدة الأمريكية رغم علاقته الخاصة بالرئيس الأمريكي؛ ربما خوفاً من المساءلة عن دوره فيما عرف بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والتي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
بن زايد زار واشنطن في مايو/أيار 2017، بشكل سري، بحسب ما كشفت صحيفة واشنطن بوست أنه رتب اجتماعاً سرياً في يناير/كانون الثاني 2017 بین إيريك برنس مؤسس شركة بلاك ووتر (أخته بیتسي وزيرة التعلیم في إدارة ترامب) وبین مسؤولین روس مقربین من الرئیس فلاديمیر بوتین في جزيرة سیشیل، وذلك لإقامة خط اتصال خلفي بین موسكو والرئیس الأمريكي الجديد حينذاك.
وكانت هذه الخيوط بدأت مع محاولة بن زايد المجيء سراً إلى مدينة نیويورك لیلتقي في برج ترامب مع 3 من مستشاري ترامب هم مايكل فلین وجاريد كوشنر وستیف بانون للاتفاق على تفاصیل الاجتماع.
وباءت محاولة بن زايد السفرَ سراً إلى الولايات المتحدة بالفشل، مما يمثل خرقاً للبروتوكول، إذ لم تخطر الإمارات إدارة أوباما قبل الزيارة، على الرغم من أن المسؤولین اكتشفوا ظهور اسم بن زايد في أوراق شركات الطیران بالصدفة، بحسب تقرير لموقع الجزيرة نت.
فهذه الزيارة وكواليسها قد تكون أحد الأسباب وراء عدم حضوره لهذه المراسم، فربما يتعرض ولي عهد أبوظبي للتحقيق بسبب هذه القضية خاصة وأنه لا يحمل صفة قانونية، وأيضاً ربطه بجورج نادر رجل الأعمال الأمريكي من أصول لبنانية والذي كان يعمل مستشاراً لمحمد بن زايد من قبل وقبض عليه في يناير/كانون الثاني 2018 بعد العثور في هاتفه على عشرات الفيديوهات الجنسية لصبية لا تتجاوز أعمار بعضهم عامين، غير أنه أوقف أيضاً من قبل في قضية مشابهة.
نادر أيضاً كان من بين الشخصيات التي خضعت لاستجواب، روبرت مولر، المحقق الخاص في قضية "التدخل" الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016، بسبب علاقته بدولة الإمارات، كما تناول الاستجواب ما إذا كانت الإمارات قد سعت لشراء نفوذ لدى البيت الأبيض مقابل تقديم دعم مالي لحملة ترامب الانتخابية خلال عام 2016.
قصة أخرى أيضاً لها علاقة بالمساءلة، بحسب ما يعتقد بروس فاين مساعد وزير العدل الأميركي الأسبق، الذي ذكر لموقع الجزيرة نت أن "محمد بن زايد سيكون عرضة لمواجهة شكوى قضائية -طبقاً لقانون حماية ضحايا التعذيب- من قبل مواطنين إماراتيين باعتباره متواطئاً في التعذيب أو القتل". خاصة وأن بن زايد لا يتمتع بحصانة دبلوماسية كونه ليس رئيساً للدولة، وهذا قد يعرضه للمحاكمة بموجب قانون "تي في بي إيه" (TVPA) لحماية ضحايا التعذيب".
3– حتى لا يغضب بايدن والديمقراطيون
ثمة أمر ثالث أيضاً له علاقة بالداخل الأمريكي وهو الانتخابات الأمريكية، والتي لم يتبق عليها إلا قرابة 50 يوماً، والصراع على أشده الآن بين المرشح الديمقراطي جو بايدن والرئيس دونالد ترامب، فحضور محمد بن زايد مثل هذا التوقيع قد يدفع الديمقراطيين للغضب منه؛ خاصة وأن ترامب يعتبر أن هذا الاتفاق أحد أهم انجازاته، ففي حال أخفق ترامب فإن بايدن لن ينسى هذا الموقف للإمارات.
وحتى بعيداً عن فوز ترامب لا يريد محمد بن زايد أن يجعل بلاده محط تنافس حزبي قبل الانتخابات، فهو لا يرغب في الظهور في واشنطن بجوار الرئيس ترامب، في ظل عدم اليقين المتعلق بنتائج الانتخابات المقبلة، بحسب محلل السياسات بمؤسسة دراسات دول الخليج أنتونيو أوكشيتو.
ومن ثم يريد النأي بنفسه عن هذا الاتفاق أو الظهور به تحسباً لاحتمالات أخرى، ولكن ظهور شقيقه وزير الخارجية يعد أمراً بروتوكولياً.