قيس سعيد ينهي هذا الفراغ الدبلوماسي الغريب.. لماذا لم يكن لتونس سفير في ليبيا منذ عام 2014؟

تم النشر: 2020/09/14 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/14 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي فيس سعيد/رويترز

"تونس تعين سفيراً جديداً في ليبيا لأول مرة منذ عام 2014″، لم يكن الغريب في هذا الخبر هو تعيين سفير جديد لتونس بل هو غيابها عن ليبيا كل هذه السنوات.

فلماذا قلصت تونس بعثتها الدبلوماسية في ليبيا كل هذه السنوات، وما الذي يعنيه هذا القرار في علاقة تونس بأطراف الأزم الليبية؟

وكانت وزارة الخارجية التونسية قد أعلنت في بيان لها تعيين "لسعد العجيلي" سفيراً جديداً لتونس في طرابلس، ويُعدّ هذا التعيين هو الأول من نوعه منذ العام 2014 حيث تمّ إغلاق السفارة التونسية في ليبيا، بداية أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 بسبب الفوضى التي شهدتها ليبيا آنذاك. وفي صيف العام 2015 قررت تونس غلق قنصليتها العامة هناك بسبب تردي الوضع الأمني واختطاف دبلوماسيين تونسيين.

تاريخ مضطرب للسفارة التونسية في ليبيا

في شهري مارس/آذار أعلن عن خطف موظف بالسفارة التونسية في ليبيا وأبريل/نيسان 2014، أعلن عن خطف الدبلوماسي العروسي القطناسي.

وفي سبتمبر/أيلول 2014، غادر الصحفيان التونسيان سفيان الشورابي ونذير القطاري الأراضي التونسية للقيام بتحقيق تلفزيوني لصالح قناة "فارست تي في" الخاصة، حول حرس المنشآت النفطية في منطقة أجدابيا الليبية، ثم انقطعت أخبارهما منذ يوم 8 سبتمبر/أيلول من العام نفسه.

ومنذ ذلك التاريخ تتواتر أخبار عدة متضاربة حول مقتلهما أو وجودهما في أحد السجون التابعة للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، من دون أن يجري التأكد إلى الآن من هذه المعلومات ليظل مصيرهما مجهولاً.

يعتقد أن حفتر وراء خطف إثنين من الصحفيين التونسيين/رويترز

وبعد ذلك تم غلق سفارة تونس في ليبيا، بداية أكتوبر/تشرين الأول 2014، ثم القنصلية العامة في يوليو/تموز 2015، على خلفية تردي الأوضاع الأمنية، وعمليات الاختطاف لدبلوماسيين تونسيين.

وفي فبراير/شباط 2015، قدم سفير تونس لدى طرابلس رضا بوكادي، استقالته آنذاك، للرئيس السابق الباجي قايد السبسي.

وتم فتح السفارة والقنصلية، في أبريل/نيسان 2016، ثم تعيين توفيق القاسمي قنصلاً عاماً لتونس بليبيا، عام 2018.

من هو السفير التونسي الجديد في ليبيا؟

ترى الأوساط الدبلوماسية أن لسعد العجيلي من بين الشخصيات الدبلوماسية الملمّة بالملف الليبي، حيث تمّ تكليفه العام الماضي من قبل وزارة الخارجية التونسية، بإجراء دراسات وبحوث تخص العلاقات بين تونس وطرابلس.

وقال الدبلوماسي التونسي السابق بشير الجويني لوكالة الأناضول "إن السفير الجديد لسعد العجيلي، ملم بالملف الليبي، وتكلف من وزارة الخارجية التونسية في يناير/كانون الثاني 2019، بإجراء دراسات وبحوث تخص العلاقات بين البلدين".

ولكن الأهم أن هذه الخطوة تمثل محاولة لتفعيل الدور التونسي في الملف الليبي في وقت حساس.

ورغم أن تونس تعترف بحكومة الوفاق، كغيرها من دول العالم، إلا أن خطوة تعيين سفير وما قد يترتب على هذه الخطوة من احتمال إرساله للعاصمة طرابلس مقر هذه الحكومة يمكن فهمها ليس فقط في إطار تعزيز الدور التونسي في ليبيا، بل أيضاً أنها قد تكون تعبيراً عن مزيد من التقارب مع حكومة الوفاق.

ويرى خبراء ودبلوماسيون سابقون تحدثوا للأناضول، هذه الخطوة تعبيراً عن "تغييرات جديدة بالدبلوماسية التونسية في التعاطي الرسمي مع الأزمة الليبية".

وفيما قدر البعض ذلك الإعلان بأنه "لم تتبلور سياساته بعد"، يذهب آخرون إلى أنه وليد تحسن الوضع الأمني الليبي الداخلي ووقف إطلاق النار.

ويسود ليبيا، منذ 21 أغسطس/آب الماضي، وقف لإطلاق النار تنتهكه قوات الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر من آن إلى آخر.

تونس تعين سفيراً جديداً في ليبيا، فلماذا الآن؟

بدوره، قال السفير التونسي السابق أحمد ونيّس، إن "المساعي التونسية السياسية والأمنية في الأزمة الليبية لم تغب خلال السنوات الأخيرة التي غاب فيها التمثيل الدبلوماسي، خاصة وأن هناك جالية تونسية موجودة في ليبيا وهناك تواصل معها".

وأشار ونيّس إلى أنّ "تونس تعرّضت إلى اختطاف واستفزاز لعدد من ممثليها سواء في القنصلية أو السفارة في طرابلس، كما تم اختطاف صحفيين تونسيين في ليبيا".

وتابع ونيّس: "الأمن كان غائباً في ليبيا فلم ترد تونس السقوط في فخّ الإرهاب وعمليات الاختطاف لذلك سحبت التمثيل الدبلوماسي".

واستدرك: "اليوم توجد جملة من المؤشرات العالمية على الساحة السياسية الليبية، تدلّ على أن المسألة الليبية تتقدم في طريقها إلى الحلّ وهناك توجّه للإجماع على اتفاق ينهي الخلاف بين الفرقاء السياسيين".

وأردف قائلاً: "هناك ضمانات متوفرة في المشهد الليبي توحي بوجود استقرار يخوّل بعودة الدبلوماسية التونسية إلى طرابلس".

والخميس، انتهت جلسات الحوار الليبي بالمغرب التي بدأت الأحد، إلى اتفاق شامل حول المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية في المؤسسات الرقابية.

ويرى ونيّس أن "تعيين سفير جديد بليبيا شهادة بأنّ تونس عازمة على المتابعة عن قرب لتطوّرات الأزمة الليبية والتأثير على خيارات الإخوة الليبيين من خلال تقديم النصيحة وروح التضامن".

ودعا إلى أن تحترم سلطات بلاده في سياستها تجاه ليبيا "الخيار الحرّ للإخوة الليبيين في تقرير مصيرهم".

هل يعود السفير إلى طرابلس أم يبقى في تونس مثل أقرانه الأوروبيين؟

من جهته، اعتبر الخبير التونسي في العلاقات الخارجية الدبلوماسي السابق عبدالله العبيدي، أن "هذه العودة الدبلوماسية لم تتضح بعد، كل ما في الأمر أنه تم تعيين سفير جديد".

وأوضح العبيدي أن "عديد السفراء لبلدان غربية في ليبيا على غرار ألمانيا متواجدون حالياً في تونس".

وأضاف: "ربّما إذا سمحت الأوضاع الأمنية بالتحاق السفير التونسي الجديد بالداخل الليبي سيتم ذلك، وإذا لا تسمح سيبقى لمباشرة أعماله من تونس كبقية سفراء بلدان أخرى".

وأفاد العبيدي بأن "تقييم الحكومة التونسية قد يكون باتجاه أن الأوضاع في ليبيا تتّجه نحو التسوية والتهدئة بما يسمح بوجود سفير في ليبيا، كما لنا جالية وعائلات تونسية في ليبيا تستحق بعض الخدمات القنصلية".

ولفت العبيدي إلى أن "ليبيا كانت على امتداد سنوات تمثل شريكاً اقتصادياً هاماً بالنسبة لتونس ووصلت المبادلات التجارية ما بين 5 إلى 6 مليارات دينار (2.2 مليار دولار)، وجاليتنا في ليبيا كانت تعدّ ما بين 160 و200 ألفاً".

وقال: "تونس ستحاول التدخل في الملف الليبي وسيكون لها دور وموقع في المشهد السياسي الليبي عندما تستقر الأوضاع على المستويين الاقتصادي والسياسي خصوصاً وأنها تجمعها حدود مشتركة مع ليبيا لذلك لا يمكنها تجاهل الملف الليبي".

جهود قيس سعيد

في المقابل، يرى السفير السابق توفيق ونّاس، أن "هذه العودة الدبلوماسية هي وليدة المجهودات التي قام بها الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ بضعة أشهر في علاقة بالملف الليبي، كما أنها وليدة تحسن الوضع الأمني الليبي الداخلي ووقف إطلاق النار".

وأوضح ونّاس، أن "سعيّد قام بمجهودات لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين حيث استقبل في عديد الفرص أطرافاً ليبية ومسؤولين أمميين، منهم مؤخراً رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز، وقائد أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا)".

وأضاف: "هذا دليل على أن سعيّد والدبلوماسية قاما بتحركات على مستوى هذا الملف".

تحميل المزيد