لعقود واجه النظام العربي أزمات كارثية وصراعات بينية مريرة، ولكن القضية الفلسطينية كانت خطاً أحمر حتى لو شكلياً، ولذا فإن إسقاط مشروع قرار فلسطيني بإدانة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في الجامعة العربية منذ أيام، يؤشر لتعرض منظومة العمل العربي المشترك، الممثلة في الجامعة العربية، لخطر كبير.
وقال خبراء سياسيون فلسطينيون، إن إسقاط مشروع القرار الفلسطيني، في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، مؤشر على "انهيار البيت العربي".
وأضاف الخبراء في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول، إن مخرجات الاجتماع تُعطي الضوء الأخضر للدول العربية لإقامة علاقات تطبيعية مع إسرائيل.
وبينما قوبل اتفاق التطبيع الإماراتي الذي أُبرم في 13 أغسطس/آب 2020، برفضٍ وتنديد كبير من القيادة الفلسطينية المتمسكة بمبادرة السلام العربية، لعام 2002، والتي تربط بين التطبيع والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، فإن اللافت أن أياً من الدول العربية لم تحاول تبنِّي الموقف الفلسطيني الداعي لإدانة التطبيع الإماراتي باعتباره انتهاكاً لهذه المبادرة.
فحتى عندما تم التوافق، بالحد الأدنى، على "صدور قرار من الجامعة العربية يتضمن تأكيد التمسك بالمبادرة العربية للسلام، وإدانة الخروج عنها (أي إدانة التطبيع)، واجهت مجموعة من الدول العربية ذلك ورفضت هذه الإضافة".
وعندما اقترح وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، الذي كان يتولى الرئاسة الدورية لمجلس وزراء الخارجية العرب، "تعليق الجلسة ساعات أو أياماً أو إسقاط بند إدانة التطبيع كلياً، أجمعت الدول على عدم تعليق الاجتماع، ومن ثم سقط مشروع الإدانة تلقائياً"، حسبما قال لـ"عربي بوست"، في تقرير سابق، الدبلوماسي الفلسطيني مهند العكلوك، الذي يشغل منصب السفير المناوب لفلسطين في جامعة الدول العربية.
إسقاط مشروع قرار فلسطيني بإدانة التطبيع الإماراتي هزيمة للعرب في بيتهم
الدول العربية "تخلت عن القضية الفلسطينية، لا سيما أنها لأول مرة، لم تصدر بياناً يدين التطبيع، بذريعة أن الخطوة الإماراتية قرار سيادي"، حسبما يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عمر الغول.
وأضاف "الغول": "عندما اتخذت مصر قراراً بالذهاب إلى توقيع عملية سلام مع إسرائيل (عام 1979) وقف كل العرب ضدها، وكان هناك موقف عربي محدد وصريح، بأن القضية الفلسطينية مركزية، وما يمسها يمس كل المصالح العربية القومية".
وتابع: "الموقف العربي اليوم، وصل إلى محطة بائسة، وهزيمة للعرب في بيت العرب (جامعة الدول العربية)".
وأشار إلى أن جامعة الدول العربية تتجه نحو "الأفول، والانهيار بشكل تدريجي، عبر الذهاب نحو التطبيع مع إسرائيل بشكل تدريجي".
وقال إن "الموقف ضوء أخضر لمزيد من اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل".
وعلى الرغم من تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، يرى "الغول" أن على القيادة الفلسطينية أن "تتعامل بحكمة وتكون الأحرص على بقاء وحدة موقف عربي تجاه القضية الفلسطينية قدر الإمكان".
تحالف التطبيع ينتصر
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، إن "التحالف الداعم للتطبيع في جامعة الدول العربية هو الأقوى من الرافض".
وأشار إلى أن مُخرجات الاجتماع تفتح شهية عدد من الدول التي تعلن عن رغبتها في إقامة علاقات مع إسرائيل بالإقدام على هذه الخطوة، وعقد اتفاقيات تطبيعية.
وقال: "واضحٌ أنَّ تحالف الإمارات والبحرين ومصر هو الأقوى".
وأضاف: "مُتوقَّعٌ رفض مشروع القرار الفلسطيني، لكن لم يكن يُتوقع أن تخرج الأمور بهذا الشكل، وأن يكون الاجتماع ضوءاً أخضر للبدء بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بدلاً من أن يكون إدانة وتحذيراً، لمن يقدم على مثل هذه الخطوة".
هل يؤدي هذا الموقف إلى انهيار جامعة الدول العربية؟
من جانبه، يرى الكاتب السياسي الفلسطيني، طلال عوكل، أن "مخرجات الاجتماع تشير إلى انهيار جامعة الدول العربية".
وأضاف: "كان العرب يجدون منصة لاتخاذ مواقف مشتركة في قضايا مهمة، لكن اليوم هناك انقسام كبير بشأن القضية الفلسطينية، بعد أن كانت القضيةَ التي تجمعهم".
وأشار إلى أن "ما حدث ضربَ، عملياً القضية الفلسطينية، ومبادرة السلام العربية".
وقال: "نلاحظ أن العرب فاقدون للاستقلالية، إن ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من الدول دفعتها نحو التطبيع".
ويرى الكاتب الفلسطيني، أن دولاً عربية ستلحق بالإمارات قريباً.
وأضاف: "المؤشرات واضحة، عندما توافق البحرين والسعودية على فتح أجوائها أمام الطيران الإسرائيلي فهذا تطبيع، حتى لو تأخر إعلانه رسمياً، واضحٌ أن عدداً من الدول تُحضّر نفسها للحاق بالإمارات".