تسبب إعلان تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل في شرخ كبير بالعلاقات الإيرانية الإماراتية، كما أربك هذا الإعلان المفاجئ صناع القرار الإيراني، ما دفعهم لعقد اجتماعات ولقاءات كثيفة ومتتالية لبحث سيناريوهات التعامل مع أبوظبي، بعد خطوتها الأخيرة.
الغضب الإيراني دفع لتهديد أبوظبي صراحة بأن أي مساس بالأمن القومي الإيراني يأتي من الخليج، سوف تتعامل معه عسكرياً بكل قوة وحزم، إلا أن بعض حسابات الاقتصاد لا زالت تلقي بظلالها على دوافع القرار في إيران، إذ إن إمارة دبي بالنسبة لإيران ورجال أعمالها، الملاذ الآمن من العقوبات الأمريكية وتعد أهم منطقة اقتصادية تتحرك من خلالها بعيداً عن الحصار القانوني الأمريكي.
عشية الاتفاق
انطلقت التحذيرات الإيرانية الموجهة للإمارات فور الإعلان عن اتفاق السلام بينها وبين إسرائيل، واعتبر القادة الإيرانيون أن الاتفاق بين الدولتين موجه ضد إيران بالأساس، لكن أبوظبي اكتفت بالنفي فقط، واعتبار أن قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل من أعمال السيادة الإماراتية.
وأكد مسؤول بارز في وزارة الخارجية الإيرانية لـ"عربي بوست" -فضل عدم الكشف عن هويته- أن "رد الفعل الإماراتي على التصريحات الإيرانية الغاضبة كان مخيبا للآمال، وساهم في زيادة الشكوك".
وبحسب المسؤول الإيراني، فإن وزارة الخارجية الإيرانية كانت تنتظر عشية إعلان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي رسالة إماراتية من مسؤول رفيع المستوى، لطمأنة طهران، وتقليل مخاوفها، لكن الاتصال لم يحدث، وقال: "كأنهم يتعمدون إثارة مخاوفنا".
ويقول المحلل السياسي المقيم بطهران، على جعفر بلوري، لـ"عربي بوست": "لم تبذل الإمارات أي جهد لحل سوء التفاهم السياسي مع إيران بعد إعلان الاتفاق، وهذا أمر ينذر بأن القادم في العلاقات بين البلدين سيكون أسوأ".
التصريحات الأمريكية تشعل التوتر
يركز الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل -كما هو معلن- على تطبيع العلاقات في مجالات السياحة والتكنولوجيا والمجالات الأخرى غير العسكرية، لكن التصريحات الصادرة من المسؤولين في الولايات المتحدة وإسرائيل، أشعلت التوتر المتصاعد في إيران.
فعلى سبيل المثال، صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخراً وقال: "الإمارات وإسرائيل تعتبران إيران خطراً كبيراً، والآن وجدا طريقة لبناء علاقة يمكن أن تؤدي إلى تشكيل تحالف يضمن في نهاية المطاف، أن هذا التهديد لن يؤذي أحداً في الشرق الأوسط".
فيما علَّق المحلل الأمني الإيراني مجيد على رضا على تصريحات بومبيو لـ"عربي بوست"، قائلاً: "تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل، التأكيد بشتى الطرق على أن الاتفاق بين إسرائيل وأبوظبي خطة لمواجهة إيران، وفي نفس الوقت لم تنفِ الإمارات تلك التصريحات، ما يزيد من غضب طهران".
ويرى السيد على رضا أن الإمارات كانت دائماً تلعب دور المشاهد في الصراع بين إيران والولايات المتحدة من جانب، وبين إيران وإسرائيل من جانب آخر، لكنها بعد إعلان التطبيع مع إسرائيل أصبحت طرفاً في الصراع ضد إيران.
التهديد بالمواجهة
في الأيام القليلة الأخيرة كان موضوع التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، حاضراً في كل مناسبات القادة العسكريين الإيرانيين، وقد حذر اللواء محمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، صراحةً من المساس بإيران، وقال: "إذا حدث شيء في الخليج يمسّ الأمن القومي الإيراني ستكون الإمارات هي المسؤولة، وسوف تتعامل طهران بكل حزم".
ويقول مصدر مقرّب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، رفض الكشف عن هويته: "نعلم جيداً أن أبوظبي تتستر على اتفاق أمني وعسكري بينها وبين إسرائيل، ونعلم أيضاً أنها تطمع في الحصول على نظام الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية)، الإسرائيلي، وهذا يؤكد شكوكنا ومخاوفنا بأن الاتفاق هو تحالف ضد إيران، ويجب على إيران الاستعداد للرد العسكري في أي وقت".
فيما أكد مصدر آخر، مسؤول بالمجلس الأعلى للأمن القومي، لـ"عربي بوست"، أن التطورات الجديدة التي ستنتج عن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي سبب قوي لزيادة مخاوف إيران الأمنية، وكشف أن إيران تدرس كافة السيناريوهات الدفاعية، مع القادة العسكريين".
محاولة دبلوماسية لإصلاح العلاقات
في الأشهر القليلة الماضية، كانت الإمارات تسعى إلى تحسين العلاقات مع طهران، فقد أرسلت عدة شحنات من المساعدات الإنسانية لإيران لمواجهة تفشي جائحة فيروس كورونا.
كما أجرى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف اجتماعاً عبر الإنترنت مع نظيره الإماراتي عبدالله بن زايد لمناقشة بعض القضايا، وهو أعلى مستوى من الاجتماعات بين البلدين منذ أن قررت الإمارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران عام 2016.
ويقول المحلل السياسي الإيراني جعفر بلوري، لـ"عربي بوست": "كانت أبوظبي تسير في اتجاه تحسين العلاقات مع طهران، ورحبت الأخيرة بالأمر، بالرغم من الشكوك التي كانت لدى إيران حول تلك المبادرات، لكن المؤسسة السياسية الإيرانية تظهر حُسن النية"، ثم جاء إعلان التطبيع بين الإمارات وإسرائيل ليهدم كل الخطوات والمبادرات التي بذلت لتحسين العلاقات بين طهران وأبوظبي.
فيما طلبت وزارة الخارجية الامريكية من إيران التريث في إصدار التصريحات والتهديدات المعادية للإمارات، ومحاولة العمل على اتفاقية أمن إقليمي تضمن الأمان لكافة الأطراف.
وكشف مصدر مسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية لـ"عربي بوست": "طلب الوزير جواد ظريف عقد اجتماع طارئ مع الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، لطرح بعض السبل الدبلوماسية للتعامل مع الأمر".
ولم يفصح المصدر عن تفاصيل هذا اللقاء غير المعلن، لكنه أكد أن آية الله علي خامنئي لم يقتنع إلى حد كبير بخطة وزير الخارجية جواد ظريف، مؤكداً أن الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل ستكون له تبعات هائلة على المنطقة وإيران بشكل خاص.
وأن آية الله علي خامنئي قال لظريف إن ما أقدمت عليه الإمارات خيانة للعالم الإسلامي بشكل عام، وتهديد صريح لإيران بشكل خاص، ولا يمكن إغفال الاحتمالات الأكثر اضطراباً".
يقول المحلل الأمني الإيراني علي رضا لـ"عربي بوست": "كان الإماراتيون في السابق يفضلون عدم الدخول مباشرة في أية صراعات بالمنطقة، لكن طهران الآن اعتبرت التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني إعلاناً صريحاً بالتدخل لمواجهة إيران، وزيادة الصراع في منطقة الخليج".
صراع محتمل
يميل بعض الخبراء في إيران إلى أن الصراع بين طهران وأبوظبي أصبح وشيكاً ومتوقعاً في أي وقت، فقد هدد أمير عبداللهيان، مساعد رئيس البرلمان للشؤون الدولية، وقال: "بعد زيارة رئيس جهاز المخابرات إلى الإمارات وما يتعرض له الأمن القومي الإيراني، ستنظر طهران إلى الإمارات باعتبارها جزءاً من المؤامرة".
ولهذا تسعى طهران لخلق تحالفات جديدة في المنطقة لمواجهة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، ففي 8 سبتمبر/أيلول ترأس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني اجتماعاً عبر الإنترنت لبحث تعزيز التعاون التركي الإيراني.
يقول فريدون مجلسي، الدبلوماسي الإيراني السابق، لـ"عربي بوست": "هناك رغبة مشتركة بين أنقرة وطهران لزيادة التعاون وتوحيد الجهود لمواجهة التحالف الإماراتي الإسرائيلي، خاصة أن تركيا ترفض هذا التطبيع".
وهذا ما أكد عليه الرئيس حسن روحاني لأردوغان قائلاً: "إنه يتعين على تركيا وإيران اتخاذ موقف بشأن اتفاق التطبيع بين الإمارات العربية وإسرائيل".
العلاقات التجارية بين طهران ودبي
كانت دائماً العلاقات التجارية بين طهران وإمارة دبي تسير على نحو جيد، فالكثير من الشركات الإيرانية الهاربة من العقوبات الأمريكية تتخذ من دبي مقراً لها، وتعيش أغلب العائلات الإيرانية الثرية في دبي، وتمتلك استثمارات بمليارات الدولارات.
لذلك، كانت تلك الشراكة الاقتصادية القوية محل نظر أثناء نقاش توابع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وأثارت الحرب الكلامية التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون قلق الخبراء الاقتصاديين في القطاع الخاص الإيراني.
يقول فرشيد فرزانجان، رئيس الغرفة التجارية الإيرانية الإماراتية المشتركة لـ"عربي بوست": "بالتأكيد هناك مخاوف من تأثير الأوضاع السياسية الأخيرة على العلاقات التجارية بين البلدين".
كما يؤكد فرزانجان أن العديد من رجال الأعمال الإيرانيين المقيمين في دبي يخشون التأثير السلبي على أعمالهم واستثماراتهم فيها، موضحاً أن الإمارات واحدة من أهم المنافذ الاقتصادية لإيران في ظل العقوبات الأمريكية الصارمة.
ففي العام الماضى، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يقرب من 13 مليار دولار، ويقول فرزانجان: "لقد أثر فيروس كورونا على حجم التجارة بين البلدين في الأشهر الماضية، وستكون الأمور أصعب بعد المواقف السياسية السيئة بين البلدين، وإلى الآن لا نعلم ما هو آتٍ".