في خضم جائحة عالمية وصيف مليء بالكوارث الطبيعية والاضطرابات الاجتماعية بالولايات المتحدة، قد يسهُل تناسي أن البلاد ما تزال عالقة في حرب تجارية مدمرة مع الصين. ولا يعني ذلك أن الصين نفسها بعيدة عن أذهان المرشحَين الرئيسيَّين لرئاسة الولايات المتحدة، خاصةً الرئيس دونالد ترامب. فخلال المؤتمر الوطني الجمهوري الذي عُقد الأسبوع الماضي، لم يكن مفاجئاً أن ترامب شنَّ هجوماً حاداً على الصين في خطاب قبول ترشحه، بل ذهب إلى حد القول إن "الصين ستتملك الولايات المتحدة" إذا فاز منافسه الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات!
وشفع ترامب كلماته بالأفعال مؤخراً: إذ أصدر أمراً تنفيذياً بحظر موقع تيك توك، وفرض عقوبات على الشركات التي تساعد الصين في بناء جزر صناعية ببحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. لكن الحرب التجارية نفسها لم تحظَ باهتمام كبير مع الأسف، إذ يمكن القول إن التعريفات الجمركية والقيود التجارية الأخرى قد ألحقت أضراراً مباشرة بالأمريكيين أكثر من تطبيقات مشاركة مقاطع الفيديو الصينية والجزر الصناعية على بُعد آلاف الكيلومترات.
لذا فالسؤال المهم هو: كيف سيُنهي ترامب أو بايدن هذه الحرب، أو هل بإمكان أي منهما إنهاؤها أصلاً؟
بداية كيف أضرت هذه الحرب بالاقتصاد الأمريكي؟
يقول موقع World Politics Review الأمريكي، إن ترامب تعهد منذ انتخابه بمعاقبة الصين على ما وصفه بالممارسات التجارية غير العادلة التي أدت إلى خسارة العديد من الوظائف الأمريكية. وبين يوليو/تموز عام 2018 وأغسطس/آب عام 2019، أعلنت إدارة ترامب عن خطط لفرض رسوم جمركية على سلع صينية بقيمة 550 مليار دولار. وردَّت الصين على ذلك بفرض تعريفات جمركية على سلع أمريكية تزيد قيمتها على 185 مليار دولار.
ويُشار إلى أن الحرب التجارية أضرت بالاقتصاد الأمريكي بطرق مختلفة. ففي العام الماضي، قدَّرت شركة Moody Analytics أنها كلفت الاقتصاد الأمريكي 300 ألف وظيفة و0.3% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. ويتوقع قسم الاقتصاد في وكالة بلومبيرغ، أن الحرب التجارية ستكلف الاقتصاد الأمريكي 316 مليار دولار بنهاية هذا العام.
وقد لا يكون أيّ من ذلك مُهماً كثيراً في حال كان الاقتصاد الأمريكي ما يزال في وضع جيد نسبياً. لكن فيروس كورونا والإغلاق الذي لحِقه دفعا البلاد إلى الركود ورفع احتمالات حدوث كساد كبير آخر. ففي الفترة بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 31.7% على أساس سنوي، وهو أكبر انخفاض سجَّله التاريخ.
وفي الوقت نفسه، تستمر صادرات الصين في الارتفاع، فعلى الرغم من التعريفات الجمركية الأمريكية، سجلت الصين ثاني أكبر حجم صادرات لها على الإطلاق في يوليو/تموز، حيث استحوذت على حصة كبيرة من الأسواق العالمية هذا الصيف على حساب البلدان الصناعية الأخرى.
إنهاء الحرب التجارية فرصة للاقتصاد الأمريكي، ولكن..
إن من شأن إنهاء هذه الحرب التجارية إعطاء دفعة للاقتصاد الأمريكي هو في أمسّ الحاجة إليها، لا فقط من الرسوم الجمركية المخفضة، ولكن بتوطيد العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم. ولكن من المستبعد أن يخفف ترامب من موقفه العدائي تجاه بكين. ومن المرجح أن تؤدي الولاية الثانية إلى تشجيعه على توسيع هذه الحرب التجارية.
قد يكون من غير المفاجئ إذن أن وكالات الاستخبارات الأمريكية خلصت بالفعل إلى أن الصين تفضّل بايدن رئيساً للولايات المتحدة. إذ لم يقل المرشح الديمقراطي الكثير عن الصين مؤخراً، ولم يشر إليها سوى مرة واحدة فقط في خطاب قبوله بمؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي، الشهر الماضي. لكن طوال فترة وجوده في مجلس الشيوخ ونائباً للرئيس باراك أوباما، كان بايدن يفضّل اتباع نهج أقل تصادمية وأكثر واقعية مع الصين، يعتمد على التحالفات العالمية والهيئات متعددة الجنسيات للضغط على البلاد، اقتصادياً وسياسياً.
ويرى بايدن أيضاً أن السياسة التجارية ليست العنصر الوحيد في الخصومة بين الولايات المتحدة والصين. وقال إن التنافس الحقيقي مع هذه الدولة الآسيوية العملاقة واقتصادها القائم على سيطرة الدولة، يتطلب من أمريكا التركيز على بنيتها التحتية الفكرية والمادية الخاصة، مثل التعليم، والبحث والتطوير وتكنولوجيا النطاق العريض.
إذ كتب بايدن بمجلة Foreign Affairs، في وقت سابق من هذا العام: "للفوز بالمستقبل في منافستنا مع الصين أو أي دولة أخرى، يتعين على الولايات المتحدة شحذ قدراتها الابتكارية. والأمن الاقتصادي أمن قومي. وسياستنا التجارية يجب أن تبدأ من الداخل".
إنهاء الحرب لن يكون سهلاً مثل إشعالها
ولكن في حالة فوز بايدن بالرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني، قد يكتشف أن إنهاء حرب ترامب التجارية لن يكون سهلاً مثل إشعالها. فكما كتبت كيمبرلي آن إليوت في مقال جديد لها بموقع World Politics Review: "بايدن هاجم تعريفات ترامب المفروضة على الصين، لكنه تحاشى أيضاً سؤالاً حول ما إذا كان سيلغيها. فرغم أن بايدن لم يكن هو من أشعل هذه الحرب التجارية، فلا يزال يتعين عليه إيجاد طريقة لحفظ ماء وجه الولايات المتحدة".
وإذا نجح بايدن، فسيكون قد تخلَّص على الأقل من إحدى العقبات الرئيسية في طريق التعافي الاقتصادي من الجائحة. ولما كانت المسائل الاقتصادية والمالية هي جوهر العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، فإن إنهاء الحرب التجارية قد يقطع شوطاً طويلاً في تخفيف التوترات المقلقة الأخرى بين واشنطن وبكين.