مرة أخرى عاد المغرب إلى الواجهة في ملف الصراع الليبي، يستضيف جلسات الحوار الوطني بين ممثلي الحكومة وبرلمان شرق طبرق الداعم لخليفة حفتر وميليشيات شرق ليبيا، وسط ترحيب من جميع الأطراف باستثناء حفتر نفسه، فهل يأتي الحل السياسي للصراع من الرباط مرة أخرى؟
من يشارك في الحوار؟
يشارك وفد الحكومة المعترف بها دولياً ومقرها طرابلس، ممثلاً في المجلس الأعلى للدولة من جهة، بينما الطرف الآخر يمثله وفد من برلمان طبرق، وتجري الاجتماعات بين الجانبين في مدينة بوزنيقة شمالي المغرب، وانطلقت الأحد 6 سبتمبر/أيلول، وتستمر الإثنين أيضاً بعيداً عن الإعلام.
وفي بادرة مبشرة، أشاد بيان مشترك عن الوفدين باليوم الأول من الحوار بجهود المغرب لحل الأزمة الليبية، مثمنين "سعي المغرب الصادق وحرصه على توفير المناخ الملائم الذي يساعد على إيجاد حل للأزمة الليبية"، وأضاف الطرفان أن هذه الجهود المغربية تهدف إلى "الوصول لتوافق يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي، الذي من شأنه رفع المعاناة عن الشعب الليبي".
ويشارك في حوار بوزنيقة وفدان من المجلس الأعلى للدولة وبرلمان طبرق الداعم لميليشيا حفتر.
الطرفان الليبيان أشادا أيضاً بـ"الدول الشقيقة والصديقة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومساعيها لتحقيق الاستقرار في البلاد"، وأبدى الطرفان رغبتهما في تحقيق توافق يصل بليبيا إلى بر الأمان وإنهاء معاناة المواطن الليبي، بحسب البيان.
هل الحوار منفصل عن المبادرات الأخرى؟
مسؤولون ليبيون ومغاربة أكدوا لرويترز أن اللقاءات لا تمثل مبادرة موازية لجهود الأمم المتحدة، وإنما تأتي استكمالاً لها، في إطار الهدف الأسمى، وهو التوصل لحل سياسي للصراع الليبي، وتأتي تلك اللقاءات التي تنعقد خلف الأبواب المغلقة في أعقاب زيارة كل من عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة للمغرب؛ تلبية لدعوة من مجلس النواب المغربي.
وما يؤكد أن الحوار الليبي-الليبي في المغرب يحظى بدعم المجتمع الدولي هو أنه يأتي أيضاً بعد زيارة قامت بها ستيفاني ويليامز، الممثلة الخاصة للأمن العام للأمم المتحدة، ورئيسة البعثة الأممية الخاصة بليبيا إلى الرباط، في إطار مشاوراتها مع مختلف الأطراف الليبية واللاعبين الإقليميين والدوليين في الأزمة للبحث عن مخرج سياسي.
وقال يوسف عقوري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان طبرق في افتتاح الاجتماعات: "سنبذل قصارى جهدنا لتجاوز الماضي والتوجه لرأب الصدع، والتوجه نحو بناء الدولة الليبية القادرة على إنهاء معاناة الليبيين وتحقيق الاستقرار، والتطلع لبناء المستقبل المزدهر"، بحسب رويترز.
ومن جانبه، قال عبدالسلام الصفراوي، رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، إنهم يتطلعون "إلى العمل على كسر الجمود واستئناف العملية السياسية، وعقد لقاءات بنّاءة مع شركائنا في مجلس النواب، من أجل الوصول إلى حل توافقي وسياسي".
ماذا عن موقف حفتر نفسه؟
قبل التطرق هنا لموقف خليفة حفتر، من المهم العودة لديسمبر/كانون الأول 2015، حينما تم التوصل لاتفاق الصخيرات في المغرب أيضاً، وكان حفتر أحد الموقعين عليه، وهو الاتفاق الذي تشكّلت على أساسه المؤسسات الليبية، مثل حكومة الوفاق الوطني وغيرها من المؤسسات الأخرى، وكان من المفترض أن تُجرى انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني والبرلمان وغيرها.
لكن حفتر، الرجل العسكري الذي كان يطمح إلى الانفراد بحكم ليبيا، مكرِّراً تجربة معمر القذافي، بحسب مراقبين ومحللين، انقلب فجأةً على اتفاق الصخيرات، متخذاً من بنغازي قاعدة لتحقيق طموحاته، وشنَّ هجوماً عسكرياً على العاصمة طرابلس، مدعوماً من الإمارات ومصر وفرنسا، ثم روسيا لاحقاً، وكان ذلك في أواخر مارس/آذار 2019، واستمرّ حصاره للعاصمة حتى هزيمته تماماً في الغرب الليبي منذ مايو/أيار 2020.
تقهقر حفتر وميليشياته إلى شرق ليبيا تطارده قوات الحكومة الليبية المدعومة من تركيا، وأصبح واضحاً للجميع أن زعيم الحرب لا يمكن أن يعتمد عليه في احترام أي اتفاق سياسي يتم التوصل إليه، بعد نكوصه عن الالتزام بمبادرة موسكو في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، ومبادرة برلين التي تلتها في أبريل/نيسان الماضي.
وبعد أن أعلن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي في طرابلس، وعقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق في بيانين منفصلين عن وقف إطلاق النار، مطلع أغسطس/آب الماضي، والانخراط مرة أخرى في حوار ليبي-ليبي، أعلن حفتر رفضه وقف إطلاق النار، رغم ترحيب داعميه جميعاً -باسثناء روسيا- وبالتالي يظل الرجل حجر عثرة في التوصل لحل سياسي يجنّب الليبيين مزيداً من سفك الدماء.
ما احتمالات التوصل للصخيرات 2؟
لكن بعيداً عن موقف حفتر، تظل المؤشرات جميعاً إيجابية، في ظل توافق واضح بين الداعمين الرئيسيين لمعسكري الصراع في ليبيا من جهة، والانشقاق الواضح في الشرق الليبي بين عقيلة صالح من جهة وحفتر من جهة أخرى، بالإضافة إلى خروج الإمارات بانتقادات مباشرة لحفتر، وتخلِّي فرنسا عن دعمه -ولو إعلامياً فقط- ورغبة مصر المعلنة في التوصل لتسوية سلمية للصراع.
كما أن الموقف الأمريكي أصبح أكثر التزاماً بالتوصل لمخرج سياسي للصراع، بغرض قطع الطريق على أي تواجد روسي عسكري في ليبيا، حيث ترى واشنطن في ذلك تهديداً لمصالحها ومصالح حلفائها الأوروبيين بشكل مباشر، وهو ما يمثل ورقة ضغط أخرى لا يمكن تجاهلها في أية حوارات تجري الآن.
النقطة الأخرى تتمثل في الوضع الاقتصادي المتأزم في ليبيا، رغم كونها دولة غنية بالموارد، سواء النفط أو الغاز أو الموارد الطبيعية الأخرى، وفي ظل إصرار حفتر وميليشياته على رهن إنتاج وتصدير النفط الليبي بحصول الرجل على ما يريد، أصبح واضحاً أن ذلك السلاح الذي أراد حفتر توظيفه لصالحه سياسياً ارتدّ في صدره بصورة مباشرة، مع إعلان واشنطن فرض عقوبات على مَن يتسبّب في تعطيل منشآت النفط الليبية.
كل هذه المؤشرات، إضافة إلى الثقة في حياد وموضوعية المغرب في الصراع الليبي، تجعل كثيراً من المراقبين يتوقعون انفراجة في الجمود الحالي، وربما الإعلان عن الخطوة الأولى في التوصل لاتفاق سياسي جديد، يسميه البعض بالصخيرات 2، وهذا ما يتمناه الليبيون الذي يعانون منذ سنوات طويلة.