فجأة أصبح الجيش يمثل ملفاً أساسياً في الانتخابات الأمريكية: تقارير قالت إن الرئيس دونالد ترامب وصف جنوداً قتلوا في حروب خارجية بأنهم فشلة، نفاها ترامب وحملته واتهموا منافسه جو بايدن وحملته بالتلفيق والفبركة، وهو ما يطرح سؤالاً بشأن موقف العسكر في أمريكا من الصراع الأشرس بين المرشحين للرئاسة.
هل يدلي العسكر بأصواتهم؟
نعم، يدلي جنود وضباط الجيش الأمريكي بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية ضمن ترتيبات خاصة تراعي طبيعة عملهم ودوائرهم الانتخابية قبل الالتحاق بالجيش، وعلى الرغم من أن نسبة العسكريين ليست مرتفعة مقارنة بأعداد من يحق لهم التصويت بشكل عام، تظل تلك النسبة مقياساً إلى حد كبير على مدى تقدم مرشح على الآخر.
في الانتخابات الماضية التي تنافس فيها ترامب الجمهوري ضد هيلاري كلينتون الديمقراطية، على سبيل المثال، كان عدد العسكريين الذين أدلوا بأصواتهم يبلغ 2.2 مليون فرد وكان عدد الناخبين الأمريكيين 200 مليون، حصل ترامب على ضعف الأصوات التي حصلت عليها منافسته بين العسكريين وانتهى الأمر به رئيساً للولايات المتحدة.
ماذا تقول استطلاعات الرأي بين العسكريين؟
لكن يبدو أن رأي العسكريين في ترامب شهد تغيراً خلال سنوات فترته الأولى في البيت الأبيض، حيث أظهرت استطلاعات الرأي بين العسكريين ضباطاً وجنوداً تراجعاً في شعبية الرئيس، وبحسب أحدث تلك الاستطلاعات والذي أجرته مجلة Military Times في أغسطس/آب الماضي، يتفوق جو بايدن على ترامب بصورة واضحة وهذا مؤشر يعتبر خطيراً بالنسبة للرئيس الجمهوري.
نتيجة الاستطلاع أظهرت أن 41% من العسكريين الذين شملهم قالوا أنهم سيصوتون لصالح بايدن مقابل 37% قالوا إنهم سيصوتون لصالح ترامب، وهذا يعتبر تحولاً جذرياً لعدة أسباب، أولها هيمنة ترامب المطلقة في الانتخابات الماضية ضد كلينتون، وثانيها كون النسبة الأكبر بين العسكريين الأمريكيين مسجلون كجمهوريين، فالمؤسسة العسكرية محافظة بطبعها وتميل أكثر للجمهوريين.
هل يدفع ترامب ثمن انفلات تصريحاته؟
اللافت أن قصة العسكريين ودورهم في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة قد غطت على باقي ملفات الحملة الانتخابية في الأيام القليلة الماضية، بعد أن نشرت مجلة The Atlantic تقريراً عن مصادر لم تسمها ذكرت أن ترامب قد رفض زيارة مقبرة للجنود الأمريكيين في فرنسا عام 2018، واصفاً من يرقدون فيها بأنهم "فشلة وأغبياء"، وهو ما أثار عاصفة من الجدل لا تزال مشتعلة.
حملة جو بايدن بالطبع تلقفت التقرير وأعدت إعلاناً يظهر ترامب وهو يسخر من العسكريين والجيش الأمريكي رغم كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتناولت وسائل الإعلام المعادية لترامب مثل CNN القصة بالتفصيل، بينما نفى ترامب وكبار المسؤولين في إدارته توجيه أي إهانات منه للجيش، وانبرت Fox News للدفاع عن ترامب والتشكيك في التقارير.
ووصل الأمر إلى مطالبة ترامب إدارة قناة Fox News بطرد إحدى المذيعات بها وهي جينيفر جريفين بعد أن نشرت تقريراً قالت فيها إنها تأكدت من صدق رواية The Atlantic من مصادر مستقلة، وهو ما سكب مزيداً من البنزين على نار الجدل، واستغلته CNN في تقارير متتابعة كان غولدبيرغ رئيس تحرير المجلة التي نشرت التقرير ضيفاً دائماً وأكد أن المجلة لديها مزيد من التفاصيل ستنشرها في الأيام القادمة.
لكن أظهرت استطلاعات رأي أن غالبية الأمريكيين يصدقون أن ترامب يمكن أن يكون قد قال ذلك بالفعل عن العسكريين الذين فقدوا حياتهم دفاعاً عن مصالح بلادهم، فتاريخ الرئيس الجمهوري من التصريحات الاستفزازية والمنفلتة لا يصب كثيراً في صالح نفيه أنه قال ذلك بالفعل.
هل يعني ذلك أن العسكريين يفضلون بايدن؟
روزاليندا موري باحثة متخصصة في تحليل بيانات استطلاعات الرأي قالت لمجلة ميليتاري تايمز إن تراجع شعبية ترامب بين العسكريين – كما يظهر من الاستطلاعات الأخيرة – تمثل مؤشراً خطيراً بالنسبة له، حيث لم تتدن أبداً شعبية أي مرشح رئاسي جمهوري بهذه الصورة بين هذه المجموعة من الناخبين بالتحديد.
لكنها استدركت بالقول إن العسكريين بشكل عام والمجندين والرتب الأصغر يميلون لتغيير رأيهم بسرعة أكبر من المعتاد، ومع تبقي نحو شهرين على موعد التصويت يمكن أن يغير كثير منهم رأيهم، واستشهدت باستطلاع رأي مشابه في الانتخابات الماضية حينما قال نحو 37% ممن شملهم الاستطلاع بين العسكريين أنهم لن يصوتوا لترامب ولا لكلنتون بل سيصوتون لأحد المرشحين الآخرين، لكن أظهرت النتائج الفعلية أن أقل من 5% فقط من العسكريين صوتوا لصالح مرشح ثالث بالفعل.
وعلى نفس المنوال نشر موقع The National Interest اليوم الإثنين 7 سبتمبر/أيلول تقريراً حول ذات القضية بعنوان "لماذا لا يزال العسكريون يحبون ترامب"، رصد أن السبب الرئيسي الذي يجعل الرئيس أقرب لحصد غالبية أصوات العسكريين هو وعوده بسحب القوات وإنهاء الحروب اللانهائية.
والقراءة في بيانات استطلاعات الرأي تظهر بالفعل أن شعبية ترامب مرتفعة أكثر من المجندين والضباط الأصغر سناً ورتبة، حيث إن هؤلاء يرغبون في العودة للوطن والابتعاد عن مناطق الخطر ولا تعنيهم كثيراً الأمور السياسية، وهو ما يختلف لدى الضباط الأعلى رتبة والجنرالات الذين كانوا هدفاً لتصريحات كثيرة من ترامب تقلل من كفاءتهم، أبرزها زعمه أنه "يعرف أكثر منهم عن تنظيم الدولة الإسلامية داعش".