أن ترفضَ إسرائيل بيع طائرات F-35 الأمريكية للإمارات رغم اتفاق التطبيع بين تل أبيب وأبوظبي لا يعتبر مفاجأة أو أمراً غريباً، لكن الأمر الغريب هو أن مسألة بيع الدولة العبرية أسلحة لشركائها الجدد -أعداء الأمس- من المطبعين العرب أصبحت تلقى آذاناً مصغية هناك، فما القصة؟
مجلة National Interest الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "انسوا أمر طائرات F-35 الأمريكية: هل ستبيع إسرائيل أسلحة لشركائها العرب؟"، تناول التحولات الجذرية -على مستوى الحكام- التي بدأت تغزو المنطقة، وأبرزها قصة التسليح.
عام الغرائب
يبدو أن عام 2020 يزداد غرابة كل يوم، إذ تسبب فيروس كورونا في تهميش الرياضة وتأجيل عدد لا يحصى من الأفلام، بينما وصل معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته منذ الكساد الكبير في غضون أسابيع، وشهدت المدن الأمريكية صيفاً من الاحتجاجات التي يغلب عليها العنف، فضلاً عن الخلافات التي تنشأ كل يوم حول ارتداء الكمامات، لكن الخبر الأغرب على الإطلاق هو أن دولة إسرائيل، التي لطالما اتّبعت سياسة الالتزام بالتفوق العسكري على جيرانها العرب لضمان تفوقها وقت الحرب، قد تبيع أسلحة للإمارات العربية المتحدة.
إذ أشار موقع Forbes.com، نقلاً عن تقارير من وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى أن مجرد التفكير في مثل هذه الخطوة تسبب في انقسام الحكومة الإسرائيلية بين من يرون أنها قد تضر بأمن إسرائيل ومن يرون أن مبيعات الأسلحة بإمكانها تعزيز العلاقات مع خصم سابق.
التاريخ الطويل لبلدين صغيرين
الإمارات العربية المتحدة هي أحدث دولة عربية -بعد مصر والأردن- تعترف بإسرائيل. وإسرائيل الحديثة دولة "فتية" نسبياً، إذ أعلنت قيامها في 14 مايو/أيار عام 1948، وانضمت إلى الأمم المتحدة بعدها بعام واحد فقط، أما الإمارات فحصلت على الاستقلال عام 1971.
ولم يسبق للبلدين أن خاضا حرباً ضد بعضهما فعلياً، لكن أول رئيس لدولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان يشير إلى إسرائيل دائماً بـ"العدو"، وهو ما غيّره نجله محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للبلاد الآن بصورة جذرية.
وأصبح الآن ما يجمع إسرائيل والإمارات هو عدوهما المشترك إيران، والإمارات ليست الوحيدة بين دول الخليج التي تقترب من إسرائيل في السنوات الأخيرة، ويبدو الآن أن البلدين قد يتحولان إلى شريكين إقليميين.
خلاف طائرات F-35
من المشكلات التي بدا أنها قد تخرج عملية التطبيع عن مسارها هي ما إذا كانت الولايات المتحدة ستبيع الإمارات مقاتلة لوكهيد مارتن F-35 Lightning II Joint Strike Fighter، وحالياً تظل إسرائيل الدولة الشرق أوسطية الوحيدة، التي تملك مقاتلات الجيل الخامس الشبحية النفاثة.
وقد عارض قادة إسرائيل هذا الاتفاق علناً، وبدا أنه يمثل مشكلة في هذه العلاقة الناشئة حديثاً.
الشراكة الجديدة من أجل السلام
تعيش العديد من دول الشرق الأوسط وفقاً للمثل القديم القائل "عدو عدوي صديقي"، وكانت إسرائيل في بعض الأوقات شبه صديقة لجمهورية إيران الإسلامية، وإن لم يكن ذلك في العلن، وخلال الحرب العراقية الإيرانية كانت إسرائيل تعتبر العراق تهديداً أكثر خطورة ودعمت إيران بالفعل.
وقبل الثورة الإسلامية، كانت إيران على علاقات ودية مع إسرائيل، وكانت الدولتان تفيدان من المعدات الأمريكية. وبعد قطع العلاقات بين واشنطن وطهران اضطرت الجمهورية الإسلامية الجديدة إلى اللجوء إلى العدو الحقيقي لعدوها لطلب المساعدة.
والآن أصبحت إيران العدو الأكبر على ما يبدو، وهذا ما قرّب إسرائيل من دول الخليج التي منها الإمارات، كما أفاد موقع Forbes.com، تنفي حكومة بنيامين نتنياهو أنها تفكر حتى في بيع أسلحة إلى الإمارات، ولكن نظراً لأن إيران تشكل تهديداً عسكرياً أكبر بكثير من جاراتها الخليجية الثرية، فإن آخر ما تود إسرائيل رؤيته هو اجتياح طهران للمنطقة، ثم تنصيب المزيد من الحكومات المتشددة فيها.
وفضلاً عن ذلك، قد تبدو الأسلحة -حتى تلك التي تبعد جيلاً عن الأسلحة الإسرائيلية "المتطورة"- مغرية لقوى خليجية عدة. وإسرائيل بالفعل مُصدِّر رئيسي للأسلحة، في حين أن هذه الممالك الغنية -لاسيما المملكة العربية السعودية- تنفق بسخاء على ترساناتها، وتعد السعودية الآن أكبر مستورد للأسلحة في العالم، لذلك إذا كان من الممكن أن يحقق بيع الأسلحة إلى الإمارات سلاماً دائماً، فمن المحتمل أن تؤدي صفقة مماثلة إلى دفع السعوديين للاقتراب من الاعتراف بإسرائيل أيضاً.
وما دامت توجد حكومة معادية في طهران -وهي بصراحة لا تظهر ما يشير إلى عزمها فعل أي شيء- فقد تكون أكبر حافز لتحقيق السلام أخيراً (على الأقل مع إسرائيل) في الشرق الأوسط. وقد يصبح التحالف بين الأسلحة الإسرائيلية والمال العربي مزيجاً لن تود إيران على الأرجح أن تضطر لمواجهته.