التاريخ العسكري مليء بالتوقعات الكارثية الخاطئة.. كيف يتم تقييم معنويات الجيوش واستعدادها للقتال؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/05 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/06 الساعة 13:22 بتوقيت غرينتش
الحرب العالمية الثانية، تعبيرية/ ويكيميديا

التاريخ العسكري مليء بالتوقعات الكارثية الخاطئة عن استعداد المتحاربين للقتال. إذ تشتهر أمريكا، على سبيل المثال، باستخفافها باستعداد وعزم جبهة التحرير الوطنية الفيتنامية عندما تورطت في الحرب الأهلية التي اندلعت بالبلاد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وبالمثل، خلال الحرب العالمية الأولى عام 1916، استخفت ألمانيا باستعداد فرنسا للدفاع عن قلعتها في فردان بوجه ما كان الألمان يأملون أن يكون هجوماً يُربحهم الحرب. وتجاوز عدد الضحايا في تلك المعركة 300 ألف من الجانبين.

لماذا الاستعداد المعنوي؟

يعد تقييم معنويات العدو أمراً مهماً في أي حرب كما تقول مجلة The Economist البريطانية. إذ يرى بروس بوينو دي ميسكيتا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك، أن الإرادة البشرية مهمة بما يكفي ليحقق النصر من يكون في البداية الجانبَ الأضعف في كل أربعة من بين عشر حروب. لكن خبراء السلوك يحاولون الآن الاستعانة بقوة الحوسبة الحديثة للتنبؤ بهذه المسألة. إذ لطالما استخدم المخططون في مجال الدفاع الحواسيب للتنبؤ بنتائج الحروب، من خلال تحليل البيانات المتعلقة بأشياء مثل أعداد القوات وقدرات الأسلحة وإمدادات الذخيرة والدروع الواقية للأشخاص والمركبات. والخطوة التالية هي توسيع الفكرة لتشمل الاستعداد المعنوي، عن طريق تحديد المتغيرات النفسية التي تحدد ما إذا كان الجنود سيفرون أم سيصمدون ويقاتلون.

وتعد مؤسسة Artis International البحثية من المؤسسات الرائدة في مجال أبحاث المعنويات وتوجد بولاية أريزونا، وتدعمها وزارة الدفاع الأمريكية. ولفهم ما يحدث في العراق، على سبيل المثال، فهماً أفضل، أجرى باحثون بمؤسسة أرتيس مقابلات مع مقاتلين من الحكومة العراقية، والميليشيات الشيعية، وقوات البيشمركة التي تدافع عن الاستقلال الذاتي لكردستان العراق، ومقاتلين أسرى من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وسُئل المشاركون عن استعدادهم للدفاع عن قضاياهم بأشكال مختلفة، من التظاهر في الشارع والتبرع بالأموال، إلى تعذيب أو قتل المعارضين، أو التطوع لتنفيذ تفجير انتحاري، أو حتى التضحية بالعائلة.

قوة المعتقدات و"الأخوة في السلاح"

سجَّل الباحثون ردود المشاركين على مقياس تصاعدي من سبع نقاط للاستعداد النفسي. وأشارت الردود، من بين أمور أخرى، إلى أن من أعلنوا عن استعدادهم للتضحية أكثر من غيرهم كانوا هم أيضاً من أبدوا أقلَّ قدر من الاهتمام بالراحة المادية والفرص الاقتصادية. ثم زرع الباحثون بعد ذلك أنفسهم داخل قوات من المجموعات التي أجروا معهم مقابلات (باستثناء الأسرى)، وذلك جزئياً للبحث عن الاختلافات بين الاستعداد المعلن والفعلي للقتال. وأكدت بعض التحركات التي شهدوها، ورسم خرائط ما بعد المعركة لأماكن (وتوقيت) الخسائر، النتائج التي توصلت إليها المقابلات.

وقد كشف هذا العمل الميداني الكثير عن الخسائر التي يمكن أن تتحملها أنواع مختلفة من الوحدات قبل أن يفقد الناجون استعدادهم للقتال. إذ يسود اعتقاد عام بأن القوة القتالية التقليدية تنهار في وقت ما قبل تدمير ثلثها. لكن بعض الوحدات الكردية ووحدات داعش في العراق قاتلت بثباتٍ بعد تكبُّدها خسائر فادحة أكثر بكثير. وعليه، حاولت أرتيس تصنيف وقياس "المعتقدات" وراء هذه "الشجاعة الملحوظة".

كانت إحدى النتائج التي توصلوا إليها هي أن هوية المقاتل لا بد أن "تنصهر" بالكامل في هوية إخوته في السلاح. ولا بد أن الأولوية القصوى عند هؤلاء المقاتلين، كما يقول رئيس المؤسسة البحثية ريتشارد ديفيس، قد انتقلت من العائلة إلى قضية أخرى، أو فكرة سامية أصبحت "مقدسة" لدرجة أنه لن يحل محلها أي شيء آخر. وحدد باحثو "أرتيس" المقاتلين الذين تراجعت مكانة أُسرهم إلى المرتبة الثانية أو الثالثة في قائمة دوافعهم. وكان بعض هؤلاء من البيشمركة، الذين كانوا يقدّرون فكرة "الكردية" إلى أقصى درجة، أي حبهم لقوميتهم التي يقوّيها التزامهم تجاه إخوانهم الأكراد والثقافة الكردية. ومن جانبهم، نقل كثير من أسرى داعش أُسرهم إلى المرتبة الثالثة بعد الخلافة والشريعة في قائمة دوافعهم. وقد قاتلت الوحدات المتمسكة بهذه المعتقدات بثبات حتى بعد سقوط سبعة أعشار رفاقها.

التعصب لفكرة والموت من أجل الآخرين

وهذا المخطط العام لهذا التحليل مألوف بلا شك، لأي طالب في التاريخ العسكري. إذ من المعروف أن التعصب يضيف إلى ميزات الجندي، سواء كان من مجموعة المتطرفين لإسرائيل، أو من الغزاة الرومان الكاثوليك في الأمريكتين، أو فرقة بانزر الثانية عشرة التابعة للنازية "شباب هتلر". لكن ما يختلف في نهج "أرتيس" هو محاولتها تحديد، أو على الأقل تقريب، ما يجري. وهذا من شأنه أن يساعد في تقييم أداء العدو بساحة المعركة، وفي تصميم برامج التدريب والتلقين.

واستناداً إلى عملهم في العراق، يقود علماء السلوك البالغ عددهم نحو 45، دراسات عن الاستعداد للقتال والموت من أجل الآخرين، في 21 دولة متنوعة مثل بريطانيا ومصر وغواتيمالا. والهدف هو دمج هذه الأفكار في البرامج التنبؤية. ومن المنظمات التي تعمل على ذلك: مركز أبحاث فاعلية المقاتلين (werc) التابع لأكاديمية القوات الجوية الأمريكية في كولورادو. ويستعين الباحثون العاملون في المركز بالبيانات التي قدَّمتها "أرتيس" لتحديد كيف تغير المستويات المختلفة من الاستعداد للقتال من طريقة أداء المهام. 

على سبيل المثال، وفقاً للمقدم تشاد توسيل، مدير مركز Werc، الطيارون الذين تضعف إرادتهم من المستبعد أن يستسلموا بالكامل، لكن سرعة ردود فعلهم تتراجع عادة. ويعمل فريقه على تطوير معادلات تعكس ذلك. ومن المقرر أن يجرى بعدها إدخال هذه المعادلات إلى نسخة من لعبة "Far Cry"، وهي لعبة فيديو تعمل القوات الجوية الأمريكية على تعديلها؛ لدمج حسابات الاستعداد للقتال في عمليات محاكاة القتال.

وستمكّن مقارنة الطريقة التي يلعب بها المتدربون الذين لم يشتركوا في قتال بعدُ، بالنهج الذي يتبعه المحاربون مركز werc من تجميع بيانات حول الطريقة التي تؤثر بها الخبرة والنوع والعمر وعوامل أخرى على السرعة التي ينفذ بها اللاعبون بعض الأشياء مثل إلقاء أنفسهم افتراضياً على قنبلة يدوية لإنقاذ رفاقهم. ويبقى أن نرى مدى الاستعداد في نقل هذا السلوك من اللعبة إلى ساحة المعركة.

تحميل المزيد