يحوم النظام المصري حول مجانية التعليم منذ سنوات تمهيداً لإلغائها، لكن يبدو أنه فشل في المرات السابقة في أن يطرح الفكرة في صورة قرار مفاجئ فلجأ لباب خلفي بإصدار تعديلات على قانون الجامعات وإقرار غرامات على الراسبين، لكنه لا يعلم أنه بذلك سوف يخلق حالة من الصراع الطبقي والفئوي قد تسحق في طريقها طبقة الفقراء.
طرحت قضية إلغاء مجانية التعليم الجامعي خاصة، بأكثر من صيغة على مدار السنوات الثلاث السابقة، ويدافع عنها الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي، ويعتبر الهدف منه ليس مادياً، ما طرح تساؤلاً مهماً: هل وفرت الدولة المناخ الملائم للأسر الفقيرة والمتوسطة كي يتفرغ أبناؤها للدراسة فقط؟
أثار قرار تغريم الراسبين مخاوف شرائح كبيرة من الطلاب، فبعض الشباب يتخوفون من انتقام الأساتذة ــ منعدمي الضمير ــ على حد وصفهم باستغلال القرار لمعاقبة الطلاب إن اختلفوا معهم في أي نقاش، فضلاً عن مخاوف الطالبات من تعرضهم للرسوب المتعمد كعقوبة على رفض محاولات التحرش التي تفعلها قلة من أساتذة الجامعة.. فمن سيحمي الجميع؟
وبدأت الأصوات تعلو: "مجانية التعليم ليست منحة من الحكومة بل هي حق دستوري يتم تمويله من ضرائب المصريين"، هذه الأصوات ترى أن مجانية التعليم "أمن قومي" لا يمكن المساس به، متسائلين: "أين حصة التعليم أصلاً في موازنة الدولة؟".
هناك مخاوف حقيقية من أن يجعل القرار حق التعليم لمن لديه القدرة المالية فقط، ويحرم الطبقة الفقيرة منه وتصبح مجانية التعليم حقاً للأغنياء فقط، وهذا ما تخشاه سيدة أرملة لم يتبقَّ لها من مجانية الحياة في مصر سوى حلم تعليم أبنائها، الذي قد يبدّده هذا القرار.
متضررون من القرار
فحالة من الذعر سيطرت على السيدة سماح محمد من قرار وزارة التعليم العالي بفرض رسوم على الطلاب الراسبين بالجامعات، وتقول لـ"عربي بوست" إن لديها ثلاثة أبناء، أكبرهم في كلية الحقوق، والآخران توأمان في الثانوية العامة، توفي والدهم فجأة منذ 4 سنوات أثناء عمله بالسعودية، ولم يحصلوا على معاش أو مكافأة تعينهم على الحياة.
الأمر الذي اضطر الابن الأكبر للخروج إلى العمل كي ينفق على الأسرة واتفق مع والدته على أن يقسم مواد السنة الدراسية الواحدة على عامين أو ثلاثة لكي يتمكن من العمل بجانب دراسته وينفق على أخويه اللذين يحتاجان مبالغ طائلة ليتمكنا من النجاح في الثانوية العامة.
فوجئت هذه الأسرة الفقيرة مثل الكثيرين بموافقة الحكومة المصرية على تعديلات قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972، بفرض رسم على دخول الامتحانات للطلاب الباقين للإعادة، أو الباقين بذات المستوى، من المُلتحقين بنظام الساعات المعتمدة أو النقاط المُعتمدة، وكذلك على المتقدمين للامتحانات من الخارج، ويعمل بذلك اعتباراً من العام الدراسي 2021/2022.
وقد حدد مشروع القانون الحدين الأدنى والأقصى لهذا الرسم، ليكون من 6 – 12 ألف جنيه لكليات الطب البشري وطب الأسنان، ومن 5 – 10 آلاف جنيه لكليات الهندسة والحاسبات والمعلومات والذكاء الاصطناعي والصيدلة والعلاج الطبيعي، ومن 4 – 8 آلاف جنيه لكليات الطب البيطري والزراعة والعلوم والتمريض، ومن 3 – 6 آلاف جنيه للكليات والمعاهد الأخرى (الدولار نحو 16 جنيهاً)، ويتم تحصيل المبلغ في بداية العام الدراسي، وتخصص حصيلته لتحسين الخدمات التعليمية بالجامعة.
وتشير السيدة الأربعينية إلى أن ابنها حاصل على منحة تفوُّق في عامه الدراسي الأول قيمتها ٥٠ جنيهاً (حوالي 3.2 دولار) لكن ظروف وفاة والده أجبرتهم جميعاً على إعادة ترتيب الأولويات.
تواصل سماح في ألم: "بعد قرار فرض رسوم على الراسبين لم يعد أمامي إلا أحد خيارين أحلاهما مر: إما أن أضحي بتعليم ابني الكبير من أجل تعليم إخوته أو أن أقصر في تقوية الولدين الصغيرين وهذا يمنع التحاقهما بالجامعة، ولا أعرف ماذا أفعل؟!".
سماح وغيرها من متضرري القرار الأخير يعتبرون تغريم الطالب الراسب ظلماً لأبنائهم، خاصة أن هناك طلاباً يرسبون بغير إرادتها بسبب أوضاعهم الاجتماعية الصعبة وضيق ذات اليد أو اتجاه أعداد كبيرة منهم للعمل أثناء الدراسة لمساعدة أسرهم بعد ارتفاع الأسعار بصورة جنونية وضعت ملايين المصريين تحت خط الفقر.
ويتساءل المتضررون هنا سؤالاً مشروعاً لوزير التعليم العالي: "هل وفرت الدولة المناخ الملائم للأسر الفقيرة والمتوسطة كي يتفرغ الطلاب للدراسة والتفوق؟".
مليار ونصف
يدافع الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي، عن قرار فرض رسوم على الراسبين، ويؤكد في كل تصريحاته الصحفية أن الهدف من القرار ليس مادياً، مشيراً إلى أن التعليم لا يزال مجانياً لكن الرسوب لم يعد مجانياً!
فيما يؤكد الوزير مجدداً أن الدولة تلتزم بمقتضى المادة 21 من الدستور بكفالة مجانية التعليم فى جامعاتها ومعاهدها وفقاً للقانون، مضيفاً أن الحق في مجانية التعليم يجب ألا يضر بالصالح العام، حيث إن استمرار تحمل الدولة لتكاليف تعليم الطلاب الراسبين سيؤدي حتماً إلى الحد من الفرص المتاحة للطلاب المجتهدين بالصورة المرجوة إزاء محدودية موارد الدولة المخصصة للتعليم.
من جهته يرى نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن قرار فرض رسوم على الطلاب الراسبين يحافظ على حق الدولة التي توفر التعليم المجاني للطلاب.
واتهم بعض الطلاب بعدم الجدية الكافية في التعامل مع العملية التعليمية، وأنهم يكررون الرسوب أكثر من مرة، مؤكداً أن نسبة الرسوب بالجامعات تصل إلى 20%، لكنه شدد على أن القرار يراعي حالات الرسوب القهري.
اللافت أن وزير التعليم العالي أشار إلى أن الرسوم المفروضة على الطلاب الراسبين في الجامعات لا تمثل أكثر من 15% فقط من التكاليف التي تتحملها الدولة في العملية التعليمية، بينما ذكر المتحدث باسم مجلس الوزراء أن طالب الطب يكلف الدولة 50 ألف جنيه سنوياً.
وبحساب القيمة المقررة على الرسوب نجد أن الحكومة إن استهدفت تغريم الطالب الراسب (12 ألف جنيه) فهي بذلك تحصل على 24% من القيمة المذكورة وليس 15% قفط كما قال الوزير.
تؤكد إحصائيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وجود 3.104.000 ملايين طالب مقيدين بالتعليم العالي للعام الجامعي 2018 /2019.
بينما يشير الوزير خالد عبدالغفار إلى أن نسبة الراسبين تختلف في الجامعات المصرية الحكومية والخاصة والمعاهد، وفقاً لتخصصات الكليات، لافتاً إلى أن متوسط نسبتهم في الكليات النظرية تصل إلى 15% من إجمالي الطلبة المقيدين للعام الدراسي، وتقل بنسبة بسيطة في الكليات العلمية.
ووفقاً لما سبق، فإن ما يقرب من 465 ألف طالب يرسبون سنوياً في المتوسط في الجامعات منهم حوالي مئة ألف في الجامعات الخاصة، ما يعني وجود حوالي 365 ألف طالب وطالبة سيتوجب عليهم دفع رسوم الرسوب، وإذا افترضنا أن متوسط تكلفة الطالب في حالة رسوبه 5 آلاف جنيه، سيكون الإجمالي الذي سيتم تحصيله نحو مليار و800 مليون جنيه في خزينة الوزارة.
مخاوف من بطش الأساتذة
أثار القرار ردود أفعال متباينة بين شرائح مختلفة من الطلاب، ورأى البعض فيه بداية الطريق لإلغاء مجانية التعليم في مصر، فيما رآه آخرون قراراً يصب فى صالح الطلبة المتفوقين ويسهم في تطوير وتحسين ميزانية التعليم الجامعي.
ويرى الرافضون أن القرار ما هو إلا استمرار لسياسة الرئيس عبدالفتاح السيسي في رفع أسعار السلع والخدمات سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة وتكريس لسياسة سموها "تنفيض" جيوب المصريين بعد إفلاس الحكومة في تنمية موارد الدولة بتطوير الصناعة والزراعة والتصدير والسياحة، على حد وصفهم.
لا يرى هؤلاء أن الحكومة تسن قانوناً فيه مصلحة لهم، ويتساءلون: "لماذا ظهر القانون الآن؟! ولماذا لم تجر الحكومة دراسات اجتماعية وميدانية لمعرفة أسباب رسوب الطلاب وتعالجها؟".
من جهته يطالب كريم وجيه الذي يدرس بالفرقة الثانية بكلية التجارة، الحكومة بأن تربط مجانية التعليم الجامعي بمستوى الأداء الأكاديمي، مشدداً على أن انعدام فرص العمل بعد التخرج هو ما يدفع بعض الطلاب لتعمد الرسوب، بسبب تراجع قيمة التعليم في الوعي الجمعي لدى بعض الطلاب وأسرهم.
وبرغم أن الطالب كريم لم يرسب حتى الآن لكنه يرى في تطبيق القرار الجديد أن الحكومة بذلك تعلن إفلاسها، فضلاً عن أن ارتفاع الرسوم لا يتناسب مع مبدأ مجانية التعليم، متخوفاً من أن تزيد عمليات الاستغلال التي يتعرض لها الطلاب في الجامعات، وقال: "بعض الأساتذة منعدمي الضمير سيستغلون القرار لمعاقبة الطلاب الذين يختلفون معهم في النقاشات والتوجهات".
ويضيف: "الرسوب ليس دليلاً على الاستهتار، فالكثير ممن يرسبون يعانون من نظام تقييم غير عادل، وهناك من يضطر للعمل بسبب ظروفه الاقتصادية الصعبة، وآخرون لا يحبون دراستهم، إضافة إلى الفتيات اللاتي قد يتعرضن للرسوب كعقوبة من بعض الأساتذة إذا رفضن محاولات التحرش بهن".
وتوقع كريم أن القرار لن يؤتي الفائدة المرجوة منه، وأن التمرد والتحرك الطلابي سيكونان الحل ضد تطبيق السياسة الجديدة، وقال: "أنا شخصياً إذا تعرضت للرسوب لن أترك الجامعة، ولن أدفع الجباية المفروضة عليَّ".
أين حصة التعليم في الموازنة؟
من جهته، قال الدكتور محمد، عضو هيئة التدريس بجامعة عين شمس، لـ"عربي بوست" إنه كان يفضل قبل التطرق أو التفكير في إلغاء مجانية التعليم، أن تبادر الدولة بتوفير حصة التعليم المخصصة في الموازنة العامة كما أقرها الدستور، مشيراً إلى أنها لم تزِد منذ إقرار الدستور ولم تتقارب مع النسب العالمية كما تم النص عليه، وبالتالي يجب أولاً أن تقدم الدولة ما عليها من التزامات كاملة ثم نرى ما إن كانت المنظومة في حاجة لترشيد الإنفاق أم أن الموازنة ستكفي لتحسين التعليم.
ورأى الدكتور محمد أن ربط مجانية التعليم بالنجاح معيار "مثقوب"، مؤكداً أن بعض الراسبين مقصرون، لكن لا يمكن مساواة الجميع، وإنما لابد من البحث عن أسباب الرسوب ودراستها وإيجاد حلول لها من كافة الجوانب وليس من جانب رفع مصروفات فقط، مشيراً إلى أن الطالب قد يكون أُجبر على الالتحاق بتخصص لا يرغب فيه بسبب قواعد مكتب تنسيق القبول بالجامعات المصرية التي تعتمد بالأساس على مجموع الطلاب في الثانوية العامة، ووقتها يفقد الطالب الرغبة في النجاح، خاصة إذا كان يرى أن مَن سبقوه في التخرج من نفس التخصص أضاعوا سنوات عمرهم فى الدراسة وأصبحت المقاهي مقرهم النهائي.
ويؤكد أن تغريم الراسبين لن يحل مشكلة التعليم العالي؛ لأنه سيحمل الطالب أخطاء المجتمع كله وأخطاء الاستراتيجيات الخاطئة، ولن يقدم لنا عباقرة من الخريجين، معتبراً أنه سيعالج أمراً مادياً للوزارة فقط، لكنه سيحمل الأسر المصرية أعباء إضافية قد لا تستطيع تحملها في ظل تصاعد الغلاء.
حق وليس منحة
ويعتبر سامي محمد، عضو نقابة علماء مصر، أن تكلفة التعليم ليست منحة من الحكومة بل هي حق دستوري يتم تمويله من ضرائب المصريين لتعليم أولادهم، وأن الكثير من المصريين يعتبرون مجانية التعليم "أمناً قومياً" لا يمكن المساس به حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة للدولة، مشيراً إلى أن الكثير من الدول الأوروبية والرأسمالية تعمل بنظام مجانية التعليم حتى الآن.
ودعا الدولة للبحث عن بدائل أخرى لتمويل الإنفاق على التعليم الجامعي من خلال مساهمات المجتمع المدني ورجال الأعمال والمنح الدولية من المؤسسات المهتمة بالتعليم، وطالب الحكومة بأن تعالج فشلها لا أن تعاقب ولي الأمر على رسوب ابنه في عام دراسي.
مخاوف من نشوء الطبقية
في المقابل هناك من يؤيد قرار تغريم الراسبين، وأغلب هؤلاء -كما رصد "عربي بوست"- من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الحكومية الذين يرون أن القرار "ممتاز" كونه يقلل من حالة الاستهتار التي يجدون عليها بعض طلابهم.
وترى الدكتورة نهى أن بعض الطلاب يتعمدون الرسوب، وبعضهم يترك ورقة الإجابة دون أن يخط عليها حرفاً واحداً، والهدف من وجهة نظرها رغبتهم في الرسوب سنة تلو الأخرى، لاطمئنانهم أن أماكنهم في الجامعات محجوزة، لكن هذا القرار سيجعلهم أكثر حرصاً على مستقبلهم.
إلا أن الأستاذة الجامعية تخفي مخاوفها من أن يكفل القرار حق التعليم لمن لديه القدرة المالية فقط، وأن يتسبب في قصر التعليم على فئة بعينها.
وقالت: "لذلك الأمر يحتاج إلى قواعد شفافة في التقييم الخاص بالطلبة مثل أن يكون التصحيح إلكترونياً وربط نتيجة الامتحان الشفوي بالاختبار التحريري، حتى لا يوضع الأمر في أيدي الأساتذة فقط وهم في النهاية بشر وعليهم ضغوط وبعضهم قد لا يكون مستيقظ الضمير".
مطالبات بخفض غرامة الرسوب
فيما طالب النائب محمد إسماعيل، عضو مجلس النواب، الحكومة ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، بإعادة النظر في الأمر، لافتاً في بيان له إلى أن هناك ضرورة لخفض الرسم المحدد في مشروع القانون مراعاة للظروف الاقتصادية للمواطنين، مؤكداً تأييده التام لفلسفة القانون في الحد من ظاهرة رسوب الطلاب في الجامعات.
إلغاء المجانية مطروح منذ سنوات
طرحت قضية إلغاء مجانية التعليم الجامعي بأكثر من صيغة على مدار السنوات السابقة، حيث تصدّر خبر إلغاء مجانية التعليم الجامعي للراسبين وتطبيقه في العام الدراسي الجديد 2015/ 2016 عناوين الصحف في يناير/كانون الثاني من عام 2015 في خطوة تعتبر الأولى من نوعها منذ تطبيق مجانية التعليم الجامعي عام 1962، حيث وضع المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع لرئاسة الجمهورية مقترحاً يستهدف ترشيد مجانية التعليم الجامعي، يتلخص في تحمل الدولة تكاليف تعلم الطالب الجامعي طول فترة دراسته، بشرط عدم رسوبه، أو حصوله على نسبة نجاح لا تقل عن 70% من المجموع، وإذا وقع عكس ذلك يتحمل الطالب تكلفة السنة التي يعيد دراستها، وفقاً لتكلفة كل كلية.
وكان وزير التعليم الحالي طارق شوقي أحد المدافعين عن إلغاء مجانية التعليم، حين قال في جلسة داخل البرلمان نصاً: "مجانية التعليم تحد قدرتنا على الحركة، كيف نصر على تعليم الطالب المتفوق والبليد مثل بعضهما، وكيف يفتعل البعض أزمة عندما نتحدث عن ضرورة مناقشة الأمر في وقت لا يجد البعض مشكلة في دفع 20 ألف جنيه ثمناً لتذكرة في حفل المطرب عمرو دياب؟!".
لكن الوزير تراجع لاحقاً عن هذه التصريحات بعد تعرضه للهجوم، وأعلن في مداخلات تليفزيونية أن أحداً لا يستطيع إلغاء مجانية التعليم لأنها حق دستوري.
لكنه ثبت على نفسه التهمة حين قال في مداخلته: "إن الصحافة هي التي سربت حديثه في جلسة البرلمان ولم يكن على علم بحضور صحفيين"، ثم طالب بمحاسبة المسؤولين عن ترويج هذه الشائعات.
وبعد 3 أعوام من الهدوء عاد الحديث عن إلغاء المجانية على الراسبين في يونيو/حزيران من عام 2018 وكان أحد المقترحات التى عرضها الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، في الجلسة العامة المقررة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2018-2019، هو رفع الدعم التعليمي عن الطلاب الراسبين بالجامعات والمدارس.
وذكر المقترح: "هناك دعم آخر بخلاف المواد التموينية، وهو دعم الجامعات والمدارس، لماذا تتكلف الدولة دعم الطالب الذي يرسب عامين وثلاثة، ولا يتحمل هؤلاء الطلاب التكلفة كاملة؟".
وتقول أمنية شريف، وهي طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الصيدلة، إنها كانت من أوائل الثانوية العامة وبالفعل تفوقت في أول عامين بالكلية لكنها رسبت في السنة الثالثة بسبب مرض أمها، وخروجها لتحل محلها في العمل كجليسة أطفال لتنفق على أسرتها، ورسبت لأول مرة في حياتها ومن المحتمل أن يتكرر ذلك مستقبلاً.
وتتساءل: "الحكومة تقول إن رسوبنا عبء على الدولة، فهل وفرت الدولة لنا حياة آدمية لنتفرغ لدراستنا؟ ولماذا لا ترى حكومتنا أنها تساهم في زيادة أعداد الراسبين بسبب انصراف بعض الطلبة عن الدراسة والبحث عن لقمة العيش بعدما تدهورت أحوالنا الاقتصادية؟.
وتفسر أمنية لـ"عربي بوست" تراجع الحكومة عن تطبيق قرار إلغاء المجانية للراسبين قبل أكثر من 3 سنوات لخشية الحكومة على شعبية الرئيس وقتها، أو خوفاً من ثورة طلابية لا يستطيعون إخمادها.
الدستور تكفَّل أم التزم؟
أثار الأمر حملة رافضة، ووجَّه الطلاب وأولياء أمورهم اتهامات للدولة بأنها تتجه نحو خصخصة التعليم الجامعي، فيما وصفه حقوقيون بأنه قرار خاطئ وفي توقيت خطير وسط حالة الغلاء التي يعيشها الشعب المصري، وتنفيذه سيكون بمثابة إلغاء المحفز الأساسي للمصريين للالتحاق بالتعليم، لأن المجانية تعتبر الحافز الرئيسي لإصرار أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بالجامعات.
لكن المؤيدين برروا وجهة نظرهم بأن الدستور المصري الجديد احتوى على مادة تؤكد أن مجانية التعليم إلزامية على الدولة من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، فضلاً عن أن ترشيد مجانية التعليم الجامعي يسهم في تطوير جودته، نظراً لأنه يجبر الطالب على النجاح خوفاً من تحمّل المصاريف وهذا ما يخفض معدلات الرسوب التي تكون عن عمد.
محمد شوقي، أستاذ القانون، أوضح أن المادة 19 من الدستور تنص في فقرتها الثانية على: "التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية"، لافتاً إلى أن المشرع الدستوري لم يستخدم كلمة تلتزم الدولة بالمجانية، بل استخدم عبارة تكفل الدولة، ولا شك أن استخدامه لها لأنها أقل في التكليف من "تلتزم الدولة"؛ كما أحال للقانون تنظيم المجانية، وهو ما طبقه مجلس الوزراء، بتنظيم الأمر، وبالتالي فإن قرار مجلس الوزراء لا يوجد عليه أي شبهة دستورية.
مخاوف من تسرُّب غير القادرين
كشف مصدر بالمجلس الأعلى للجامعات لـ"عربي بوست" أن هذه الفكرة طُرحت مراراً على اللجان المتخصصة في الجامعات، ووجهة نظر المسؤولين كما يشرحها المصدر هي وقف إهدار المال العام الذي يتعدى مليار جنيه بحيث يتم توجيهه لمن يستحق، مطالباً بضرورة طرح القرار للنقاش بين خبراء التعليم وأساتذة الجامعات، والمتخصصين للوصول إلى القرار السليم.
ويشير المصدر إلى أن هناك فئة من الطلاب الراسبين تحتاج إلى الرعاية بسبب ظروفها المادية أو الصحية، والقرار بالفعل يمنح الحق لإدارة الكلية في إعفاء الطالب الذي يتقدم بعذر مقبول، وذلك على عكس الطلاب الذين اتخذوا الرسوب "مهنة" نتيجة التكاسل.
واعترف المصدر بأن الحديث في السابق كان عن تطبيق القرار على الطالب الذي يرسب أكثر من مرة، لكن المفاجأة أن القرار الجديد لم يعفِ الطالب الراسب لأول مرة وقرر تطبيق القرار عليه.
وحذر المصدر من ظهور موجة جديدة من التسرب من التعليم، خاصة بين شريحة أبناء الفقراء ومحدودي الدخل لعدم قدرتهم على تسديد غرامات الرسوب، وبذلك تتسبب الحكومة في إهدار موارد الدولة بالتضحية بالسنوات الدراسية السابقة لهم.