تسير الإمارات في تطبيعها مع إسرائيل بتسارع وانفتاح كبير، فبعد إلغاء قانون "تجريم التطبيع" مع إسرائيل السبت 29 أغسطس/آب 2020 بهدف "توسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري"، تبعه تدشين أول خط طيران تجاري علني بين تل أبيب وأبوظبي الإثنين 31 أغسطس/آب، يتطلع الطرفان لتوسيع العلاقة بشكل كبير لتشمل مجالات عدة، دبلوماسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وغيرها، فما الذي ستكسبه الإمارات من تطبيعها مع إسرائيل، وعلى ماذا ستحصل إسرائيل في المقابل؟
المكاسب السياسية
- إسرائيل: لا شك أن الإمارات منحت إسرائيل فوائد سياسية كبيرة، وخصيصاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وحتى للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" نفسه قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. إذ يحاول نتنياهو رفع أسهمه داخلياً ومحاولة ارتداء عباءة كل من مناحيم بيغن وإسحاق رابين كـ"رجل دولة عظيم صنع السلام مع دولة عربية"، وإن كانت أقل مكانة من مصر والأردن، جيران إسرائيل وخصومها الذين خاضوا حروباً ضدها.
كما يأتي هذا الاتفاق في وقت مناسب لنتنياهو الذي يواجه لائحة اتهام بالفساد وانتقادات شديدة لفشله في مواجهة جائحة كورونا، مع ورود احتمالات كبيرة بإجراء انتخابات جديدة بسبب الفشل الداخلي بين القوى السياسية والاحتجاجات المستمرة ضده.
أما بالنسبة لترامب الداعم الأول والأكبر لإسرائيل، فسيحصل على انتصار جديد في السياسة الخارجية يدعم حملة إعادة انتخابه، بحيث يُظهر نفسه كصانع سلام في العالم، وداعم كبير لإسرائيل، التي ستعمل لوبياتها في واشنطن على تكريم ترامب وتقديم الدعم اللازم له في معركة الرئاسيات بدون شك.
- الإمارات: أما بالنسبة لأبوظبي، فتنظر إلى هذا الاتفاق على أنه فرصة كبيرة لها لتقديم نفسها كقوة إقليمية جديدة في المنطقة، ولاعب أساسي في القضايا الكبرى للشرق الأوسط، كالقضية الفلسطينية، إذ حاولت الإمارات الترويج لفكرة أنها نجحت في "منع" ضم إسرائيل للضفة من خلال هذا الاتفاق، وأنها سترعى المصالح الفلسطينية من خلاله، لكن في الحقيقة كان كل ما قدمه نتنياهو لمحمد بن زايد هو "تأجيل" ضم الضفة وليس "وقف" هذه العملية، إذ أكد نتنياهو مراراً بعيد إعلان التطبيع أن "إسرائيل لن تتراجع عن خطتها فيما يتعلق بغور الأردن والمستوطنات وفرض السيادة على أجزاء من الضفة".
الأهم من ذلك، ترى الإمارات أنها اكتسبت حليفاً مهماً في مواجهتها مع إيران، لكن الاتفاق قد لا يغير شيئاً في سياسة إسرائيل تجاه إيران، إذ تحاول تل أبيب إلحاق أكبر ضرر بطهران وأذرعها دون الانزلاق نحو حرب شاملة، وليس من مصلحة أبوظبي أيضاً التورط في حرب من إيران، ستكون هي الحلقة الأضعف فيه لولا الغطاء الأمريكي والإسرائيلي.
التعاون الأمني والعسكري
- الإمارات: تنظر الإمارات إلى أن اتفاق التطبيع مع إسرائيل يمنحها إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية الذكية التي تفتقر إليها، وتصدر إسرائيل بالفعل الكثير من التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية إلى الإمارات مثل أنظمة التجسس الخاصة وغيرها، التي تستخدمها الأخيرة ضد معارضيها والدول الأخرى، لكن أبوظبي تتمنى توسيع هذا التعاون للحصول على ما هو أكثر قوة وتطوراً، لكن الاتفاقية لا تمنح الإمارات أي وصول إلى الأسلحة أو المعدات التي ينظر إلى إسرائيل أنها تتفوق فيها على غيرها.
إذ تطمح الإمارات أن تبيعها الولايات المتحدة مقاتلة "إف-35" الشبحية، لكن في الحقيقة، لا يوجد سوى إسرائيل في الشرق الأوسط تشغل أفضل طائرة مقاتلة أمريكية، ولن تسمح إسرائيل بتغيير هذا الوضع، ولن يسمح المشرعون الأمريكيون ببيع أسلحة فائقة التطور لدول خليجية حتى لو طبّعت مع إسرائيل. - إسرائيل: تمتلك الإمارات موقعاً استراتيجياً على الخليج العربي يبعد بضع كيلومترات عن عدو إسرائيل اللدود إيران، وكانت الإمارات قد أنشأت قواعد بحرية في جيبوتي وسقطرى، وهذا أمر يمكنها من فعل الكثير في مضيقي هرمز وباب المندب على سبيل المثال، وهو ما يثير بالفعل اهتمام إسرائيل للتواجد هناك، تحت التعاون العسكري مع حليفها الجديد الإمارات.
النفط والطاقة
- إسرائيل: يستدعي اتفاق تطبيع العلاقات بين الطرفين تعاوناً جدياً في مجال الطاقة، إذ يعتمد السوق الإسرائيلي على النفط المستورد، ومن المتوقع أن ينفتح على الإمارات، رابع أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
ويبدو أن نفط الإمارات تتم تهيئته للاستخدام داخل إسرائيل، من خلال شركة خطوط إيلات عسقلان جنوبي إسرائيل، قبل أن يصل إلى مشتريه في البحر المتوسط، ويتم تكريره داخل إسرائيل في مصفاتي نفط بسعة 300 ألف برميل يومياً. وتستورد إسرائيل 92% من استهلاكها، وتوفر معظم هذه الكمية من روسيا وأذربيجان. لذا فإنه من المتوقع أن يكون البديل الاستراتيجي لإسرائيل هو الإمارات لحكم قربها الجغرافي وانخفاض تكاليف الاستيراد، وهي التي تنتج ثلاثة ملايين برميل يومياً، تصدر منها مليوني برميل. - الإمارات: تطمح الإمارات للاستفادة من إسرائيل في مجال الطاقة المتجددة، ويبدو أن الطرفين يتجهان لتوقيع اتفاقيات عديدة في هذا المجال، كما أن أبوظبي مهتمة بمشروع خط أنابيب "إيست ميد"، الهادف لتوصيل الغاز الطبيعي الذي اكتشفته إسرائيل شرقي البحر المتوسط إلى أوروبا. وحول ذلك يقول حيدر أوروتش، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بأنقرة، إن الإمارات استثمرت قرابة 100 مليون دولار في دراسات جدوى خاصة بهذا المشروع، إضافة إلى بعض التمويلات التي قام بها الاتحاد الأوروبي. مضيفاً أن تنفيذ مشروع "إيست ميد" ربما يكون هو السبب وراء استمرار الإمارات في لعب دور كبير في التوترات الموجودة في شرق المتوسط، معتبراً أن إسرائيل والإمارات، تحاولان القضاء بالكامل على نفوذ تركيا في المنطقة".
الاستثمارات المالية والتبادل التجاري
- الإمارات: تقول وكالة بومبيرغ الأمريكية إن المستثمرين ورجال الأعمال في كلا البلدين يتجهزون الآن لـ"مغانم اقتصادية لا تعوض"، وبموجب قانون اتحادي جديد أصدرته الإمارات الإثنين الماضي يلغي قانون تجريم التطبيع الذي كان معمولاً به منذ 48 عاماً في البلاد، سيسمح بعقد اتفاقيات تجارية أو مالية وغيرها مع هيئات أو أفراد إسرائيليين، وكذلك بدخول وتبادل البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية بكافة أنواعها في الدولة والاتجار بها.
ويمكن في أعقاب إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل للأفراد والشركات في الدولة عقد اتفاقيات مع هيئات أو أفراد مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما كانوا، وذلك على الصعيد التجاري أو العمليات المالية أو أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته.
وبالفعل، شرعت في الـ 28 من آب/أغسطس 2020، البنوك الكبرى في دبي وإسرائيل في محادثات للتعاون بينها في أعقاب اتفاق التطبيع الذي توصل له الطرفان، وبحسب مصادر وكالة "بلومبيرغ" فإن المناقشات بين بنك "لئومي" Bank Leumi الإسرائيلي وبنك الإمارات دبي الوطني (NBD) لا تزال في مرحلة مبكرة، ولم تنتقل المحادثات بعد إلى اتخاذ أي قرارات نهائية، لكن شموليك أربيل، رئيس قطاع الشركات والمؤسسات المالية في بنك "لئومي"، قال للوكالة الأمريكية الخميس 27 أغسطس/آب، إن بنك "لئومي" الذي يتخذ من تل أبيب مقراً له، يخوض محادثات مع "أحد البنوك الكبرى في دبي"، وإن لم يحدد اسمه، فيما امتنع بنك لئومي وبنك الإمارات الوطني عن التعليق على الموضوع.
- إسرائيل: بالنسبة لتل أبيب، فإن اتفاق التطبيع سيكون بمثابة رافعة لاقتصاد إسرائيل، إذ يحفز الاتفاق الشركات ورجال الأعمال الإسرائيليين للعمل مع الدولة النفطية وكسب الكثير منها. ووفقاً لإحصائيات اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية، هناك حوالي 300 شركة إسرائيلية تعمل وتنشط في الإمارات، لكن معظمها من خلال فروع دولية، وعليه فإن اتفاقية التطبيع ستكسر القيود وستذلل الصعوبات خاصة للشركات الإسرائيلية الصغيرة والمتوسطة التي وجدت خلال فترة التبادل التجاري الخفي صعوبات بالتعاون مع الشركات الإماراتية.
ووفقاً للمنظور الإسرائيلي فإن باب التطبيع سيفتح إمكانيات جديدة مع الإمارات التي لم تعد مجرد إمارة نفطية مهملة، فهي عاصمة المال والأعمال الاقتصادية لمنطقة الخليج بأكملها وواحدة من أكثرها تقدماً في العالم. ويقول رئيس مديرية قطاع التجارة والصناعة الإسرائيلي، دوبي أميتاي، لصحيفة يديعوت أحرنوت الأسبوع الماضي، "إن وفداً من رجال الأعمال قد بدأ بالتحضيرات للسفر قريباً إلى الإمارات"، مشيراً إلى وجود "اهتمام منقطع النظير من قبل كبار رجال الأعمال اليهود للتبادل التجاري مع الإمارات"، الأمر الذي لم يكن معهوداً بالسابق، حيث اقتصر التعاون والتبادل التجاري على الصناعات الأمنية، والعسكرية، والسايبر، والتكنولوجيا، قامت بها شركات وجهات منحدرة بالأساس من المؤسسة الإسرائيلية. ويجزم رئيس مديرية قطاع التجارة والصناعة أن التطبيع سيفتح الأبواب للتجارة الحرة بين الإمارات وإسرائيل بمختلف المجالات والقطاعات، مؤكداً أن صناعة الألماس واحدة من المجالات ذات الإمكانات الكبيرة للأعمال التجارية مع الإمارات والخليج.