هل يفعلها ترامب ويفوز بفترة رئاسية ثانية بدعم “الأقلية الصاخبة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/30 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/30 الساعة 09:34 بتوقيت غرينتش
لم يصل ترامب قط لنسبة 50% من تأييد الناخبين حتى الآن / رويترز

بعد انتهاء المؤتمر العام للحزب الجمهوري وإعلان الرئيس دونالد ترامب مرشحاً رسمياً للحزب بالانتخابات الرئاسية الأشرس في التاريخ الأمريكي، وعلى الرغم من استمرار الأداء الضعيف لإدارته في ملفات كورونا والاقتصاد واحتجاجات السود، يبدو أن فرص فوزه بفترة ثانية شهدت ارتفاعاً، فهل تبقيه "الأقلية الصاخبة" في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى؟

استمرار الفشل في حرب الوباء

الملف الأول في الانتخابات الأمريكية المقررة 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل- أي خلال أقل من 9 أسابيع- هو المواجهة بين إدارة ترامب ووباء كورونا الذي أصاب أكثر من 6 ملايين أمريكي وقتل أكثر من 186 ألفاً. وفي هذا السياق، رفضت غالبية الولايات الإرشادات الجديدة لإدارة ترامب المتعلقة باختبارات الكشف عن مرض كوفيد-19.

واستمرت 33 ولاية على الأقل في التوصية بإجراء اختبارات للناس الذين خالطوا مرضى ولا تظهر عليهم أعراض المرض؛ مما دفع المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى نشر الإرشادات الأسبوع الماضي والتي قالت إن هذه الاختبارات ربما تكون غير ضرورية.

وأدت تلك الإرشادات إلى انتقادات غير عادية للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وذلك طبقاً لما قاله مسؤولون في وكالات الصحة بالولايات والتصريحات العامة التي راجعتها رويترز، ومن بين الولايات التي اختلفت مع الحكومة الاتحادية ولايات تكساس وأوكلاهوما وأريزونا ذات التوجهات المحافظة.

مظاهرات لأنصار ترامب ضد الإغلاق / رويترز

وقال خبراء الصحة العامة، إن ظهور شقاق بهذا الحجم مع المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قد يكون غير مسبوق ويُظهر عدم الثقة بإدارة ترامب واستجابتها للجائحة.

والقصة هنا هي أن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قالت يوم الإثنين 24 أغسطس/آب، إن من تعرضوا لـ"كوفيد-19″ ولا تظهر عليهم أعراض المرض "لا يحتاجون بالضرورة إجراء اختبار ما لم يكونوا من المعرَّضين للإصابة أو ممن يقدِّمون الرعاية الطبية أو أوصى مسؤولو الصحة بالولايات بأن يجروا اختباراً".

كانت المراكز توصي في السابق بإجراء اختبارات لكل من خالطوا عن قربٍ أشخاصاً ثبتت إصابتهم بـ"كوفيد-19″. وما زالت تلك السياسة تتبعها 40 ولاية على الأقل، وقالت بعض الولايات التي لم تغير سياستها، إنها تدرس إرشادات المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

وفي هذا السياق، قال أندرو كومو حاكم نيويورك وحاكما ولايتي نيوجيرسي وكونيكتيكت، في بيان لرفض الإرشادات الجديدة للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها: "هذا التحول بمقدار 180 درجة في إرشادات اختبارات الكشف عن كوفيد-19 أرعن ولا يعتمد على العلم وقد يلحق ضرراً بعيد المدى بسمعة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها".

ماذا يعني هذا؟

أثناء المؤتمر العام للحزب الجمهوري الأسبوع الماضي، ركز ترامب ومسؤولو حزبه على نجاح الإدارة في مواجهة فيروس كورونا، ورددوا الرسالة نفسها وهي أن الولايات المتحدة أكثر دول العالم إجراء للاختبارات، وأن ذلك هو سبب ارتفاع حالات الإصابة، وادعاء أن الوفيات بين الأمريكيين هي الأقل على مستوى العالم، على الرغم من أن ذلك غير صحيح.

وجاء ذلك رداً على الرسالة التي ركز عليها المؤتمر العام للحزب الديمقراطي- الأسبوع قبل الماضي- والذي أعلِنَ خلاله رسمياً ترشيح جو بايدن ونائبته كامالا هاريس في الانتخابات المقبلة؛ الديمقراطيون ركزوا على فشل إدارة ترامب في التعامل مع الوباء، وأكد بايدن أنه سيجعل ارتداء الكمامة إلزامياً على مستوى البلاد ضمن سلسلة أخرى من الإجراءات، واعداً بأنه سيعتمد على العلم والعلماء بصورة تامة في أي قرار يتخذه بشأن الوباء.

كامالا هاريس المرشحة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي المحتمل جو بايدن/ مواقع التواصل

ومن الطبيعي في موسم الانتخابات أن يركز كل فريق على إبراز نقاط قوته من جهة وتسليط الضوء على نقاط ضعف الفريق الآخر من جهة أخرى، ثم التحليل الدوري لآراء الناخبين وميولهم من خلال استطلاعات الرأي التي تمثل الأداة الأبرز في صياغة وتعديل كل حملة لرسالتها الانتخابية.

وبالتالي، فإن كورونا وتداعياته الاقتصادية وأيضاً الاحتجاجات ضد العنصرية والتمييز ضد السود والأقليات الأخرى، تمثل الأزمة الثلاثية التي يركز عليها بايدن والديمقراطيون لإظهار مدى الضرر الذي أوقعه ترامب بالأمريكيين نتيجة لسوء إدارته وفشله في القيام بمهمته الأساسية كرئيس للدولة.

وفي المقابل، يركز ترامب على عدة محاور، أبرزها الإلقاء باللوم على الصين فيما يخص وباء كورونا من ناحية، والهجوم الشخصي الشرس بعبارات شعبوية صاخبة تتفاعل معها قاعدته الانتخابية؛ ففي ملف الوباء يرفض ترامب إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي، معتبراً أن الضرر الناجم عنها على الاقتصاد وحياة المواطنين أكثر خطورة.

وفي ملف الاحتجاجات الشعبية ضد العنصرية، يرفع ترامب شعار حفظ النظام والقانون، ويتهم المحتجين بأنهم "غوغاء فوضويون غاضبون وإرهابيون يريدون تدمير البلاد"؛ وهو ما أدى إلى خروج البعض من داعميه حاملين السلاح لمواجهة المحتجين، ويبدو أن ذلك التوجه ترتفع وتيرته بصورة خطيرة كلما اقترب موعد التصويت في الانتخابات.

مواجهات مسلحة في الشوارع

وفي هذا السياق، لقي شخصٌ حتفه بالرصاص مع اندلاع اشتباكات بين محتجين من جماعات متنافسة في ساعة متأخرة من مساء السبت 29 أغسطس/آب، في مدينة بورتلاند التي تشهد مظاهرات متكررة لأشهر، تحولت للعنف أحياناً.

وقالت الشرطة في بيان، إن حادث القتل وأعمال العنف وقعا في وسط بورتلاند، وقال متحدث باسم شرطة بورتلاند في بيان عبر البريد الإلكتروني: "(الشرطة)… حددت موقع ضحية مصاب بجرح ناجم عن عيار ناري في الصدر. عاين الأطباء الضحية وأكدوا وفاته".

وذكرت الشرطة أنها لن تنشر حالياً معلومات عن المشتبه به، وردّاً على سؤال لـ"رويترز" عما إذا كان إطلاق النار مرتبطاً باشتباكات بين محتجين متنافسين في المنطقة نفسها، قال المتحدث: "من السابق لأوانه استخلاص مثل هذه النتائج في التحقيق".

وذكرت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"أوريجونيان"، أن مجموعة كبيرة من مؤيدي الرئيس دونالد ترامب توجهوا في قافلة عبر وسط بورتلاند، مع وصول مئات الشاحنات المحملة بأنصاره إلى المدينة؛ للمشاركة في تجمُّع هناك، ونقلت "نيويورك تايمز" عن شاهدين لم تحدد هويتهما، القول إن مجموعة صغيرة من الأشخاص دخلت في جدال مع آخرين في سيارة، وفتح أحدهم النار.

تصاعد العنف لفي الاحتجاجات الأمريكية / رويترز

وقالت الصحيفة إأن القتيل كان يرتدي قبعة تحمل شعار جماعة (باتريوت براير) اليمينية المتطرفة في بورتلاند والتي سبق أن اشتبكت مع المتظاهرين، وكانت شرطة بورتلاند قالت في وقت سابق على تويتر: "تجمُّع سياسي يتنقل في موكب بوسط بورتلاند.. وقعت بعض حالات العنف بين متظاهرين ومناوئين لهم".

الأقلية الأعلى صوتاً

ومع تبقِّي أقل من 9 أسابيع فقط على يوم التصويت، من اللافت أن ترامب في جميع استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها حتى الأحد 30 أغسطس/آب، لم يحصل قط على نسبة 50% في أي من تلك الاستطلاعات، بينما منافسه بايدن يحصل على تأييد 50% وأكثر، من الناخبين المشاركين في تلك الاستطلاعات.

وأهمية تلك النسبة تكمن في مصطلح "الأغلبية الصامتة" الذي يردده ترامب دائماً عند سؤاله عن نتائج استطلاعات الرأي؛ فترامب يصف تلك الاستطلاعات بأنها "أخبار مزيفة أو مفبركة"، ويعيد تأكيد رهانه على "الأغلبية الصامتة" التي يجزم بأنها تسانده، لكن شبكة CNN نشرت تحليلاً بعنوان "ترامب رئيس الأقلية الصاخبة وليس الأغلبية الصامتة"، فنَّد تلك المزاعم من خلال نتائج الانتخابات التي أتت بترامب إلى البيت الأبيض قبل أربعة أعوام ولم يحصل فيها على أغلبية أصوات الأمريكيين، إضافة إلى ما تشير إليه نتائج أكثر من 100 استطلاع رأي أجرتها مختلف الجهات والهيئات حتى اليوم.

وحتى أثناء وفي أعقاب المؤتمر العام للحزب الجمهوري، والذي يُفترض أن تصل فيه نسبة التأييد للمرشح ترامب ذروتها مع تسليط الأضواء على الانتخابات واقترابها من جهة ومع شحذ الناخبين الجمهوريين وبصفة خاصةٍ قاعدة ترامب الانتخابية من المسيحيين الإنجيليين البيض واليهود، لم تصل نسبة تأييد ساكن البيت الأبيض في أي من استطلاعات الرأي إلى 50% على الإطلاق.

وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو واضحاً أن ترامب يفتقد دعم الأغلبية بين الأمريكيين، لكن داعميه حتى وإن كانوا أقلية فإنهم يتمتعون بالصوت الأعلى، شأنهم شأن الرئيس الصاخب ذاته، والسؤال هنا: هل تنجح تلك الأقلية الصاخبة في منح ترامب الفوز بفترة رئاسية ثانية كما حدث قبل أربع سنوات؟ لا أحد يمكنه الجزم، بالطبع، لكن المؤكد أن تلك الانتخابات لن تُحسم بصورة سلسة.

تحميل المزيد