على الرغم من أن خطر وباء كورونا لا يزال قائماً، فإن موسم العودة للمدارس في المغرب قد تقرر أن يبدأ في الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول، واتخذت الحكومة قراراً بأن يكون "التعليم عن بعد"، مع توفير إمكانية الحضور لمن يرغب في ذلك، فما قصة العودة للمدارس في المغرب؟
ماذا يريد أولياء الأمور؟
يسود موسم العودة إلى المدارس والجامعات في المغرب ترقب كبير، خاصة بعد قرار وزارة التربية الوطنية (التعليم)، اعتماد "التعليم عن بعد" مع توفير تعليم حضوري للراغبين فيه، فالآباء أصبحوا مطالَبين باختيار صيغة التعليم التي تناسب أبناءهم، في وقت لم تعلن الوزارة بعدُ آليات تنفيذ القرار الجديد، علماً أن الموسم الدراسي سينطلق رسمياً في 7 سبتمبر/أيلول المقبل.
ويرى خبراء في مجال التعليم، أن قرار الوزارة "حل إرضائي" للآباء، لكنهم في الوقت نفسه شددوا على أن نظام "التعليم عن بعد" إذا لم يصحبه حجر صحي، فلا جدوى منه، فيما طالب آخرون بتأجيل العام الدراسي إلى مطلع 2021.
قرار التعليم عن بعد
في 22 أغسطس/آب الجاري، أعلنت وزارة التربية الوطنية المغربية، أنها قررت اعتماد "التعليم عن بعد" في الموسم الدراسي الجديد لجميع المراحل، بسبب أزمة كورونا، وقالت الوزارة، في بيان، إنها قررت "اعتماد التعليم عن بعد كصيغة تربوية في بداية الموسم الدراسي 2021/2020 الذي سينطلق في 7 سبتمبر/أيلول، بالنسبة لجميع الأسلاك والمستويات بكافة المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية ومدارس البعثات الأجنبية".
وأشارت إلى أنه "سيتم توفير تعليم حضوري للراغبين فيه، على أن يتم وضع آلية تُمكّن الأسر الراغبة في ذلك، من التعبير عن هذا الاختيار"، وأرجعت الوزارة القرار إلى "الوضعية الوبائية المقلقة التي تعيشها بلادنا حالياً، والتي تتسم بارتفاع كبير في عدد الحالات الإيجابية وفي عدد الأشخاص في وضعية حرجة وعدد الوفيات"، وسجَّل المغرب، حتى الأحد 30 أغسطس/آب، أكثر من 60 ألف إصابة بفيروس كورونا، بينها 1078 حالة وفاة.
وأوضح بيان الوزارة أنه يمكن في أي مرحلة من الموسم الدراسي، وفق تطور الأوضاع الوبائية، "تكييف الصيغة التربوية المعتمدة على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي، بتنسيق مع السلطات المحلية والصحية".
إضافة إلى ذلك، قررت الوزارة تأجيل امتحانات السنة الأولى بالبكالوريا للعام الدراسي الماضي، والتي كانت مقررةً يومي 4 و5 سبتمبر/أيلول 2020، إلى أجَل غير مسمى، وكانت الوزارة قد أجرت امتحانات السنة الثانية بالبكالوريا في يوليو/تموز الماضي، وألغت الامتحانات الخاصة بالمستويين السادس ابتدائي والتاسع إعدادي، فيما أجَّلت امتحانات السنة أولى بالبكالوريا إلى بداية سبتمبر/أيلول.
وتعليقاً على قرار الوزارة، دعا اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص، في 24 أغسطس/آب الجاري، الوزارة إلى "ضرورة تأجيل الدخول المدرسي، حتى مطلع يناير/كانون الثاني المقبل"، كما دعا الاتحاد إلى "تنظيم الدراسة حضورياً في فصلين دراسيين، ينتهيان خلال منتصف شهر يوليو/تموز 2021، مع جعل الفترة الفاصلة فرصة لإجراء الامتحانات المعلقة على كافة المستويات".
حل إرضائي
الخبير التربوي سعيد الشفاج اعتبر أن "قرار وزارة التربية الوطنية اعتماد صيغة التعليم عن بعد كقاعدة، وصيغة التعليم الحضوري برغبة الآباء، جاء كحلٍّ إرضائي استثنائي".
وقال الشفاج، لـ"الأناضول"، إن "الساحة التربوية بالمغرب تشهد منذ مارس/آذار الماضي، احتقاناً شديداً، بسبب ما تسببه بلاغات منتصف الليل (للدلالة على توقيت صدور البلاغات) لوزارة التربية الوطنية"، وأضاف أن "البلاغ الأخير كان يمزج بين فرض سلطة الوزارة أولاً، بعد رفضها سنةً بيضاء، أو تأجيل الدخول، وثانياً سعت إلى إشراك الآباء والأمهات وتحريك عجلة اقتصاد التعليم الخصوصي وعشرات دور النشر"، متابعاً: "بمعنى أن الوزارة أخذت بعين الاعتبار، الوضعية الاقتصادية الحرجة، بسبب تداعيات الوباء".
لكن سيبقى على عاتق الوزارة والدولة بشكل عام، تفعيل البروتوكول الصحي بشكل يتماشى مع منظومة التربية، التي تختلف بتاتاً عن القطاعات الأخرى، حسب الشفاج، موضحاً أن "اختلاف العرض التربوي بين الحضوري وعن بعد، سيصبح إشكالية يجب الانتباه إليها، خاصة في ظل التساؤل عما يمكن أن توفره المدرسة العمومية من وسائل وآليات".
وتابع: "ضعف المدرسة المغربية الآن ليس سوى سبب لسياسات حكومية سابقة، أوصلت التعليم إلى مراتب دونية، مقارنة مع دول مجاورة"، وشدد على أن "الرهان على الأسرة المغربية رهان خاسر، لأننا أهملنا تكوين هاته الأسرة، وتمتين علاقة الإنسان المغربي بالقيم الوطنية والدينية والكونية، وربط التعليم بالوعي الفكري والثقافي".
التعليم الحضوري بالتناوب
من جانبه، رأى رئيس مركز بحث للقيم والدراسات المعرفية (غير حكومي)، أحمد الرزاقي، أن "التعليم عن بعد إذا لم يصحبه حجر صحي فلا جدوى منه، لأنه سيشكل بؤراً وبائية غير محسوبة العواقب"، وأضاف الرزاقي، لـ"الأناضول"، أن "ضغوط التعليم عن بُعد النفسية والاجتماعية على التلاميذ والأسر ستكون مدعاة للإكثار من الاختلاط بين الناس، للترويح وتخفيف الضغوط على الأبناء".
كما سترفع، أيضاً، من "الإقبال على حصص الساعات الإضافية في غفلة من التدابير الصحية"، وفق الرزاقي، ولفت إلى أن "ما أسهم في نجاح التعليم عن بعد سابقاً، هو إلزامية الحجر الصحي، رغم ضعف مردودية هذا النوع من التعليم، وأعطابه التقنية والنفسية والاجتماعية الكثيرة".
وذهب إلى أن "التعليم الحضوري يمكن أن يكون أكثر احتياطاً من غيره، لأن الفضاء المدرسي يمكن التحكم فيه وضبطه، وتقليل العدوى فيه إلى حد كبير"، مشدداً على أن "التعليم الحضوري بالتناوب يمكن أن يكون الخيارَ الصائب، مع ضمان التباعد الجسدي".