ما أن انتهت الحرب على طرابلس حتى بدأت بعض الأزمات الخدمية التي تمس المواطن الليبي مباشرة تطفو على السطح، أبرزها انقطاع التيار الكهربائي على أحياء العاصمة طرابلس لساعات طويلة تصل إلى يوم كامل.
الأمر الذي دعا عدداً من النشطاء والمدونين إلى الدعوة إلى التظاهر والمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية وتوفير الكهرباء تحت حراك سُمي بحراك "23 أغسطس"، ما دفع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج للإعلان عن تعديلات وزارية استجابة لمطالب المحتجين.
تظاهر المئات من المواطنين بميدان الشهداء بطرابلس بسبب استشراء الفساد وسوء الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في الأحياء الآهلة بالسكان بالعاصمة، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على وصول المياه والحصول على الوقود الذي تأثر بإغلاق الحقول النفطية عن عدم توفر السيولة بالمصارف التجارية بالإضافة لغلاء الأسعار وارتفاع سعر الدولار في السوق الليبي.
داخلية الوفاق تدعم التظاهر
ورغم مشروعية المطالب واستجابة الحكومة لها، فإن وزارة الداخلية بحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، اتهمت من وصفتهم بـ"المندسين" بالقيام ببعض التجاوزات خلال التظاهرات، ومنها إطلاق النار بصورة عشوائية ما تسبب في إصابة أحد المواطنين.
وقالت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي: "إن الأجهزة الأمنية التابعة لها ضبطت بعض المندسين خلال التظاهرات التي شهدتها العاصمة طرابلس وحدثت فيها تجاوزات تخللها إطلاق النار نتجت عنه إصابة أحد المواطنين".
وأوضحت الداخلية أن بعض الخارجين على القانون ــ كما وصفتهم ــ حاولوا إثارة الفتنة بين المواطنين والأجهزة الأمنية المكلفة أصلاً بحمايتهم وليس الاعتداء عليهم، مؤكدة أن الإدارات الأمنية بالداخلية تمكنت من التعرف على المندسين وكشفت عدم انتمائهم لجهاز الشرطة، وفتحت تحقيقاً جنائياً حول الوقائع.
"قلَّة مندسة"
يبدو أن البعض حاول استغلال هذه المظاهرات وصرفها عن مضمونها، خاصة بالعاصمة طرابلس، فقد اتُهمَت قناة ليبيا الحدث المملوكة لأحد أبناء حفتر قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية بإطلاق النار على المتظاهرين بسلاح مضاد للطائرات وأن المتظاهرين في طرابلس أعلنوا عصياناً عاماً حتى سقوط المجلس الرئاسي.
وذكر شهود عيان لـ "عربي بوست" خلال المظاهرة أن مجموعات من المتظاهرين رفعوا عدداً من اللافتات تطالب بوقف التدخل التركي وإسقاط المجلس الرئاسي والاعتداء على قوات الأمن التي تحمي المظاهرة، كما أتلفوا الممتلكات العامة.
فيما قام متظاهرون آخرون بتصعيد الاحتجاجات ومحاصرة منزل رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، بمنطقة النوفليين في العاصمة، الأمر الذي وصفته وزارة الداخلية بحكومة الوفاق بالجريمة التي يعاقب عليها القانون.
كما نشرت وزارة الداخلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً لبعض من وصفتهم بـ"المندسين" يحوي مكالمة هاتفية بين نشطاء ومسؤولين في المنطقة الشرقية وبعض الخلايا المندسة بين المتظاهرين بحسب الجهات الأمنية المسؤولة، وأظهرت المكالمة تلقى مسؤول الخلايا المندسة بالمظاهرات تعليمات من بعض الأشخاص في المنطقة الشرقية بكيفية توجيه المظاهرة والشعارات التي يريدون ترديدها.
تعديلات وزارية
استجابةً لمطالب المحتجين المشروعة قال رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق فائز السراج في مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي 25 أغسطس/آب 2020 "إن تعديلات وزارية للوزارات الخدمية سيتم إجراؤها استجابة لإرادة الشعب"، مضيفاً أن "اختيار الوزراء الجدد سيتم وفق مبدأ الكفاءة وبعيداً عن المحاصصة".
وأضاف السراج أن التعبير الحر من قِبل الشعب حق ومن سمات الدولة المدنية، مشيراً إلى أن المتظاهرين الذين تظاهروا مؤخراً لم يستكملوا الحصول على أذونات التظاهر.
وقال السراج خلال كلمة له إن هناك مجموعات اندست بين المتظاهرين بينهم مسلحون أضروا بالممتلكات العامة، مضيفاً أن حكومة الوفاق لن تتهاون مع من يحاولون تخريب الممتلكات الخاصة والعامة، مبيناً أن هناك أزمات والحكومة تعمل على حلها نظراً لوجود تراكمات وهي ليست وليدة اللحظة.
وتابع السراج قائلاً: "مستعدون لتنفيذ أي اتفاق يتوصل إليه الليبيون سواء بتقليص المجلس الرئاسي أو بتغييره"، مضيفاً أن الوضع الحالي للرئاسي يحولُ دون تشكيل حكومة جديدة وإجراء أي تعديل بسبب رغبات البعض في الحصول على مناصب معينة، منوهاً بأن المال الفاسد المحلي والخارجي يلعب دوراً في خلق الأزمات.
وأشار السراج إلى أنه قد يضطر بصفته رئيس المجلس للجوء إلى قرار الطوارئ وتشكيل حكومة أزمة، مضيفاً أن التفاوض مع من تلطخت أيديهم بدماء الليبيين ودمروا بيوتهم تجاوزه الزمن وبات من الماضي.
وطالب السراج المصرف المركزي بحل مشاكل السيولة وتوفيرها في كافة أنحاء ليبيا ومعالجة سعر الصرف ومحاربة السوق الموازي، مؤكداً أن استمرار إغلاق النفط سيؤدي إلى أزمات اقتصادية قد نعجز معها عن دفع رواتب الموظفين في كل ليبيا، منوها بأن ميليشيات حفتر هي من أغلقت النفط وتمنع الليبيين من مصدر القوت الوحيد.
ودعا السراج المؤسسة القضائية ومكتب النائب العام لاتخاذ إجراءات حازمة وحاسمة مع كل موظف عام طالته اتهامات بالفساد.
وفيما يخص ملف الكهرباء صرح السراج بأن هناك أيادي سوداء في شركة الكهرباء لا تلتزم بالتعليمات.
إطلاق المتظاهرين غير المتورطين
أكد رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بعد السيطرة على أعمال الشغب أنه نسق مع مكتب النائب العام للإطلاق الفوري لسراح كل من لم يتورط في أعمال تخريب للممتلكات العامة والخاصة.
وأعلن الرئاسي في بيان له اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق في أي تجاوزات وقعت ضد المتظاهرين وأي إصابات نتجت عن ذلك.
كما أعلن المجلس الرئاسي اتخاذه قراراً لتشكيل غرفة لحفظ الأمن والاستقرار في العاصمة والمدن الأخرى والتنسيق بين الوحدات الأمنية والعسكرية المختلفة.
وبحث الرئاسي الوضع الراهن والإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها فوراً من قبل مؤسسات الدولة المختلفة لمواجهة تداعياته.
مباحثات أمنية
ناقش رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، الأربعاء 26 أغسطس/آب 2020، أحداث التظاهرات الرافضة للفساد وتردي الخدمات في طرابلس، وذلك خلال اجتماع أمني مع رئيس جهاز المخابرات العامة ومسؤولين أمنيين وعسكريين.
وقالت حكومة الوفاق في بيان: "إن الاجتماع تناول أحداث الشغب التي وقعت في العاصمة طرابلس وضرورة معرفة كافة أبعادها، وتنفيذ إجراءات ضبط الأمن وتأمين سلامة المواطنين".
وتناول المجتمعون الأوضاع الأمنية في كافة المناطق، إضافة إلى تداعيات انتشار جائحة كورونا، الذي انتشر بشكل واسع، وأكدوا ضرورة تنفيذ توصيات اللجان الطبية المتخصصة بشكل صارم، والإجراءات التنفيذية العلاجية والوقائية والاحترازية التي أُقرت.
كما شدد اللقاء على ضرورة التزام جميع المواطنين والمقيمين بالسلوكيات والإجراءات الوقائية التي حددتها الأجهزة الطبية والأمنية.
حظر كامل بسبب كورونا
وعقب الاجتماع الأمني قرر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فرض حظر تجول كامل لأربعة أيام بدأت من الساعة السادسة من مساء أمس الأول الأربعاء 26 أغسطس 2020، يتبعه حظر لمدة عشرة أيام من الساعة التاسعة مساء إلى الساعة السادسة من صباح اليوم الذي يليه، على أن يكون الحظر كاملاً، 24 ساعة، خلال يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وفق قراره رقم "559" لسنة 2020.
ونص قرار المجلس الرئاسي على أن يستمر حظر التجمعات والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية، واستعمال وسائل النقل الجماعي، بالإضافة إلى إغلاق الأسواق الكبرى، ضمن الإجراءات الخاصة بمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد.
ويستثني القرار من الحظر الكامل محال بيع المواد الغذائية الصغيرة مع التشديد الكامل على اتباع الإجراءات الاحترازية، وإلزام الجهات الضبطية بإقفال أي أنشطة تجارية تخالف التوصيات الصادرة عن الجهات المختصة لمواجهة جائحة فيروس كورونا.
ويسمح القرار لأصحاب المكاتب المهنية وأصحاب الحرف والنشاطات الاقتصادية الفردية بمواصلة أعمالها بعد انتهاء الحظر الكامل، مع تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي والإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة جائحة فيروس كورونا.
كما نص القرار على استمرار العمل الإداري في الجهات العامة للدولة بنسبة 30% من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة الثانية ظهراً، مع ضرورة وضع التدابير اللازمة لمنع التجمعات بكل مظاهرها.
وطالب المجلس الرئاسي في القرار الجهات المعنية بتفعيل دور مأموري الضبط القضائي والجهات الأمنية ذات العلاقة في تطبيق الحظر، مع اتخاذ كل الإجراءات الإدارية الحازمة والقانونية ضد المخالفين.
طرابلس الأعلى تسجيلاً بإصابات فيروس كورونا
أعلن مركز مكافحة الأمراض تسجيل 553 إصابة جديدة الثلاثاء الماضي 25 أغسطس 2020، في ثاني أعلى إحصائية يومية منذ بدء انتشار الوباء في البلاد.
وأوضح المركز تسجيل 7 حالات وفاة لمصابين بالفيروس، و40 حالة تعافٍ في ارتفاع ملحوظ للمتماثلين للشفاء.
وتصدرت طرابلس قائمة الإصابات بتسجيلها 301 إصابة تليها مصراته بـ36 إصابة وغريان 3 وبني وليد واحدة والخمس 21 والزاوية 7.
ووصل إجمالي الإصابات في عموم ليبيا 11 ألفاً 834، بينها أكثر من عشرة آلاف إصابة نشطة، وتعافي 1152 مصابًا، ووفاة 210 مصابين بالفيروس المستجد.
حفتر مع حكومته في الشرق
ظهر حفتر أمس يترأس اجتماعاً يضم رئيس حكومته المؤقتة غير المعترف بها دولياً، عبدالله الثني وبعض أفراد حكومته في مشهد يعكس مدى تسلط العسكر في المنطقة الشرقية وممارسة صلاحيات مطلقة على السلطات المدنية.
يأتي ذلك وسط غليان وتململ الشارع في المنطقة الشرقية، حيث خرجت مظاهرات في منطقة القبة منددة بالوضع المعيشي وسوء الخدمات وانقطاع الكهرباء المستمر، والذي تفاقمت أزمته عقب إغلاق حفتر للنفط، ما أدى إلى توقف مد محطات شمال بنغازي والزويتية بالوقود.
بالإضافة إلى شح السيولة بعد توقف إيرادات النفط التي وصلت خسائر إيقافه أكثر من 8 مليارات دولار حتى الآن.
حتى في أزمة كورونا وضع "حفتر" الناظوري على رأس لجنة مكافحة جائحة كورونا، وصرف لها أكثر من 300 مليون دينار وسط تفش كبير للفيروس، فخرج الناظوري يهدد الأطباء ويخون من يتحدث عن الوضع الوبائي في المنطقة.
وتبقى مطالب الشعب الخدمية التي يحتاجها في حياته اليومية وحقه في التعبير عنها رهينة الفاسدين المستفيدين من أزمات الحروب والصراعات السياسية والمراهقين الطامحين للسلطة والعسكر المتعطش للدماء، ما يجعل التكهن بمصير المواطنين مرهوناً بتوافق سياسي يكفل توفير كل ذلك.