ليس حباً في المسلمين بل كرهاً في الصين.. لماذا وصف بايدن قمع الإيغور بـ”الإبادة الجماعية”؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/26 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/26 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
الإيغور المسلمين/مواقع التواصل

يتعرض مسلمو الإيغور في الصين لانتهاكات صارخة يصفها البعض بأنها "إبادة جماعية" منذ عقود طويلة وبصفة خاصة عقب أحداث سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية في أمريكا، لكن الأشهر القليلة الماضية شهدت اهتماماً غير مسبوق من إدارة الرئيس دونالد ترامب بالإيغور لدرجة التفكير الآن في إصدار تشريع يصف ما يتعرضون له بالإبادة الجماعية، وهو الوصف الذي استخدمته حملة جو بايدن بالفعل، فهل القصة تتعلق بحقوق الإنسان أم بالانتخابات؟

ما علاقة "الإبادة الجماعية" بحق الإيغور بالانتخابات؟

أصدرت حملة المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية جو بايدن المقرر لها 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بياناً الثلاثاء 25 أغسطس/آب قالت فيه إن قمع الحكومة الصينية للإيغور المسلمين والأقليات العرقية الأخرى في إقليم شينجيانغ هو "إبادة جماعية" وإن بايدن "يعارض ذلك بشكل قوي للغاية".

جو بايدن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى في بكين عام 2013 (رويترز)

والقصة هنا هي أن "الإبادة الجماعية" جريمة خطيرة بموجب القانون الدولي ولم تستخدم الإدارات الأمريكية توصيفاً كهذا إلا في حالات نادرة وبعد توثيق مستفيض وممتد، بحسب موقع axios الأمريكي، وقد رفضت الصين بشدة ارتكابها أية انتهاكات لحقوق الإنسان في تشينجيانغ على الرغم من كشف تقارير ومستندات وشهادات من صحفيين ومنظمات أهلية ومعتقلين سابقين عن ممارسات قمعية متعددة ومتنوعة وممتدة بحق الإيغور.

وتشمل تلك الانتهاكات الموثقة مراقبةً شاملةً للإيغور واحتجازات قسرية وبرامج غسيل مخ وتعذيب وعقم إجباري للنساء، وكلها ممارسات وصفها بعض الخبراء بأنها "تطهير عرقي وإبادة جماعية"، لكن الكشف عن تلك الانتهاكات ليس جديداً، فما السر وراء بيان حملة بايدن إذن؟

جاءت التصريحات من جانب حملة بايدن كردٍّ على تقرير نشرته مجلة Politico قبل يومين نقلاً عن مصادر لم تسمّها داخل الإدارة الحالية قالت إن الرئيس دونالد ترامب يدرس إصدار قرار رسمي يصف ممارسات الصين بحق الإيغور بأنها "إبادة جماعية".

وكان ترامب نفسه قد قال لموقع axios في مقابلة في يونيو/حزيران الماضي إنه تراجع عن فرض عقوبات بحق مسؤولين صينيين متورطين في الاعتقال الجماعي لملايين الإيغور حتى لا يؤثر قراره على محادثات اتفاق التجارة بين بكين وواشنطن والتي كانت مستمرة وقتها، أواخر العام الماضي.

جون بولتون مستشار ترامب السابق للأمن القومي/ رويترز

لكن مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون كان قد ذكر في كتابه الذي أثار ضجة كبيرة أن ترامب شجع نظيره الصيني شي جينبينغ في يونيو/حزيران 2019 على المضي قدماً في بناء معسكرات اعتقال الإيغور، وكان ذلك قصة أثارت كثيراً من الجدل وتناولتها وسائل الإعلام الأمريكية بكثافة تحت عناوين منتقدة لما يتعرض له الإيغور ودور ترامب في ذلك، لكن ترامب نفى كلام بولتون.

الصين في قلب المعركة السياسية

المؤكد أن انتهاكات الصين بحق الإيغور حقيقة ثابتة، بغض النظر عما إذا كان التوصيف إبادة جماعية أو تطهيراً عرقياً من الناحية القانونية، وبكين نفسها لم تنكر وجود معسكرات الإيغور وإن كانت تسميها "إعادة تأهيل"، لكن المستندات التي تم تسريبها في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي ألقت الضوء على بشاعة تلك الممارسات بصورة أثارت انتقادات المجتمع الدولي بأسره.

معسكرات اعتقال الإيغور تسميها الصين "إعادة تأهيل"

والمؤكد أيضاً أن الصين كقوة عالمية تتمتع بحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي تواصل ممارساتها القمعية بحق الإيغور دون قلق كبير من أي رد فعل دولي أو إقليمي، بل إن بعض الدول الإسلامية الكبرى تتولى بنفسها الدفاع عن الصين في مواجهة الانتقادات الغربية في هذا الملف، وجاء ذلك في صورة خطاب موجه إلى الأمم المتحدة في يوليو/تموز من العام الماضي 2019 كانت السعودية من بين الموقعين عليه.

أما الموقف الأمريكي من الانتهاكات بحق الإيغور فهو يصفه كثير من المراقبين والمحللين بأنه مثال صارخ على الانتهازية السياسية ولا علاقة له بقضية حقوق الإنسان من الأساس، وكلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية أصبحت تلك النقطة أكثر وضوحاً.

فالعلاقة بين الولايات المتحدة والصين يسودها الشد والجذب في السنوات الأخيرة بصورة لافتة، خصوصاً أن بكين أصبحت الآن القوة الأبرز على الساحة الدولية التي تمثل تهديداً مباشراً للهيمنة الأمريكية على العالم، ومنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل نحو أربع سنوات، أصبح الشد والجذب بين الطرفين أكثر وضوحاً وحدةً.

ومع ظهور فيروس كورونا في الصين وتحوله إلى وباء عالمي أصاب أكثر من 24 مليون شخص حتى الآن وأودى بحياة أكثر من 824 ألفاً، نصيب الولايات المتحدة منها الأكبر عالمياً، دخلت الصين على خط الانتخابات الأمريكية بصورة مباشرة في ظل كون كورونا هو الملف الأبرز في تلك الانتخابات، وبدأ كل من ترامب وبايدن في محاولة الظهور أمام الناخبين الأمريكيين بصورة الأكثر شراسة في مواجهة الصين والتصدي لها.

فترامب من ناحيته يتهم الإدارة السابقة التي كان يرأسها باراك أوباما وكان بايدن نائباً له بأنها "تساهلت" مع الصين وتركت لها المجال كي تنمو اقتصادياً على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما جعل بكين في وضع أقوى من واشنطن، ويرجع لنفسه الفضل في أنه من تصدَّى للصين ووضع مصالح أمريكا أولاً.

ترامب وشي بينغ /رويترز

أما بايدن فيريد أن يثبت أن ترامب هو مَن تساهل مع الصين، والدليل هو أن إدارته لم تتخذ الإجراءات المناسبة لردع الانتهاكات الصينية بحق الأقليات، وعلى رأسها الإيغور، وفي هذا السياق برزت قضية الإيغور وصدر بالفعل تشريع عن الكونغرس قبل أسابيع يفتح المجال أمام فرض عقوبات بحق مسؤولين صينيين بسبب قمع الإيغور، وفي إطار المزايدات الانتخابية بين الطرفين، وصلت الأمور إلى استعمال توصيف "إبادة جماعية"، تلميحاً من جانب حملة الرئيس وتصريحاً من جانب حملة بايدن، وفي هذا السياق يصعب تصديق أن الإيغور الذين يتعرضون لكل أشكل القمع والاضطهاد على مدار عقدين من الزمان على الأقل قد أصبحوا فجأة على رأس أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.

تحميل المزيد