يواصل كورونا تفشيه حول العالم بصورة متزايدة، وسط تصريحات متضاربة بشأن كل ما يتعلق به سواء من ناحية اللقاح أو المدة الزمنية المتوقع أن يستغرقها وجوده بين البشر، لكن يبدو أن معدلات الوفاة آخذة في الانخفاض، فهل هذا صحيح، وهل يعني أن الفيروس لم يعد فتاكاً كما بدأ أم أن هناك أسباباً أخرى؟
ارتفاع الإصابات عالمياً
الإثنين 24 أغسطس/آب، تخطت حالات الإصابة بفيروس كورونا عالمياً 23 مليوناً و636 ألفاً، بعد أن واصل المتوسط اليومي لحالات الإصابة المسجلة حاجز ربع المليون، بينما تخطت حالات الوفاة المسجلة أكثر من 813 ألفاً، بحسب موقع وورلدميترز المتخصص في رصد كورونا حول العالم.
ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس الذي لم تنجح سوى إجراءات الإغلاق التام في تراجع مستوى تفشيه، يأتي في وقت تتضارب فيه تصريحات المسؤولين عن الصحة حول العالم؛ فقبل أيام قليلة قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية غيبراسيوس أدهانوم، إن فيروس كورونا ربما يستمر معنا عامين، معتمداً على تقديرات مرتبطة بالإنفلونزا الإسبانية التي أصابت البشر قبل قرن من الزمان وقتلت أكثر من 50 مليون شخص.
لكن السير مارك والبورت، عضو اللجنة الاستشارية المعنية بالتعامل مع حالات الطوارئ في الحكومة البريطانية، أدلى بتصريح جاء صادماً لكثيرين، حين قال إن فيروس كورونا "سيبقى حاضراً معنا للأبد بشكل من الأشكال"، رداً على تصريحات أدهانوم.
وبرر والبورت تصريحاته بأن الكثافة السكانية والسفر يسهلان انتشار الفيروس، بالإضافة إلى أن عدد سكان العالم أكبر مما كان عليه عام 1918 بكثير، مضيفاً في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، أنه من أجل السيطرة على المرض ستكون هناك حاجة لتطعيم على مستوى العالم، لكن فيروس كورونا لن يكون مثل الجدري الذي أمكن القضاء عليه، بل هو يشبه الإنفلونزا، أي إن التطعيم يجب أن يكون دورياً.
ماذا وراء انخفاض الوفيات إذن؟
نشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً بعنوان: "لماذا تظل الوفيات بفيروس كورونا منخفضة رغم تصاعد أعداد المصابين بالفيروس؟"، ألقى الضوء على نسبة الوفيات بفيروس كورونا وما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا.
تشير معظم الإحصاءات إلى أنه على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في أنحاء كثيرة من أوروبا والولايات المتحدة، فإن أعداد الوفيات وحالات الإصابة الشديدة لا تزال منخفضة نسبياً. على سبيل المثال، انخفض عدد المرضى الذين يستخدمون أجهزة التنفس الصناعي من 3000 مريض خلال ذروة الجائحة في بريطانيا إلى نحو 70 مريضاً. وذلك رغم أنه في الوقت نفسه، بدأ عدد حالات الإصابة في الارتفاع بعديد من مناطق المملكة المتحدة.
الأطباء غير مُتيقِّنين بالضبط مما يحدث؛ فبعضهم يُرجع الأمرَ إلى أن التدخلات الطبية تكون أكثر نجاحاً في علاج أولئك الذين يعانون من مضاعفات المرض. على سبيل المثال، أظهر عقار ديكساميثازون مؤخراً، أنه يحسّن معدلات البقاء على قيد الحياة بين المرضى الذين يحتاجون إلى تنفس صناعي. ويذهب أطباء آخرون إلى أن ثمة عوامل مختلفة تتداخل للوصول إلى هذه النتيجة. وثمة رأي آخر يشير إلى أن فيروس كورونا أصبح الآن مرضاً يصيب الشباب، وهم أقل عرضة للوفاة أو المعاناة من مضاعفات خطيرة.
هل هذا يعني أن المرحلة الأسوأ من الجائحة قد انتهت؟
كلا، فثمة باحثون آخرون يشيرون هنا إلى الوضع الحالي في الولايات المتحدة، التي شهدت مؤخراً ارتفاعاً في حالات الإصابة بين أشخاص في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، إلا أن ذلك الارتفاع أعقبه على نحو متزامن، ارتفاعٌ في حالات الإصابة بين كبار السن الذين التقطوا العدوى من شباب محيطين بهم. ونتيجة لذلك، حدثت قفزة في أعداد الوفيات. ويحذّر بعض العلماء من أن نمطاً مشابهاً قد يحدث في أوروبا والمملكة المتحدة، ربما في غضون أسبوعين.
هل أصبح فيروس كورونا أقل فتكاً؟
هذه الفكرة يدعمها بعض العلماء، مستندين في ذلك إلى حقيقة أن معظم الفيروسات تميل إلى فقدان سماتها الأشد فتكاً، لأنها لا تكسب شيئاً من قتل مُضيفيها. ويقولون إن هذا قد يحدث مع فيروس كورونا. ومع ذلك، فإن باحثين آخرين يختلفون مع هذا الرأي، قائلين إن عملية كهذه من غير المرجح أن تحدث بهذه السرعة. وأحد الاقتراحات البديلة هو أن الجرعات المعدية من فيروس كورونا، والتي تنتقل من شخص إلى آخر مسببةً الإصابة، ربما بدأت تقل بفضل التباعد الاجتماعي. ومن ثم، سيكون من السهل على أجهزتنا المناعية التعامل مع الجرعات المنخفضة، وهكذا تنخفض معدلات الوفيات.
ومع ذلك، يُحذّر العلماء من أن هذه المسائل قد تظل في النهاية دون حل، وقد يتطلب الأمر عدة شهور أخرى، إن لم يكن سنوات من البحث، للوصول إلى حسم بشأنها.