يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يواجه موقفاً صعباً في الانتخابات الرئاسية قد وجد ضالته في حلفائه في الشرق الأوسط، كي يحقق إنجازاً في السياسة الخارجية، فبعد إعلانه عن اتفاق التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، ها هو وزير خارجيته ومستشاره الأبرز وصهره في زيارات متكررة للمنطقة، فما قصة التطبيع وعلاقته بالانتخابات الأمريكية؟
زيارات متكررة والهدف معلن
بعد أيام قليلة من الإعلان عن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي لتطبيع العلاقات، وهو الإعلان الذي صدر عن ترامب أولاً عبر حسابه الرسمي على تويتر، قال مصدران مطلعان لرويترز، إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو سيزور إسرائيل، الإثنين 24 أغسطس/آب، ثم يتوجه إلى الإمارات العربية المتحدة الثلاثاء لبحث اتفاق التطبيع بين البلدين.
كما قال مسؤول في الإدارة الأمريكية إنه من المتوقع أن يزور جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض وصهر ترامب، إسرائيل والإمارات في أوائل سبتمبر/أيلول، وقد يتوقف في دول أخرى أيضاً، مضيفاً أن المسؤول أن آفي بيركوفيتش، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، سيرافق كوشنر خلال الزيارة.
واليوم الأحد 23 أغسطس/آب، أفادت مصادر دبلوماسية مطلعة لموقع أكسيوس الأمريكي، أن زيارة كوشنر ستشمل عدداً من دول الخليج، بهدف تشجيعها على المضي قدماً على خطى الإمارات، وتوقيع اتفاقيات تطبيع مع تل أبيب، ونقل الموقع عن مصادره في تقرير حصري، أن وفداً رفيع المستوى سيرافق كوشنر في زيارته الموسّعة، التي ستكون تل أبيب أولى محطاتها في الأيام الأولى من سبتمبر/أيلول 2020، والوفد يضم إلى جانب بيركوفيتش مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، والمبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى إيران السابق براين هوك.
التقرير الحصري للموقع الإخباري أشار إلى أن كوشنر يسعى خلال محادثاته مع القادة في المنطقة إلى تشجيع مزيد من الدول العربية على السير على خطى الإمارات، والمضي قدماً في التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل، مؤكداً أن كوشنر والوفد الذي سيرافقه يعتزم زيارة السعودية والبحرين وسلطنة عمان، إلى جانب الإمارات، فيما لم يُشر إلى رغبته في زيارة دولتي قطر أو الكويت.
وأشار الموقع إلى أن ترامب يرغب في دفع دول أخرى إلى التطبيع سريعاً مع إسرائيل، والمشاركة في حفل توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل بواشنطن، في سبتمبر/أيلول، ولكن إن لم يستطع فإنه يريد على الأقل أن تشارك بعض هذه الدول بمندوبيها في هذا الحفل، من باب إظهار دعمهم للاتفاق وللتطبيع مستقبلاً.
السودان أيضاً محطة لبومبيو
زيارة بومبيو للمنطقة لن تقتصر على إسرائيل والإمارات، حيث قال مسؤول بالحكومة السودانية، اليوم الأحد، إنه سيزور الخرطوم خلال الأيام المقبلة، ورغم أن المسؤول السوداني، الذي اشترط على رويترز عدم الكشف عن هويته، أحجم عن تقديم تفاصيل عن زيارة بومبيو، فإن مسألة التطبيع السوداني ليست جديدة، حيث تم لقاء بالفعل بين رئيس الوزراء نتنياهو ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان قبل أشهر، كما تم فتح الأجواء السودانية أمام الطائرات الإسرائيلية بالفعل.
وهذا الأسبوع أعفى السودان الناطق باسم وزارة الخارجية من منصبه، بعدما وصف قرار الإمارات أن تصبح ثالث بلد عربي يطبع العلاقات مع إسرائيل بأنه "خطوة شجاعة وجريئة"، وهو ما يعني أن إعلاناً سودانياً عن تطبيع العلاقات مع تل أبيب قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل ربما لا يكون مرجحاً، بحسب مراقبين.
لكن السودان الساعي إلى تطبيع علاقاته بالولايات المتحدة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، في أبريل/نيسان 2019، ما زال يسعى لحذفه من قائمة الدول التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب، وهو من أهم أولويات المجلس الانتقالي الحاكم، الذي يضم عسكريين ومدنيين وحكومة التكنوقراط التي تعمل تحت سلطته، ومن الواضح أن واشنطن تربط ذلك بالتطبيع مع إسرائيل، وهو ما يعني أن كل شيء وارد في هذه المرحلة.
ما سر العجلة الأمريكية؟
هذه الخطوات المتسارعة تطرح تساؤلات بشأن سر العجلة الأمريكية لإعلان مزيد من الدول العربية تطبيعاً رسمياً مع إسرائيل، خصوصاً أن الاتفاق الإماراتي، بإجماع المراقبين، لا يخدم قضية السلام في الشرق الأوسط، حيث رفضه الفلسطينيون شكلاً ومضموناً ووصفوه "بالخيانة"، لكن الواضح أن الأمر مرتبط أكثر بالمستقبل السياسي لترامب ولنتنياهو، وليس بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو إقرار السلام في الشرق الأوسط.
وقد نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريراً بعد أيام من الإعلان عن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي، بعنوان "اتفاق الإمارات وإسرائيل يساعد نتنياهو وترامب، لكنه لا يساعد السلام"، ألقى الضوء على الأسباب السياسية الخاصة التي جعلت الرئيس الأمريكي يلقي بتلك القنبلة غير المتوقعة في هذا التوقيت.
وتحدثت الصحيفة عن كيف يمكن أن يكون لذلك الاتفاق تأثير ضخم على فرص ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة، والأمر نفسه ينطبق على نتنياهو، الذي قد يواجه انتخابات عامة في أي وقت، في ظل هشاشة التحالف الحكومي الحالي بينه وبين حزب أزرق أبيض بزعامة بيني غانتس.
ومن الواضح أن ترامب يأمل في أن يكون التوقيع الرسمي للاتفاق بين أبوظبي وتل أبيب في البيت الأبيض حدثاً ضخماً يفوق توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، قبل أكثر من أربعة عقود، سعياً للحصول على المزيد من الدعم الانتخابي من اليهود والمسيحيين الإنجيليين الذين يمثلون قاعدته الانتخابية بالفعل.
وهذا المعنى ظهر بالفعل في تغطية الإعلان عن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي، حيث نشرت مجلة تايم تقريراً بعنوان "هل ينجح اتفاق الشرق الأوسط التاريخي في تقديم الدعم الكافي لترامب من الناخبين اليهود والمسيحيين؟"، ركّز على محاولات ترامب أن يظهر كأكثر رئيس أمريكي داعم لإسرائيل في التاريخ، مستغلاً علاقاته مع حلفائه من القادة العرب، خصوصا محمد بن زايد ومحمد بن سلمان وعبدالفتاح السيسي، وهو ما يطرح السؤال بشأن إذا ما كان حلفاء ترامب من القادة العرب يمكنهم مساعدته بالفعل على الفوز بفترة رئاسية ثانية رغم صعوبة موقفه حالياً، حسب استطلاعات الرأي التي تُظهر تفوقاً واضحاً لمنافسه الديمقراطي جو بايدن؟