يقول القرآن الكريم إن فرعون مصر راوده حلمان: يرى في أحدهما سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجاف، وحلمٌ آخر يرى فيه سبع سنبلات خضر يأكلهن سبعٌ يابسات، يلخص هذان الحلمان تأثير تقلبات المناخ على النيل وهي التقلبات التي تهدد مصر والسودان بكارثة خلال فترة ملء سد النهضة.
حين عجز فرعون ومستشاروه عن تفسير الحلم، استدعوا السجين يوسف الذي فسَّر الحلم بأن مصر ستشهد "سبع سنين من الخير الوافر"، تليها "سبع سنين من المجاعة"، وأن على الحكومة "تخزين الطعام خلال سنوات الخير المقبلة"، والاحتفاظ به من أجل المجاعة المنتظرة.
وتُروى القصة عادةً على أنها بيئيةٌ في رمزيتها حول أهمية الاستعداد لتغيّر المناخ، كما أنها تذكيرٌ لأولئك الذين تعتمد حيواتهم على النيل، بأن فترات الجفاف الطويلة لطالما كانت أمراً حتمياً ومتوقّعاً. وهذا الوعي الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت، هو ما يجعل سد النهضة الإثيوبي الضخم الجديد مثيراً للجدل، حسبما ورد في تقرير لمجلة Slate الأمريكية.
إذ تسبّب السد في تأليب الدول التي تتشارك نهر النيل بعضها ضد بعض، في نزاع حول هوية من سيكون له الحق في النهر خلال السنوات المقبلة، سواءً كانت من السنوات السمان أو العجاف.
سد النهضة يزيد من تأثير تقلبات المناخ على النيل
ويزيد تغيّر المناخ من أرجحية تعطّل الدورات المألوفة لتلك السنوات قريباً. وأدى هذا العجز عن التنبُّؤ إلى زيادة مخاطر اندلاع صراعٍ سيُعدُّ مثالاً على توترات المياه الأخرى خلال السنوات المقبلة في جميع أنحاء العالم.
وبالنسبة لإثيوبيا، فإن فوائد مشروع السد واضحة. إذ يفتقر 70% من الإثيوبيين حالياً إلى الكهرباء. كما يُمثّل بياناً كبيراً من قوةٍ اقتصادية صاعدة، إلى جانب توفيره دفعةً سياسية لحكومة رئيس الوزراء الحائز جائزة نوبل للسلام آبي أحمد، في وقتٍ تتصاعد فيه الاضطرابات ببلاده.
لكن مصر ترى في السد تهديداً وجودياً مُحتملاً يُهدّد إمدادات المياه لسكانها البالغ عددهم 98 مليون نسمة. إذ لوَّحت مصر بالتدخّل العسكري لمنع بناء السد. وفي حين تبدو الحرب مستبعدةً الآن بعد إتمام أكثر من 70% من السد؛ لكن قادة مصر يضغطون الآن من أجل تأكيدات بالحفاظ على إمدادات المياه لبلادهم. بينما كان السودان، البلد المعنيّ الثالث، أكثر دعماً لبناء السد؛ إذ بإمكان المشروع التقليل من فيضانات النيل الأزرق، ومنح البلاد إمكانية الوصول إلى الطاقة الكهرومائية. لكن السودان بحاجةٍ إلى ضمانات بشأن قضايا السلامة.
ونظرياً، لا داعي للقلق لدى دول المصب في حال سارت الأمور على ما يرام، لأن إثيوبيا لن تُحوّل مجرى النهر من أجل الري، بل ستُخزِّن المياه فقط لتوليد الكهرباء. وسيستمر جريان المياه رغم ذلك. لكن الفترة المحفوفة بالمخاطر ستأتي خلال السنوات القليلة المقبلة، أثناء ملء السد.
ولكن حتى في حال ملء إثيوبيا للسد ببطء، فإن حدوث الجفاف الطبيعي أثناء ملء السد أو في السنوات الأولى من التشغيل، سيقلل وصول الماء إلى مصر.
ومن المحتمل أن تصير حالات الجفاف تلك أكثر شيوعاً، أو تستمر فترة أطول، بالتزامن مع اشتداد تغيّر المناخ. لذا تسعى مصر إلى الحصول على التزامٍ مُلزم من إثيوبيا بأنها ستسمح بتدفّق كميات محددة من المياه في اتجاه مجرى النهر. لكن إثيوبيا قاومت حتى الآن تقديم هذا الالتزام.
بينما يرى كينيث سترزيبيك، العالم والباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنها "ليست مشكلة مياه؛ بل مشكلة ثقة".
إذ كانت الثقة أمراً صعب المنال في الآونة الأخيرة، حيث انهارت المحادثات حول السد في فبراير/شباط، حين رفضت إثيوبيا التوقيع على بيانٍ صاغته الولايات المتحدة ووافقت عليه مصر، قائلةً إنه كان سيُلزمها بتجفيف السد إلى مستويات منخفضة بدرجةٍ غير مقبولة في حالة حدوث جفاف.
ارتفاع الحرارة مؤكد، ولكن هل ينخفض منسوب مياه النيل بسبب ذلك؟
وأثار هذا النزاع المخاوف بشأن "حرب مياهٍ" تختمر، لكن يبدو أن الجانبين ملتزمان بضبط النفس في الوقت الحالي. واستؤنِفَت المحادثات منذ ذلك الحين بوساطةٍ من الاتحاد الإفريقي ورئيسه الحالي جنوب إفريقيا، رغم تهديد مصر والسودان بالانسحاب. وتستعد الدول الثلاث الآن لتقديم مقترحات إدارة السد، في وقتٍ لاحق من الأسبوع الجاري.
ومع ذلك يجادل أشوك سوين، أستاذ جامعة أوبسالا بالسويد ورئيس منظمة اليونيسكو للتعاون الدولي في مجال المياه، بأن الدول المعنية ستتوصل إلى اتفاقٍ في النهاية على الأرجح رغم التوترات؛ نظراً إلى تكاليف الحرب المرتفعة، وأهمية النيل، وعدم امتلاكهم كثيراً من الخيارات الأخرى.
بينما قال سترزيبيك، عضو اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة، عن منطقة النيل: "نحن نعلم أن درجات الحرارة ترتفع، لكن التنبؤ بهطول الأمطار أصعب بكثير.
والنماذج متنوعةٌ للغاية. إذ يمكن أن نتعرض لفيضاناتٍ أعلى وموجات جفاف أقل. لذا فإن أي اتفاقٍ مستقبلي يجب أن يكون ديناميكياً وقابلاً للتحديث كلما عرفنا الجديد حول ما يحدث مع تغيّر المناخ".