زار قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، بغداد في زيارة سريعة ومفاجئة، قبل يوم واحد من زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، حاملاً بعض الرسائل الإيرانية.
والتقى الجنرال إسماعيل قاآني بالكاظمي في المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية بغداد، والتي شهدت بشكل شبه يومي إطلاق صواريخ الكاتيوشا، في الأيام القليلة الماضية، دون الإعلان عن أية إصابات.
خروج القوات الأمريكية
وبحسب مصدر مطلع على اللقاء من الجانب الإيراني، قال لـ"عربي بوست"، إن الجنرال قاآني اجتمع بالكاظمي واثنين من مستشاريه، وإن الاجتماع شهد حضور السفير الإيراني لدى بغداد، ايرج مسجدي، وهادي العامري رئيس منظمة بدر، إحدى الفصائل المسلحة داخل هيئة الحشد الشعبي العراقي.
ويقول المصدر لـ"عربي بوست": "جاء الجنرال قاآني لمناقشة بعض الأمور مع الكاظمي، قبيل زيارته إلى الولايات المتحدة، وليس لفرض أوامر، أو عقد مساومات، كما يقول البعض".
كانت من أهم الرسائل التي حملها الجنرال إسماعيل قاآني، للكاظمي، وبحسب المصادر التي تحدث إلى "عربي بوست"، مسألة خروج القوات الأمريكية من العراق، التي تعتبرها طهران أمراً حيوياً وهاماً، وانتقاماً لاغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني.
يقول المصدر من الجانب الإيراني لـ"عربي بوست": "نقل الجنرال قاآني رغبة الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، إلى الكاظمي، فيما يخص فترة خروج القوات الأمريكية من العراق، وتخفيضها من خمسة أعوام إلى عام واحد فقط".
وتعليقاً على الطلب الإيراني حول خروج القوات الأمريكية من العراق، يقول أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي ـ حضر هذا الاجتماع ـ لـ"عربي بوست": "إصرار إيران على خروج القوات الأمريكية من العراق، في فترة زمنية قصيرة، يثير حفيظة الكاظمي، خاصة بعد عودة ظهور داعش مرة أخرى".
وبحسب المصدر العراقي، فإن رد الكاظمي علي إسماعيل قاآني كان يركز على استيائه من إطلاق الصواريخ بشكل شبه مستمر على المنطقة الخضراء، من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق، مؤكداً لقاآني أن خروج القوات الأمريكية من البلاد مرهون بتوقف الهجمات على البعثات الدبلوماسية الأجنبية.
يقول المصدر المطلع على هذا الاجتماع، من الجانب الإيراني: "أكد الجنرال قاآني للكاظمي أنه لا داعي للقلق من أمر الصواريخ على المنطقة الخضراء، إذا حصل منه على وعد صريح بمناقشة الإدارة الأمريكية في خروج قواتها من العراق في غضون عام".
لكن وبحسب أحد مستشاري الكاظمي، فإن الأخير لم يعطِ قائد قوة القدس، إسماعيل قاآني، رداً حاسماً في هذا الأمر.
لم يوضح المصدر العراقي تفاصيل رد الكاظمي على الطلب الإيراني بشكل واضح، واكتفى بقول: "الأمر لا يكون بهذه السهولة، لن تغادر القوات الأمريكية العراق دون أن تضمن أمان بعثاتها الدبلوماسية، وعدم تعرضها لصواريخ الفصائل المسلحة الموالية لإيران".
تمديد إعفاءات الطاقة
كانت الرسالة الهامة الثانية التي حملها الجنرال إسماعيل قاآني لبغداد، هي تمديد إعفاءات الطاقة، التي منحتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعراق، ليتمكن من استيراد الكهرباء والغاز من طهران بالرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
تحاول الولايات المتحدة إبعاد العراق عن استيراد طاقته من إيران، وتنويع مصادر الطاقة، فقد أشرفت واشنطن على اتفاقية الربط الكهربائي بين بغداد والرياض، من أجل استكمال حصارها الاقتصادي على طهران، وإدماج العراق مع دول الخليج.
تخشى إيران من إتمام تلك الخطة الأمريكية، خاصة في ظل تدهور الاقتصاد، وتفشي جائحة فيروس كورونا، فبغداد كانت وما زالت لسنوات طويلة المتنفس الاقتصادي لطهران، لمواجهة العقوبات الأمريكية والدولية.
بحسب المصدر من الجانب الإيراني، المطلع على اجتماع قاآني بالكاظمي، فإن الجنرال الإيراني أوضح للكاظمي رغبة بلاده في طلب بغداد تمديد إعفاءات استيراد الطاقة.
يقول المصدر لـ"عربي بوست": "وعد الجنرال قاآني الكاظمي بتقديم طهران تسهيلات في طرق سداد بغداد، لمدفوعات الطاقة، إذا تم التوصل إلى حل يُرضي جميع الأطراف".
يقول أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي الذين حضروا الاجتماع لـ"عربي بوست": "يدرك الكاظمي أنه لا مفر من استيراد الكهرباء من إيران، على الأقل في الوقت الحالي، ويدرك أهمية الأمر للإيرانيين، أعتقد أن هذا الطلب سيكون مطروحاً في زيارة الكاظمي لواشنطن".
اجتماع الكاظمي مع الفصائل المسلحة
قبل زيارة الجنرال إسماعيل قاآني إلى بغداد، بيوم واحد، كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد اجتمع مع قادة الفصائل المسلحة الشيعية، بحضور رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، في منزل هادي العامري رئيس منظمة بدر.
يقول سياسي شيعي مقرب من المالكي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "طلب المالكي والعامري من الكاظمي ترتيب لقاء بقادة الفصائل المسلحة لعرض طلباتهم فيما يخص زيارته إلى واشنطن، والتأكيد على أهمية هذا الاجتماع، لخفض التوترات بين رئيس الوزراء والفصائل".
لكن، رفض قادة فصيل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله التي خاضت صراعاً مع الكاظمي في الأسابيع القليلة الماضية، حضور الاجتماع، بحسب قائد شبه عسكري، مطلع على الاجتماع، تحدث لـ"عربي بوست".
يقول القائد شبه العسكري: "كانت مطالب قادة المقاومة واضحة، خروج سريع للقوات الأجنبية جميعهاً من العراق، وعدم التفاوض مع واشنطن على سلاح المقاومة".
بعد اغتيال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس زعيم هيئة الحشد الشعبي، في غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار يناير/كانون الثاني الماضي، دعا رجل الدين الشيعي البارز والسياسي، مقتدى الصدر، إلى مظاهرات عارمة تطالب بخروج القوات الأمريكية من العراق.
كما دعا البرلمان العراقي إلى عقد جلسة طارئة لاتخاذ قرار بطرد القوات الأمريكية من البلاد، وسط رفض وعدم حضور لكلٍّ من المكون السني والكردي.
في اجتماعه مع قادة الفصائل المسلحة، طلب العامري من الكاظمي ضرورة الالتزام بقرار البرلمان العراقي، وتوضيح الأمر للأمريكيين، لسرعة جدولة خروجهم من العراق، وبحسب المصدر المطلع على الاجتماع، فقد حددت الفصائل المسلحة الشيعية العراقية، للكاظمي، خريطة لأهم القواعد العسكرية التي تستضيف القوات الأمريكية، لبدء الانسحاب منها.
يقول أحد قادة الفصائل المسلحة لـ"عربي بوست": "لن تحل الذكرى السنوية لاغتيال سليماني والمهندس إلا ويتم طرد جميع الأمريكان من العراق، هذا شرطنا الأهم الذي وضعناه للكاظمي".
كما أكد القائد شبه العسكري في حديثه لـ"عربي بوست" رفض الفصائل المسلحة لأي تفاوض بين الكاظمي والإدارة الأمريكية على سلاح الفصائل، قائلاً: "لن تترك المقاومة سلاحها، لا بقرار أمريكي ولا بقرار عراقي، الأمر غير مطروح للمناقشة، ولابد أن يعلم الجميع ذلك".
العراق ليس ساعي بريد
نقلت صحيفة العراق الإلكترونية تصريحاً للكاظمي قبل سويعات من سفره إلى واشنطن، رداً على زيارة قاآني إلى بغداد، وحمله رسائل إيرانية إلى واشنطن، قائلاً: "نحن لا نلعب دور ساعي البريد في العراق".
وأكد الكاظمي في تصريحاته، التي اعتقد البعض أنها تحدٍّ للفصائل المسلحة الشيعية في العراق، على عمل حكومته على محاسبة كل الجماعات التي ترتكب أعمالاً إجرامية، مؤكداً حماية البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء، والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق.
وبعد وصوله إلى واشنطن بوقت قصير، تعرضت قاعدة فيكتوريا التابعة للقوات الأمريكية بالقرب من مطار بغداد الدولي، إلى القصف بعدد من صواريخ الكاتيوشا، دون الإعلان عن خسائر في الأرواح.