زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، روسيا ثلاث مرات في الستة أشهر الأخيرة، كان آخرها في أواخر شهر يوليو/تموز من العام الجاري، وخلالها التقى نظيره الروسي، واجتمع بالرئيس فلاديمير بوتين، لتسليمه رسالة من الرئيس حسن روحاني.
وبحسب مصدر حكومي إيراني رفيع المستوى، أكد لـ"عربي بوست"، أن رسالة روحاني لبوتين، كانت تتناول الاتفاق طويل الأجل بين البلدين، على غرار الاتفاقية الإيرانية الصينية، التي أثار تسريب بعض من بنودها لوسائل الإعلام المختلفة، جدلاً في الآونة الأخيرة.
تجديد التعاون
فى عام 2001، زار الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي، موسكو، ووقع اتفاقية مبادئ تعاون بين البلدين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمدة 20 عاماً، على أن يتم تجديد الاتفاقية تلقائياً كل خمس سنوات، إذا لم يطلب أحد الطرفين إنهاءها.
ويقول المحلل السياسي والدبلوماسي الإيراني السابق، أبو الفضل خدائي لـ"عربي بوست"، "اتفاقية عام 2001، كانت عبارة عن بنود للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، ولم يتم الاهتمام بها بشكل جيد، بالرغم من تجديدها، لكن خلال زيارة جواد ظريف الأخيرة، ورسالة روحاني لبوتين، تمت إضافة العديد من البنود إلى الاتفاقية القديمة، لمناقشة التوقيع عليها والالتزام بها بشكل جدي".
يرى أبو الفضل، أن استراتيجية إدارة ترامب تجاه كل من إيران وروسيا والصين، دفعت الدول الثلاث إلى عقد اتفاقيات غير مسبوقة للحد من النفوذ الأمريكي في المنطقة.
وعلى الرغم من أن تاريخ الجمهورية الإسلامية في إيران، لم يشهد مطلقاً بناء تحالفات استراتيجية طويلة الأمد مع أي من القوى العظمى، إلا أن المستجدات الأخيرة، جعلت طهران تلجأ إلى عقد مثل هذه الصفقات.
التعاون النووي ومبيعات الأسلحة
يعد التعاون النووي، والأسلحة من أهم البنود التي سوف تتم مناقشتها لإقرار الاتفاقية الجديدة بين طهران وموسكو لعشرين عاماً، قابلة للتجديد تلقائياً لمدة 50 عاماً، بحسب أحد المصادر الحكومية الإيرانية، الذي تحدث لـ"عربي بوست".
ويقول المصدر الحكومي المطلع على بنود الإتفاقية الذي فضل عدم ذكر اسمه إنه "منذ سنوات طويلة، والتعاون بين طهران وموسكو في مجال الطاقة النووية قائم، لكن البلدين يدرسان في الاتفاقية الجديدة، زيادة التعاون النووي بينهما حيث ستعاود إيران استيراد اليورانيوم الطبيعي من روسيا، كما كان الأمر قبل الاتفاق النووي".
وبحسب المصدر الحكومي، فإن الاتفاقية بين روسيا وإيران، تشمل أيضاً، تطوير موسكو لأجهزة الطرد المركزي الإيرانية، وعلى وجه الخصوص في محطة نطنز النووية، التي تم تدمير جزء كبير منها في الانفجارات المجهولة التي شهدتها إيران في الآونة الأخيرة.
قبل الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الغربية، تعاونت إيران مع روسيا في تطوير محطة بوشهر النووية.
تأتي مناقشة الاتفاقية طويلة الأجل بين طهران وموسكو، في وقت فشلت فيه الولايات المتحدة في تمديد حظر الأسلحة عن إيران، والذي كان مفروضاً على الجمهورية الإيرانية من قبل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
ينتهي حظر الأسلحة المفروض على طهران، بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، ومن المتوقع أن تستطيع إيران شراء وبيع الأسلحة التقليدية من الحليفتين المقربتين، روسيا والصين.
ويضيف المسؤول الحكومي الإيراني: "تأمل طهران وفقاً لهذه الاتفاقية، وبعد رفع حظر الأسلحة، في شراء نظام إس 400 الدفاعي من روسيا، لتطوير النظام الدفاعي الإيراني، وهو ما سيتم التفاوض عليه خلال الأشهر القادمة".
كانت روسيا إحدى الدول التي عارضت الخطة الأمريكية التي كانت تهدف إلى تمديد حظر الأسلحة على طهران، وفقاً لما أكده السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي، في حديثه لـ"عربي بوست"، وقال: "إن إيران مهتمة وعازمة على شراء الأسلحة من روسيا، لتعزيز قدراتها الدفاعية".
التعاون العسكري
في أواخر العام الماضي، انضمت إيران إلى روسيا والصين في سلسلة غير مسبوقة من التدريبات البحرية في المحيط الهندي، في وقت كان تشهد فيه مياه الخليج توتراً متصاعداً بين إيران والولايات المتحدة.
تعمل طهران وموسكو على زيادة التعاون العسكري، والتدريبات المشتركة بين البلدين، في المستقبل القريب، وهذا ما تضمنته اتفاقية التعاون بينهما.
ويكشف المصدر الحكومي المطلع على بنود الاتفاقية لـ"عربي بوست" أن الرئيس روحاني ناقش مع نظيره الروسي في محادثة هاتفية قبيل زيارة ظريف الأخيرة إلى موسكو، هذا الأمر، وأكد عليه ذلك في رسالته إلى بوتين.
وأنه من المتوقع أن يسافر وزير الدفاع الإيراني إلى موسكو خلال الأيام المقبلة، لوضع اللمسات الأخيرة على بنود التعاون العسكري بين البلدين.
مستقبل سوريا
من ضمن البنود المهمة في الاتفاقية بين روسيا وإيران لمدة 20 عاماً، كانت القضية السورية، والتي شهدت خلافاً بجانب التعاون بين طهران وموسكو في كثير من الأحيان.
وتخشى إيران من التوصل إلى اتفاق بين روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة بشأن مستقبل سوريا، لذلك كان هناك تركيز كبير من الجانب الإيراني على هذه النقطة في بنود الاتفاقية الجديدة، حسبما أكدت المصادر الحكومية.
ويقول المحلل الاستراتيجي المقرب من الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل رحمي لـ"عربي بوست": "إيران تدعم وجود الأسد في أي مستقبل سياسي لسوريا، بينما تخشى من موقف روسيا تجاه ها الطرح، لذلك فإن هذه الاتفاقية يجب أن تؤكد على طمأنة إيران من هذه الناحية".
وبحسب المسؤول الحكومي، الذي تحدث إلى "عربي بوست"، فإن البنود التي تخص مستقبل سوريا في هذه الاتفاقية، مازالت محل النقاش بين المسؤولين الروس والإيرانيين، قائلاً "الملف السوري، شديد الأهمية بالنسبة لإيران، وقد تعاونا مع روسيا لفترات طويلة لإقرار الاستقرار في دمشق، لكن مازال أمامنا الكثير لمناقشته مع الأصدقاء الروس".
لم يفصح المسؤول الحكومي، أكثر عن النقاط التي تتم مناقشتها بخصوص القضية السورية، مكتفياً بقول: "أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق جيد".
تطوير حقول النفط الإيرانية
بعد دخول خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يعرف باسم الاتفاق النووي الإيراني، حيز التنفيذ، تعاقدت إيران مع عدة شركات روسية لتطوير حقول النفط الإيرانية، لكن الأمر انتهى قبل أن يبدأ، بعد خروج إدارة ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على طهران.
تبحث طهران وموسكو في ظل اتفاقية التعاون بينهما لمدة 20 عاماً، قابلة للتجديد، عودة الشركات الروسية لتطوير حقول النفط، يقول المسؤول الحكومي الإيراني لـ"عربي بوست"، "طرح مشروع تطوير حقول النفط، جاء من الجانب الروسي، على غرار الاتفاق مع الشركات الصينية، وكان موضع ترحيب من قبل الحكومة الإيرانية".
وبحسب المصدر الحكومي، إلى الآن لم يتم تحديد الحقول التي سيتم التعاقد على تطويرها بين البلدين، وبجانب ذلك، سيتم الاتفاق على عقود لتصدير 10 آلاف برميل يومياً من النفط الخام إلى روسيا من إيران.
انتصار الدبلوماسية الإيرانية
وصف المحلل السياسي الإيراني أبو الفضل خدائي، الصفقات الإيرانية الأخيرة مع كل من روسيا والصين بأنها "انتصار للدبلوماسية الإيرانية"، فيقول "بسبب الضغط الأمريكي المكثف على إيران وروسيا، كان هناك حاجة لتوقيع اتفاقية جديدة بين البلدين حول ركائز العلاقات ومبادئ التعاون".
يؤكد السفير الإيراني لدى روسيا، كاظم جلالي على نفس الرأي، قائلاً "كان الاتفاق لمدة 20 عاماً الذي بدأ في عام 2001، مجرد أسس للتعاون والعلاقات المتبادلة بين إيران وروسيا، وكنتيجة لكمية المتغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة، كان لابد من تحديث والتأكيد على العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل أعمق، وهذا ما نجحت به وزارة الخارجية الإيرانية".
تحدي الولايات المتحدة
منذ أن تبنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استراتيجية الضغط الأقصى ضد إيران، وعدم قدرة الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي على حمايته، وضمان الفوائد الاقتصادية خطة العمل الشاملة المشتركة، لإيران، وتحاول الأخيرة إيجاد منافذ أخرى لانتشال اقتصادها من الهاوية.
ساعد طهران في ذلك، التوترات الأخيرة بين الصين والولايات المتحدة، فرأت المؤسسة السياسية الإيرانية، أنه الوقت الأمثل لانتهاز الفرصة، وعقد تحالفات استراتيجية طويل الأجل، على كافة المستويات، مع القوى الشرقية بدلاً من الاعتماد على الغرب.
تأتي الصفقات الإيرانية مع كل من روسيا والصين، في وقت صعب بالنسبة للولايات المتحدة التي تكافح تفشي جائحة فيروس كورونا، ومع محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للفوز بفترة ولاية ثانية.
بعد أن فشلت واشنطن في تمديد حظر الأسلحة المفروض على طهران، تحاول مواجهة الصفقات الإيرانية، بإثبات حقها القانوني في إطلاق آلية snapback، التي تتيح لأي دولة من الدول المشاركة في الاتفاق النووي، استخدامها إذا لم تمتثل إيران لبنود الصفقة النووية، تلك الآلية التي من شأنها أن تعيد كافة العقوبات الدولية المفروضة على طهران من قبل الاتفاق النووي.