عدو عدوي صديقي.. ما المصالح المشتركة التي تجعل الإمارات “صديقة” لإسرائيل؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/08/16 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/16 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
إيران تتهم الإمارات باستهدافها بها الاتفاق / عربي بوست

لا تزال أصداء الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل تسيطر على أجواء الصحافة العالمية بصورة لافتة، حيث إن التباين الفاضح بين التصريحات من الطرفين من ناحية والوقائع على الأرض من ناحية أخرى يطرح تساؤلاً مهماً يتعلق بما تستفيده الإمارات من تلك الصداقة مع إسرائيل؟

صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "عدو عدوي صديقي.. ما المصالح المشتركة التي تجعل الإمارات صديقة لإسرائيل؟"، حاول الإجابة عن السؤال.

اتفاقية التطبيع ليست وليدة اللحظة

إن اتفاقية السلام التي لم يتوقعها إلا قلائل، كان يجري الإعداد لها في وضح النهار، فمن قبل انتخاب دونالد ترامب، تقاربت إسرائيل والولايات المتحدة أكثر فأكثر، بفعل ثلاثة عوامل: العداء لإيران، وكراهية الإخوان المسلمين، والإيمان المشترك بأن الصيغة المتفق عليها للسلام مع الفلسطينيين لم تعد فعالة.

إن معاداة إيران، أكثر من أي أمرٍ آخر، كانت هي الجسر الموصل بين الطرفين. والقول المأثور بأن عدو العدو صديق ينطبق هنا أشد ما ينطبق. إن عزم طهران على امتلاك أسلحة نووية، وتوغلها الضارب في الشرق الأوسط، وإمكانية غلق مضيق هرمز، والحميّة الثورية الشيعية، وفَّرت أرضاً مشتركة للطرفين كافية لتعميق العلاقات الاستخباراتية إلى مستويات استراتيجية على مدار الأعوام الأربعة الماضية.

أمريكا لعبت دوراً كبيراً في اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل – عربي بوست

زادت الثقة بالإسرائيليين، وتضاءلت في الفلسطينيين بأبوظبي، حيث وجدت المزاعم الإسرائيلية أن اتفاق الأرض مقابل السلام قد ولَّد صدىً لدى حكامها، وتضاءل حل الدولتين الذي هو حجر أساس الطريق العربية إلى السلام، لتبرز محله مجريات الواقع الملحة.

الإمارات في صف إسرائيل منذ سنوات

وكون هذا التطبيع جاء في وقتٍ دمرت فيه إدارة ترامب المواثيق المتعلقة بإسرائيل وفلسطين لم يهم في شيء. فقد تجاهلت الإمارات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتقليص التمويل الأمريكي للاجئين الفلسطينيين، وضم مرتفعات الجولان السورية للسيادة الإسرائيلية، وتوسيع المستوطنات، وغلق السفارة الفلسطينية في واشنطن، وتقديم خطة سلام تتجاهل كل مبادئ الطرق السابقة.

إن التضامن العربي حول فلسطين كان مفككاً بكل تأكيد حين طرح صهر ترامب، غاريد كوشنر، نسخته. أعطت خطة كوشنر لإسرائيل الكثير مما أرادته، وقلَّصت طموحات الفلسطينيين. وما جاء في المقترح أقل بكثير مما طرحه إيهود باراك وياسر عرفات في عام 2000. ومنذ ذلك الحين قاطع محمود عباس، ترامب.

السفارة الأمريكية في القدس

تبِع ذلك المقترح شجبٌ وإدانة منقوصان من الدول العربية، التي اكتسبت شرعيتها لعقود من حماية الفلسطينيين، لكن أولوياتها الآن تغيرت مع تغير الأوضاع بسرعة كبيرة.

الحدث الأهم لإسرائيل منذ عقود

إنَّ أثر وضع ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان، اسمه على اتفاقٍ أمريكي للسلام مع إسرائيل بالغ وضخم. والتنازل الذي ظفر به الأمير من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بوقف خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية مكَّن الإمارات من تقديم نفسها كبطلٍ أمام الفلسطينيين. لكن الخسارة الإجمالية التي تكبدها الشعب الفلسطيني تحول دون ذلك.

لم تمر كثير من الأحداث بهذه الأهمية لإسرائيل منذ إعلان استقلالها في 1948، من بينها اتفاقية كامب ديفيد في 1978 التي أدت إلى السلام مع مصر، والمعاهدة التي وقَّعتها الأردن بعد 17 عاماً، واتفاقية أوسلو في 1993 حين اعترفت إسرائيل بالفلسطينيين والعكس بالعكس. والآن اتفاق الإمارات.

والأثر ضخم على الفلسطينيين أيضاً، الذين يواجهون الآن تحولاً جذرياً يتركهم أبعد ما يكون عن تقرير المصير. وقد صارت مجتمعات الشتات المشرذمة أكثر رسوخاً من أي وقت مضى، في مناطق منعزلة من الضفة الغربية المنكمشة، وقطاع غزة، وفي لبنان والأردن وسوريا ومصر.

نتنياهو يشرح حطته لضم أجزاء واسعة من الضفة/رويترز

إن التوفيق بين تراجع المكاسب على الأرض والواقع الجديد في المنطقة يضرب القيادة الفلسطينية بشدة، التي ظهرت مشلولة في الأعوام الماضية وزادت خلافاتها مع رعاتها الرئيسيين، وها هو أحدهم لم يعد يخجل من الاعتراف بذلك.

لقد صار الأردن أكثر من أي وقتٍ مضى، محركاً جيوسياسياً في المنطقة. فقد تدخَّل بن زايد في اليمن وقطر، وجعل نفسه جزءاً مركزياً من المحور المعادي لأنقرة والدوحة وبقايا الإخوان المسلمين.

ويمكن رؤية المصلحة الإماراتية في النزاع الليبي من المنظور نفسه. أما الفلسطينيون المهجورون، فقد تلقوا مساعدات للتعامل مع فيروس كورونا، وشعاراتٍ فارغة لحل قضاياهم الوجودية.

وريادة الإمارات في توقيع اتفاقية سلام لن تتركها معزولة لوقتٍ طويل. فبينما يحتفل ترامب بانتصار دبلوماسي نادر، تسري همهمات في دول مجلس التعاون الخليجي بأن المزيد في الطريق. والبحرين وسلطنة عمان أبرز المرشحين، بل ربما الدولة الأهم في المنطقة، السعودية، التي سيكون توقيعها على اتفاقية سلام مع إسرائيل بمثابة حدثٍ مزلزل في تاريخ الشرق الأوسط والوضع الجيوسياسي العالمي.

هل الدور على السعودية؟

أيفانكا ترامب مع جاريد كوشنر و محمد بن سلمان/رويترز

لم يكن استقطاب الرياض إلى شراكة إسرائيل وارداً من الأصل في المسارات التي كانت تحكم إدارة الصراع وطريقة الحل. فالملك عبدالله، ملك السعودية الراحل، كان مناصراً لطريقٍ في 2002 كان سيجعل العرب يقدمون اعترافاً جماعياً لإسرائيل، مقابل الانسحاب إلى حدود 1967.

إن القبول بما هو مطروحٌ الآن كان غير واردٍ في السابق، لكن مواقف الدول العربية تتغير بسرعة كبيرة، لدرجة أن البعض يرون القضية الفلسطينية الآن عامل تشتيت عن قضايا أوسع، وقادتها يستنزفون الوقت والموارد.

لقد كان حل الدولتين بالغ الوهن حين وصل ترامب إلى الرئاسة. وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة الآن. وبينما تحتفل إسرائيل، يواجه الفلسطينيون ساعة حساب عسير.

تحميل المزيد