وقّعت منظمة الأمم المتحدة والحكومة العراقية على مذكرة تفاهم لإنشاء صندوق ائتماني يقضي بإدارة الأمم المتحدة للأموال الدولية المقدمة لإعادة إعمار المناطق المحررة من تنظيم داعش، بهدف تنفيذ مشاريع حيوية وتوجيه أمثل للمنح الدولية المقدمة للعراق في هذا المجال.
قدمت الدول المشاركة في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق مبلغ 30 مليار دولار على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تقدم للعراق، من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب ضد داعش عام 2017، بينما كان العراق يأمل في الحصول على تعهدات بحوالي 88 مليار دولار.
لكن صفقات الفساد وعمليات الاختلاس عمّقتا من معاناة العراقيين بعد اختفاء أكثر من مليار و8 ملايين دولار كانت قد خُصصت لمشاريع إعادة إعمار المناطق المنكوبة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الدول المانحة عن تقديم الدفعات المالية، في الوقت الذي يشهد في العراق انهيار خزينة الدولة وتعرضه لعجز اقتصادي قُدر بـ 36 مليار دولار.
من نهب أموال إعادة الإعمار؟
وفقاً لتقديرات سابقة أصدرتها اللجنة المالية في البرلمان، فإن حجم خسائر العراق جراء عمليات اختلاس وسرقة الأموال في السنوات السبع عشرة الماضية بلغت نحو 450 مليار دولار، من بينها 360 مليار دولار خلال فترة حكومتي المالكي الأولى والثانية (2006 ـ 2014).
وفي الفترة الأخيرة من الولاية الثانية في عهد المالكي احتل تنظيم داعش ثلث العراق، فيما أعلنت هيئة النزاهة العراقية مؤخراً أن الأموال التي تم رصدها وإعادتها للدولة خلال العام الماضي 2017 بلغت 938 مليار دينار عراقي (800 مليون دولار)، دون أن تذكر ما لم يتم كشفه وخسره العراق بفعل جرائم الفساد المالي والإضرار بالمال العام.
في هذا الشأن، كشف مدير قسم المناقصات في هيئة استثمار نينوى ـ تابعة لمجلس محافظة نينوى لـ"عربي بوست" أن أموال إعادة إعمار مدينة الموصل ـ مركز محافظة نينوى ـ تعرضت للسرقة من قبل محافظ نينوى السابق نوفل العاكوب، وقال: "كان العاكوب يعقد اجتماعات خارج مبنى المحافظة مع المقاولين والمستثمرين لأخذ عمولات تصل نسبتها بين 20% إلى 30% عن كل مشروع مخصص لإعادة الإعمار".
ويضيف: "هناك ملفات فساد كبيرة تورط بها محافظ نينوى باختلاس 60 مليار دينار ما يعادل 50 مليون دولار كانت مخصصة لإعادة الإعمار، وقد تعاون العاكوب مع المكاتب الاقتصادية التابعة لميليشيا عصائب أهل الحق ومنظمة بدر من أجل منحهم مناقصات لتنفيذ مشاريع البنى التحتية في الجانب الأيمن من المدينة ومناطق سهل نينوى، لكن تمت سرقة الأموال بدون أي بناء".
لذلك أصدرت محكمة استئناف نينوى الاتحادية بناءً على طلب هيئة النزاهة مذكرة قبض بحق العاكوب ومنعته من السفر على إثر اختفاء المساعدات المخصصة لمشاريع إعادة الإعمار، كما كشفت هيئة النزاهة العراقية عن عملية اختلاس 11.3 مليار دينار (9.4 مليون دولار) من أموال مخصصة للنازحين في محافظة نينوى، من قبل المحافظ السابق الفار من العدالة.
مؤكداً أن وزارة التخطيط العراقية، بالتعاون مع عدد من الجهات المساندة، قدرت الخسائر التي تكبدها العراق نتيجة الحرب ضد داعش بين 80 مليار دولار إلى 90 مليار، وأن 47 مليون دولار من الأضرار مرتبط بالبنى التحتية والمنشآت الاقتصادية والمستشفيات، فيما تتعلق بقية المبالغ بقطاعات أخرى أبرزها السكن.
أما عن مشاريع محافظة صلاح الدين، قال عضو في لجنة النزاهة لـ "عربي بوست": "شبح الفساد والمحاصصة الحزبية ساهما بإيقاف مشاريع إعادة الإعمار وتم سرقة المنح الدولية والحكومية، فقد تسلمت المحافظة ما يقارب 170 مليون دولار من الحكومة المركزية في بغداد".
وأضاف: "تم نهب الأموال من قبل المحافظ السابق أحمد الجبوري رئيس كتلة الجماهير الوطنية، حيث تسيطر كتلته السياسة على مجلس محافظة صلاح الدين منذ عام 2014، حيث فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه إثر اتهامات وجهت له بانتهاكه لحقوق الإنسان وسرقة مساعدات النازحين وتورطه بعمليات فساد بخصوص أموال إعادة الإعمار".
وعلى إثر ذلك، قررت الحكومة العراقية فصل الجبوري من منصبه، وحُكم عليه بالسجن في يوليو/تموز 2017، بعد إدانته بإساءة استخدام السلطة والأموال الفيدرالية والاستيلاء على الأراضي للاستخدام الشخصي.
لكن أُطلق سراحه بعد مساومات على المناصب الإدارية بمحافظة صلاح الدين، وبعدها رشح لانتخابات عام 2018 وفاز بمقعد في البرلمان.
ويواصل عضو لجنة النزاهة قائلاً: "عندما كان الجبوري محافظاً لصلاح الدين عام 2014، تورط بصفقات فساد وصلت إلى حد فرض عمولات مقابل إعطاء الموافقات الرسمية لتنفيذ المشاريع من المنظمات الإنسانية التي تعمل في مخيمات النازحين التي تقع ضمن محافظة صلاح الدين".
إذ يحصل الجبوري على نسبة 10% من الأموال مقابل استمرار عمل المنظمات في مخيم النازحين، وهذه المعلومات وردتنا من مدراء بعض المنظمات الإنسانية التي طلبت عدم الكشف عن اسمها تجنباً للابتزاز والمساءلة القانونية.
وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على النائب أحمد الجبوري ونشرت البيان على موقعها الرسمي، موجهةً الاتهامات للجبوري بانتهاك حقوق الإنسان وسرقة مساعدات النازحين، وتورطه بعمليات فساد بخصوص أموال إعادة الإعمار. وبعد هذه العقوبات صوّت مجلس النواب العراقي على رفع الحصانة عن النائب الجبوري بتهمة الفساد.
من جهته رأى رئيس لجنة تقصي الحقائق النيابية أسامة النجيفي لـ"عربي بوست" أن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة يمنع وصول المساعدات الدولية للمناطق المنكوبة بعد حرب داعش، وأنه يُضعف عملية بناء المدن المحررة والتي تحتاج إلى 10 سنوات كأدنى حد كي تعود كما كانت.
وأضاف لأن هذا الأمر يستدعي أن تراقب الحكومة الأموال الممنوحة للمدن المنكوبة، وتحاسب الفاسدين وتلاحق السارقين الذين نهبوا المساعدات الدولية وفروا من العقاب، بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ الحكومة لمشاريع خدمية فورية وأهمها ترميم المستشفيات وتعويض العوائل التي خسرت بيوتها جراء القصف والعمليات العسكرية.
الفساد يُعطل الإعمار وأحزاب متورطة ومسؤولون متهمون
ترى مصادر عراقية أن وضع هذا الصندوق الائتماني بيد الأمم المتحدة قد جاء إثر مخاوف الدول المانحة من ذهاب أموالها إلى جيوب الفاسدين بدلاً من الهدف الذي قدمته من أجله، حيث يمكن أن تصطدم هذه الأموال بمعدلات الفساد التي توثقها منظمات دولية، فجعلت العراق يحتل المرتبة 166 من بين 176 دولة على لائحة البلدان الأكثر فساداً بحسب آخر لائحة أصدرتها منظمة الشفافية الدولية.
في هذا السياق يتحدث مسؤول في لجنة إعادة الإعمار لـ"عربي بوست" ويقول: "الحكومة لا تكشف عن المبالغ الحقيقية التي استلمتها من الدول المانحة لأنها مضطرة لتقسيم الأموال لدول خارجية أبرزها إيران من خلال الأحزاب السياسية التي تدير الملف الاقتصادي الإيراني داخل العراق.
فحزب الدعوة والمجلس الأعلى وكتلة صادقون يسيطرون على أموال المساعدات المخصصة لإعادة إعمار المناطق المنكوبة كمحافظة نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى والكتل السياسية لديها حشود وميليشيات مسلحة توقّع على صفقات الفساد، على حد وصفه.
واتهمهم جميعاً بسرقة الأموال وابتزاز أصحاب الشركات الذين يعملون في هذه المناطق بهدف إبعاد المنافسين وتنفيذ المشاريع التي ظهرت في الإعلام ولم يتم تنفيذها على أرض الواقع.
ويضيف المسؤول: "العراقيون لا يعلمون كمية الأموال التي وصلت للحكومة العراقية، فقد وصلت منح بمبلغ 330 مليون دولار للقضايا الإنسانية من دول مختلفة، بالإضافة إلى منحة بقيمة 150 مليون دولار من منظمة الصليب الأحمر الدولي، لكن هذه الأموال سُرقت من قبل الفصائل المسلحة المسيطرة على المناطق المحررة، لذلك انهارت ثقة الدول المانحة بالحكومة العراقية وتراجعت عن منح المساعدات".
من جهة أخرى، يتحدث محقق قانوني في مجلس القضاء الأعلى ويكشف لـ"عربي بوست" عن الفساد المستشري في محافظة الأنبار ويقول: "جماعة حركة الحلّ السياسية التي تترأسها عشيرة الكرابلة هم المتحكمون بمصير الأنبار الآن".
حيث تتهم هذه الحركة السياسية باستغلال أموال المنظمات الدولية وأخذ المساعدات من جمعية الهلال الأحمر العراقية من أجل الدعاية السياسية وتمويل أنشطتها خلال الانتخابات لكن بعد الانتخابات تتوقف كل المشاريع الإنسانية فجأةً وتسرق الأموال، على حد وصفه.
وأكد أنه في وقت سابق ثبتت حقائق عمليات الفساد بإصدار مجلس القضاء الأعلى مذكرة إلقاء قبض وفق المادة 340، بحق وزير الصناعة السابق أحمد الكربولي، وذلك على خلفية قضايا فساد مع جمعية الهلال الأحمر العراقية.
وصدر أمر قبض بحق رئيس كتلة الحل بمجلس محافظة الأنبار كريم الكربولي على إثر ابتزازه لمحافظ الأنبار صهيب الراوي وطلبه للمال مقابل تنازلات سياسية على منصب المحافظ في وقت تسملت فيه الأنبار منح إعادة الإعمار بعد نهاية عمليات تحرير المدينة من قبضة داعش عام 2017.
ويتابع المحقق في مجلس القضاء الأعلى، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه "الحكومة تعجز عن مواجهة لاعبي الدولة العميقة، ففي كل محافظة عراقية يوجد حزب سياسي أو فصيل مسلح يشرف على صفقات إعادة الإعمار ويحصل على المشاريع الخدمية دون تنفيذها".
وفي صلاح الدين يسيطر التحالف الشعبي العراقي، وفي الأنبار حركة الحل وفي محافظة نينوى تسيطر الفصائل المسلحة التابعة لهيئة الحشد الشعبي، وهذا هو السبب الحقيقي لتوقف المشاريع الانسانية من المنظمات الدولية التي لا تستطيع التعامل مع الدولة لأنها مخترقة من قبل لوبيات السياسة والسلاح، على حد تأكيده.
فساد في منطقة تعرضت لأكبر حرب تحرير
وحول الفساد في محافظة نينوى التي تعرضت لأكبر حرب تحرير في العراق، يتحدث مسؤول في لجنة تقصي الحقائق النيابية لـ"عربي بوست" ويقول: "بات الارتباك في الأداء السياسي والأمني والخدمي في محافظة نينوى واضحاً، فالاتهامات المرتبطة بالفساد تلاحق مدير بلديات نينوى، عبدالقادر الدخيل الذي يتعاون مع الفصائل المسلحة لإتمام صفقات الفساد بحماية من حركة العصائب التابعة لقيس الخزعلي وسرايا السلام التابعة للتيار الصدري".
ويواصل المسؤول الذي يرصد عمليات فساد أموال إعادة الإعمار: " المتورطون هم مدير بلديات نينوى بالتعاون مع هيئة الاستثمار وبسمان العاكوب شقيق المحافظ، الذين تسلموا نحو 400 مليار دينار (أي ما يعادل نحو 320 مليون دولار) لبدء مشاريع إعادة إعمار الموصل، وقد تمت سرقة أكثر من 90% من الأموال".
حتى إن بعض شركات المقاولات الأجنبية أوقفت مشاريعها وغادرت العراق، ومازال هؤلاء المتهمون مستمرون في مناصبهم الإدارية ولا أحد يحاسبهم، كونهم مدعومين من المكاتب الاقتصادية التابعة للفصائل المسلحة، على حد وصفه.
من جانبها تؤكد الخبيرة بالاقتصاد العراقي سلام سميسم لـ"عربي بوست" إن المشاركين في مؤتمر الكويت ومنتدى دافوس السابق، وكل المحافل الدولية لمساعدة العراق، أعلنوا أن أموالهم الممنوحة للعراق في خطر إذا وصلت للبلاد، حيث اشترطت اليابان والدنمارك والسويد وجود الأمم المتحدة كمشرفة على الأموال.
وتقول:" هذا يعني أن الأطراف الدولية لا تثق بالعراق بسبب المفسدين داخل البلد".
وتشدد سميسم على أن المانحين يعتقدون أن الأموال ستذهب في النهاية إلى جنود وجنرالات تابعين لأحزاب سياسية تنتمي لدول خارجية متهمة بالإرهاب، وبالتالي فإن مؤتمرات واشنطن والكويت والأردن وتركيا لإغاثة العراق، لم يجنِ منها العراقيون سوى الوعود بسبب الفساد المستشري بمؤسسات الحكومة العراقية، على حد تعبيرها.
مساعدات مالية أم ديون تراكمية
بحسب خبراء في الاقتصادي حذروا من غرق العراق بديون مستقبلية كبيرة، أكدوا أن أغلب الدول المانحة لإعادة الإعمار قدمت أموالها على شكل ديون وليست هبات أو مساعدات، وهذا التدقيق يكشف أن المبلغ المقدم للعراق كمساعدات هو فقط مليار و800 مليون دولار، من إجمالي كامل المبلغ البالغ 30 مليار، وأن بقية المبلغ – وهي 28 مليار و200 مليون، ديون سيادية، يضاف إليها 16 مليار ونصف تقريباً ديون سابقة ليكون الإجمالي 46 ملياراً.
وحول تغير قرار المساعدات الدولية يكشف مستشار في البنك المركزي العراقي التابع للحكومة العراقية لـ"عربي بوست" وقال: "حكومات العراق المتعاقبة بعد العام 2003 نهبت وأهدرت أكثر من 1000 مليار دولار، ما سبب تحولاً في الموقف الدولي المتبلور في عدم الثقة بغالبية زعماء العراق الحاليين".
ويضيف "هذا الحال مؤسف جداً لأننا نتحدث عن دولة كبيرة وغنية أصبحت في عداد الدول غير الموثوق بها، نتيجة فشلها في مكافحة الفساد المالي، لذلك لاحظنا أن الهبات كانت رمزية، ولا يمكن مقارنتها بحجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب التاريخية ضد تنظيم داعش والتي كلفت بخسارة العراق لأكثر من 90 مليار دولار".
من جانبه يقول عضو في لجنة الخدمات النيباية لـ"عربي بوست": "الأموال الممنوحة من مؤتمر الكويت ودافوس وغيرها من المؤتمرات التي أُقيمت لمساعدة العراق بعد حرب داعش، لم تكن هذه المؤتمرات سوى اتفاقيات دولية استثمارية، لأن المانحين لا يثقون بالحكومة العراقية بسبب تراكم الديون وملفات الفساد، حيث حصل العراق على وعود بـ30 مليار دولار، لكن لم يصل منها سوى أقل من 2%، فكان من الصعب المضي بالخطط الاستراتيجية لإعادة الإعمار وإسناد ميزانية الدولة".
ويتابع "هذه الأموال توزعت كسندات خزينة وقروض بفوائد منخفضة وهبات مالية قليلة جداً، وهذا ما لم ينسجم مع تطلعات الحكومة العراقية بالحصول على 88 مليار دولار لتغطية خسائر الحرب والدمار الذي طال مناطق واسعة من العراق".
حيث اشترطت كبرى الدول المانحة إبرام صفقات استثمارية وإبعاد الفصائل المسلحة عن المناطق المنكوبة، وأنها بدون هذه الشروط لن ترسل الأموال، والشرط الأخير بخصوص المسلحين كان على رأس بنود الاتفاقيات التي لم تُعلن على وسائل الإعلام، والتي لم تستطع الحكومة العراقية معالجته بسبب ضغوطات إيران.
ولهذا السبب تراجعت الدول الأجنبية والخليجية عن إرسال المنح المالية للعراق، لذلك صندوق الإعمار العراقي لم يتلق سوى 2 % فقط من أموال مؤتمر الكويت بعد مضي 3 سنوات منذ إقامته".
من الجانب الحكومي قال مسؤول في المفاوضات عن صندوق إعمار المناطق المتضررة من الإرهاب، لـ "عربي بوست": "قروض البنك الدولي عبارة عن سياسة لتوريط الحكومة العراقية، لأن القروض طويلة الأجل وضمن شروط مالية معقدة لأنها هذه الدول تدرك حاجة العراق للمال بعد انهيار الاقتصاد وهبوط أسعار النفط، إذ تحاول إيران والولايات المتحدة تشجيع العراق للاقتراض من البنك الدولي بحجة إعادة إعمار المناطق المحررة، مما سيجعل العراق مكبلاً بديون ذات فوائد سيستمر بدفع مستحقاتها حتى الأجيال القادمة".
من جانبه يؤكد عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي أردلان نور الدين لـ"عربي بوست": "العراق لم يحصل على المنح التي كان يطمح إليها لإعمار مدنه بسبب الخلافات الداخلية بين المكونات السياسية، بالإضافة إلى عدم ثقة المجتمع الدولي بوصول هذه الأموال إلى المتضررين من أهالي المناطق المنكوبة، وتعرض الحكومة العراقية لمضايقات سياسية كبيرة من الولايات المتحدة وإيران".
مستشفيات مهدمة وسرقات المنح الطبية
تدهور الواقع الصحي في العراق تدهور كبيراً نتيجة الفساد الذي استشرى في وزارة الصحة كغيرها من الوزارات، فباتت المستشفيات والمراكز الطبية مكاناً لنقل الأمراض، لا العلاج منها نتيجة الإهمال وعدم توفر الأجهزة الطبية ونقص كبير في الأدوية، وأحد أهم الأسباب انهيار النظام الصحي هو نهب المساعدات الممنوحة لإعادة إعمار المستشفيات، وخسارة العراق لمراكز صحية كثيرة بسبب الصراعات.
وفي هذا الصدد يكشف مدير عام في وزارة المالية لـ "عربي بوست" اختفاء نحو "مليار و6 ملايين دولار" كانت مخصصة لشراء الأدوية ومواد التخدير المستخدمة في العمليات الجراحية بمستشفيات عدة بالمحافظات العراقية.
وأن ملفات الفساد المالي في وزارة الصحة، وبالأخص عقود شراء الأدوية والمستلزمات الطبية حالت دون تحسين الوضع الصحي في البلاد، وقد تحولت مستشفيات محافظات الأنبار وديالى ونينوى إلى كرفانات صغيرة وتمت سرقة المليارات المخصصة لإعادة ترميم المستشفيات التي تعرضت لضرر كبير بسبب حرب داعش، على حد وصفه.
ويتابع المدير العام "دمّرت الحرب ضد داعش 9 مستشفيات من أصل 10 في مدينة الموصل بساحليها الشرقي والغربي، في الوقت الذي نُهبت مراكز صحية أو أُحرقت بواقع 76 مركزاً صحياً من أصل 98، وتم صرف أكثر من 250 مليون دولار من قبل الدول المانحة لكن مسؤولين في وزارة الصحة في حكومة حيدر العبادي وبعدها عادل عبدالمهدي قد سرقوا الأموال المخصصة لإعادة إعمار المستشفيات في المناطق المحررة".
من جهته يؤكد مسؤول رفيع في وزارة الصحة لـ"عربي بوست": "إن أموال إعادة إعمار المستشفيات في المناطق المنكوبة تتم سرقتها، وأنه بعد مضي 3 سنوات منذ التحرير، ما زالت 80% من المستشفيات مهدمة ولا تصلح للترميم".
وقال: "لذلك رفعنا دعاوى قضائية وخاطبنا البرلمان العراقي من أجل فتح تحقيق نيابي عاجل حول آلية التصرف بالمبالغ الطائلة التي خُصصت لإعمار المستشفيات. لكن لم نتلق أي استجابة وقد سُرقت أكثر من 900 مليون دولار في ظروف غامضة".
واتهم الحكومة بأنها تعلم من سرقها من وزراء وأحزاب لكنها لا تستطيع محاسبتهم، يرجع ذلك إلى أنها كلما فتحت ملفاً للتحقيق، يتعرض مسؤولون في وزارة الصحة للابتزاز والتهديد من قبل جماعات مسلحة تنتمي للمنظومة الأمنية الرسمية تأخذ أوامرها من جنرالات تابعة للحرس الثوري الإيراني".
ويتابع "مؤخراً أُضيفت أزمة أخرى صحية بالتزامن مع نهب أموال المستشفيات المتضررة بسبب حرب داعش، وقد انكشفت ملفات الفساد من جديد لعدم قدرة الدولة لمواجهة جائحة كورونا مع تصاعد عدد الإصابات إلى أكثر من 150 ألف حالة".
فليس من المعقول أن تظل المستشفيات الحكومية في المناطق المحررة بلا أي جهاز لتحليل "PCR" أو التنفس الصناعي لإنعاش رئات المصابين بالفيروس بالرغم من مرور 6 شهور على ظهور الإصابات في نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وأجزاء من كركوك، على حد تعبيره.
من جهته يؤكد عضو مجلس النواب العراقي محمد إقبال الصيدلي لـ"عربي بوست" أن القطاع الصحي في مجمل المحافظات المحررة تعرض لدمار شامل بعد أن قُصفت غالبية مستشفيات المدن ومراكزها التخصصية.
مشيراً إلى أن "تحركات وزارة الصحة لا تزال إلى الآن دون المستوى المطلوب، خاصةً في مجال إعادة إعمار المستشفيات، أو توفير الأجهزة التشخيصية والعلاجية وكذلك الأدوية بمختلف أنواعها، مع غياب الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات وضعفها".
ويلفت إلى معاناة تلك المستشفيات من سوء الخدمات وانعدام وسائل النظافة، إضافةً إلى قلة الأطباء والكوادر التمريضية التي لا تزال تلجأ للعمل في المنظمات الدولية، بسبب انهيار المستشفيات وعدم وجود خطة لإعادة إعمارها بسبب اختفاء الأموال المخصصة لبناء المستشفيات.
لا شك أن المبالغ المخصصة لعملية إعادة إعمار العراق التي أقرها مؤتمر الكويت ودافوس ومساعدات المنظمات الدولية لها أهمية في التخفيف عن معاناة العراقيين، وإن لم تكن بالمستوى الكافي والمطلوب.
لكن انهيار تحركات المتابعة والمراقبة الحكومية أدى إلى خسارة العراق المزيد من المنح والمساعدات، وقد ازدادت الأزمات نتيجة لحجم الدمار في البنى التحتية والمصانع التجارية الذي ألحقته معارك تحرير المدن العراقية، وغياب الإصلاحات وعدم محاربة الفساد.
بالإضافة لارتفاع المحاصصة الحزبية على الصفقات الاستثمارية الدولية بين أحزاب حكومية عراقية، وتورط مسؤولين كبار في الدولة باختلاس أموال المساعدات الدولية المقدمة لإعادة إعمار العراق. وبهذا الحالة تتعمق هموم المنكوبين الذين خسروا ذويهم وبيوتهم في حرب داعش من جهة، وقد نُهبت أموال المساعدات التي خُصصت لتعويضهم أو بناء مدنهم من جهة أخرى.