بينما تتوقع تقديرات الحكومة التونسية أن ينكمش الاقتصاد العام الجاري بنسبة 6.5%، لا يستبعد خبراء أن تتخطى النسبة 10%، والسبب البارز على السطح هو تداعيات وباء كورونا الذي يعاني منه العالم أجمع، لكن تونس المصنفة من الناجحين في حرب الفيروس تدفع ثمناً باهظاً للتجاذبات السياسية كذلك، فما القصة؟
وباء سياسي
المعاناة التي يواجهها التونسيون في معيشتهم وحياتهم اليومية تبرز المعادلة الصعبة التي يواجهها اقتصاد بلدهم وطرفاها، سياسي مرتبط بالمناكفات والتجاذبات السياسية، والآخر صحي له علاقة بالتبعات الاقتصادية والمالية لتفشي جائحة كورونا.
ويرى خبيران اقتصاديان تونسيان التقتهما وكالة الأناضول أن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد حالياً ساهمت في تعميق تداعيات أزمة كورونا، على الوضع الاقتصادي الذي يعاني من أزمة هيكلية منذ سنوات.
والآن تسعى تونس إلى تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة إلياس الفخفاخ، بسبب اتهامات بتضارب المصالح التي وُجهت إلى رئيس الحكومة المستقيل، وكلف الرئيس قيس سعيّد وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة هشام مشيشي بتشكيل الحكومة، وهو شخصية مستقلة، وسط أجواء مشحونة يعيشها البرلمان التونسي، إثر محاولة سحب الثقة من رئيسه راشد الغنوشي، وصراع خفّي بين رئيسي الجمهورية والبرلمان.
ووفق تقديرات الحكومة المستقيلة، فإن الاقتصاد سيسجل انكماشاً بنسبة 6.5٪ في 2020، وتوقعات بارتفاع نسبة البطالة، لكن الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي اعتبر أن اقتصاد تونس يئن تحت وطأة الأزمة الصحية الناجمة عن "كوفيد–19″، والتجاذبات السياسية المحلية التي وصفها بـ "الكوفيد السياسي".
وقال الشكندالي إن تقديرات المؤسسات الدولية حول تأثيرات الأزمة الصحية، التي تسبب بها فيروس كورونا، تشير إلى انكماش اقتصاد البلاد بـ6.5٪، وتراجع المداخيل الجبائية بحوالي 5 مليارات دينار ( 1.83 مليار دولار)، وارتفاع نسبة البطالة بخمس نقاط مئوية إلى 20٪.
ويرى الشكندالي أن "هذه التقديرات ستتعمّق مع الكوفيد السياسي"، لافتا إلى أن كورونا تسبّب في تراجع الطلب الخارجي، وتراجع الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالخارج وهي أساساً السياحة والنقل والتصدير: "التجاذبات السياسية ستزيد الضبابية وحالة عدم اليقين لدى المستثمرين المحليين، ما سيؤدي إلى انكماش الاستثمار الخاص المحلي، وبالتالي الاستثمار الأجنبي المباشر"، بحسب الخبير.
"في ظل هذه الأوضاع، فإن نسبة الانكماش قد تصل إلى حدود 10٪.. الحكومة الجديدة يجب أن تكون حكومة كفاءات وطنية، ولا يهم أن تكون سياسية أو غير سياسية، لضمان نجاح الانتقال الديمقراطي".
أزمة كورونا هي الأكبر منذ نصف قرن
من جانبه، اعتبر محمد الصادق جبنون، الخبير الاقتصادي والقيادي في حزب "قلب تونس"، أن أزمة كوفيد-19 "أكبر أزمة اقتصادية عرفتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على امتداد 50 سنة".
وقال جبنون إن "الأزمة الصحية أثرت على الاقتصاد التونسي، حيث إن نسبة الانكماش المتوقعة في حدود 7٪ مرشحة للارتفاع، كما أننا قد تجاوزنا 20٪ في نسبة البطالة"، وقدر أن 35٪ من المؤسسات ستقدم على تسريح عمالة وإمكانية توقفها عن النشاط واردة، و61٪ من المؤسسات لم تعد تستطيع الحصول على تمويل مصرفي.
وعن الحل، يرى جبنون أن حل الأزمة الاقتصادية الحالية هو سياسي، عكس الأزمات السابقة، قائلاً: "غياب حكومة مستقلة لا يسندها ائتلاف حزبي متوافق، لا يمكن أن تكون لها مصداقية أمام المقرضين الدوليين، كما أن تونس تواجه خطر التخفيض في ترقيمها السيادي"، مضيفاً: "الأوضاع تتطلب أرضية سياسية مستقرة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية بسرعة".
وفي وقت دمرت فيه تداعيات كورونا قطاعات اقتصادية، أبرزها السياحة مصدر البلاد الرئيسي للعملة الصعبة، لكنها، بحسب جبنون، فتحت المجال أمام قطاعات أخرى مثل الزراعة، والصناعات الغذائية، والتكنولوجيا، والطاقة المتجدّدة، وهي قطاعات كثيفة التشغيل.
واعتبر جبنون أن "الأزمة السياسية تضرب مباشرة الثقة، التي تعتبر محركاً رئيسياً للاستثمار"، مبيناً أن "هناك تراجعاً بـ 95٪ في الاستثمار الأجنبي".
وسجل اقتصاد تونس انكماشاً بـ1.7٪ في الربع الأول من العام الحالي، فيما بلغ معدل البطالة 15.1٪، ووفقاً لبيانات حكومية، كلّفت الجائحة الحكومة التونسية خسائر بقيمة 5 مليارات دينار (1.83 مليار دولار) ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.
وعانت أغلب القطاعات الاقتصادية تعطلاً، وتوقفت مراكز الإنتاج في الأشهر الثلاثة الماضية بسبب الجائحة، وكذلك بسبب احتجاجات في مناطق عدة من البلاد، خصوصاً في مناطق إنتاج النفط والفوسفات، وهبطت عائدات البلاد من السياحة إلى 1.16 مليار دينار (424 مليون دولار) في يوليو/تموز الماضي، من 2.79 مليار دينار (1.02 مليار دولار) قبل سنة.