جمع مؤتمر المانحين للبنان، الذي استضافه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمم المتحدة، عبر الفيديو كونفرانس، حوالي 298 مليون دولار، فهل هذا المبلغ كافٍ لتعمير ولو جزئي لقلب بيروت المدمر أو مساندة لبنان الذي يعاني أزمة خانقة وخسر لتوه مرفأه الأساسي؟
وأعلنت فرنسا خلال المؤتمر عن تقديم (35.1 مليون دولار) بهدف توفير المساعدات الطارئة للبنان، وتعهدت قطر بتقديم 50 مليون دولار، وأعلنت الكويت استعدادها لتقديم دعم للبنان، بالتزامات سابقة على الصندوق الكويتي للتنمية يعاد تخصيصها، بقيمة 30 مليون دولار، يضاف لها مساعدات طبية وغذائية بقيمة 11 مليون دولار.
وقالت ألمانيا إنها ستقدم دعماً إضافياً إلى لبنان بقيمة (23.4 مليون دولار) إلى جانب 11 مليون دولار أعلنت عنها خلال وقت سابق، الأحد، تخصص لدعم الاحتياجات الطارئة في البلاد، وتعهدت المملكة المتحدة بتقديم حزمة مساعدات بقيمة (26 مليون دولار).
كما رفعت المفوضية الأوروبية خلال مؤتمر المانحين للبنان مساعداتها المالية العاجلة الموجهة للبنان إلى 63 مليون يورو (73.71 مليون دولار) مقارنة مع 33 مليوناً كانت أعلنت عنها، الجمعة، بهدف تخفيف الاحتياجات الطارئة للبلد العربي.
وشهد لبنان انفجاراً ضخماً يوم الثلاثاء، أضيف لأوضاع اقتصادية وسياسية صعبة، هز العاصمة اللبنانية بيروت، وأسفر عن مقتل 158 شخصاً وإصابة 6 آلاف آخرين.
هل تكفي هذه المساعدات التي تعهد بها مؤتمر المانحين للبنان؟
ما فهم أن هذا الدعم الطارئ، الذي جُمع مؤتمر المانحين للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت القاتل، سيمنح دون شروط، وسيكون هدفه إصلاح الدمار الذي تسبب به الانفجار.
إلّا أن المساعدات الأخرى طويلة الأمد التي ستمنح لدعم الانتعاش الاقتصادي في لبنان، ستكون مشروطة بتطبيق إصلاحات في البلاد.
ولكن حتى إذا كان هذا الدعم سيكون مخصصاً فقط للتعامل مع تداعيات الانفجار، فإنه غير كافٍ على الإطلاق.
وفي وقت سابق، قال محافظ بيروت في مقابلة مع تلفزيون الحدث، إجمالي الخسائر الناجمة عن انفجار بيروت قد تتراوح بين 10 و15 مليار دولار.
وحتى لو افترضنا أن محافظ بيروت يبالغ أو أن هذه تقديرات أولية، فإن تظل المبالغ التي تم التعهد بها في المؤتمر أقل كثيراً من الأموال اللازمة لإعمار مدينة حديثة كبيروت خاصة بناء الميناء، ناهيك عن شراء القمح الذي احترق في الميناء.
وتتعلق بعض أولويات الإغاثة الإنسانية بالصحة والمأوى والأمن الغذائي وإعادة تأهيل المدارس.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 300 ألف شخص باتوا بلا مأوى نتيجة انفجار مرفأ بيروت. كما تضررت حوالي 120 مدرسة تخدم حوالي 50 ألف طالب في البلاد.
ومن مقر إقامته الصيفية في بريغانسون في جنوب فرنسا، أعلن ماكرون في مستهل المؤتمر "يجب التحرك سريعاً وبفعالية لتصل هذه المساعدات مباشرة وبشفافية على الأرض إلى السكان".
وشدد الرئيس الفرنسي على ضرورة أن يكون المجتمع الدولي "موحداً" بالرغم من "الظروف الجيوسياسية" المحيطة بلبنان. وقال إنه ينتظر من تركيا، "التي لم تتمكن من الانضمام إلى هذا المؤتمر" وروسيا، أن تقدما دعمهما، كما إسرائيل "التي أعربت عن رغبتها في المساعدة".
وقال ماكرون إن المساعدة الدولية الطارئة ترتكز على أربع أولويات هي الصحة والغذاء – الذي كان جزء كبير منه في المرفأ – وكذلك ترميم المدارس المتضررة وإعادة بناء البيوت المهدمة.
وبخصوص مخاطر الانهيار، حثَّ ماكرون السلطات اللبنانية على "التحرك لتجنيب البلاد الغرق واستجابة التطلعات التي يعبر عنها الشعب اللبناني حالياً بشكل مشروع في شوارع بيروت".
وقال: "علينا أن نفعل جميعاً ما أمكن لكي لا يهيمن العنف والفوضى" على المشهد في لبنان.
وتحدث عن "قوى" لديها "مصلحة في هذا الانقسام والفوضى"، في إشارة على ما يبدو إلى إيران، لكنه شدد على أهمية "وحدة" المجتمع الدولي.
كيف ستصل التبرعات؟
بينما رفض الرئيس اللبناني ميشال عون أي تحقيق دولي في الانفجار المدمر، مؤكداً أنه قد يكون نجم عن إهمال أو صاروخ، فإنه طلب من باريس المساعدة في التصوير الجوي لحظة الانفجار.
وقال الرئيس اللبناني إن "المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية مرفأ بيروت الهدف منها تضييع الوقت"، فيما ترى باريس أن "هناك ما يكفي من العناصر الموضوعية للتفكير بأنه انفجار عرضي".
وشددت الدول المانحة في البيان الختامي مؤتمر المانحين للبنان على وجوب إيصال المساعدات بشكل "مباشر" إلى الشعب اللبناني وفي إطار من"الشفافية".
وقال ماكرون، أحد منتقدي الفساد في لبنان، خلال القمة الافتراضية، إن التبرع لن يكون "شيكاً على بياض"، الذين يندد المواطنون بفسادهم وإهمالهم فيما البلد غارق بأزمة اقتصادية خطيرة منذ أشهر.
وهو أمر ردده صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بمراجعة حسابات مصرف لبنان قبل تسليم الأموال.
وكانت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، قد صرّحت عن استعداد الصندوق لمضاعفة جهوده في دعم لبنان، شرط أن يوحد أهدافه وتتحد المؤسسات لتنفيذ الإصلاحات، ويتحمل الديون ويفي بالتزاماته.
وأشار ممثلو ثلاثين بلداً في بيان صدر في ختام المؤتمر إلى أن "المشاركين توافقوا على وجوب أن تكون مساعدتهم منسقة في شكل جيد برعاية الأمم المتحدة، على أن تقدم مباشرة إلى الشعب اللبناني مع أكبر قدر من الفاعلية والشفافية".
كما يبدو أنه سيكون هناك دور للمجتمع المدني في توزيع المساعدات.
من جهته، حض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكومة اللبنانية على إجراء تحقيق "كامل وشفاف" في انفجار مرفأ بيروت، بحسب بيان للبيت الأبيض عن مشاركته في المؤتمر. وأضاف البيت الأبيض أن "الرئيس ترامب أعاد تأكيد استعداد ورغبة الولايات المتحدة في مواصلة توفير المساعدة لشعب لبنان".
وتمثل في هذا المؤتمر نحو 30 دولة. ويحضره أيضاً رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال، كما مدراء منظمات دولية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والصليب الأحمر.
مساعدة أم وصاية دولية جديدة؟
إضافة إلى أن المؤتمر لم يكن بالسخاء المتوقع خاصة بعد كلمات الرئيس الفرنسي الحماسية خلال زيارته لبيروت.
إلا أنه من الواضح أنه سيكون مدخلاً لمزيد من الوصاية الدولية على لبنان.
وصاية استهلها ماكرون عبر اجتماعه مع القادة اللبنانيين وتوعده بالعودة مجدداً لرؤية ما تم تطبيقه من شروطه.
وكان لافتاً حديث ماكرون عن صياغة ميثاق لبناني جديد، ميثاق لا يبدو أنه سيحاول إنهاء النظام الطائفي في البلاد، بقدر ما سيعزز التدخل الدولي فيه، عبر محاولة تقليل هيمنة حزب الله دون إنهائها، مع إدخال متغير جديد في الساحة اللبنانية هو قوى المجتمع المدني.
وقال مصدر دبلوماسي لـ"الحدث" إن ماكرون أمهل القوى السياسية اللبنانية 3 أسابيع للتوصل إلى ميثاق سياسي جديد.
واللافت أن الرئيس عون الذي يعتبر نفسه دوماً المدافع عن السياسة اللبنانية قال إنه اقترح تقسيم المناطق المتضررة وإشراف كل دولة فيما يتعلق بعملية الإعمار على منطقة، متعهداً بأن بيروت ستعود أجمل مما كانت.
وأفادت تقارير بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هدد بفرض عقوبات على شخصيات لبنانية تشمل حجز أموال في الخارج وعدم إصدار تأشيرات.
وأشار مصدر دبلوماسي إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هدَّد بأن العقوبات ستطال شخصيات مسيحية وسُنية وليس فقط شيعية، وفهم أن من ضمنها النائب جبران باسيل.
وأضافت المصادر للعربية أن هناك عقوبات على شخصيات لبنانية تشمل عدم إصدار تأشيرات كما حجز أموال في الخارج.