"النظام اللبناني أقوى نظام في العالم"، كان هذا وصف سياسي لبناني ناقم على النظام الذي ينتمي إليه، ولكن هل أصبحنا على موعد مع تغيير النظام في لبنان بعدما بلغ السيل الزبى، بعد أن أصبحت البلاد في أسوأ وضع بتاريخها.
فهل تؤدي استقالة حكومة حسان دياب المحتملة إلى تغيير في النظام اللبناني؟ وهل تصل الأمور إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة، تفضي إلى تغيير النظام؟
أفادت تقارير بأن "حزب الله" حاول إغلاق الطريق على مقترح لاستقالة الحكومة اللبنانية، ولكنه لم ينجح.
وشارك رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، في الاتصالات لإثناء الحكومة عن الاستقالة التي رفضها أيضاً "تيار المردة".
دعوات للاستقالة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة
وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قد دعا أمس الأحد، إلى استقالة الحكومة اللبنانية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
ولكن يبدو أن قوى 14 آذار تحاول استغلال الموقف وعدم الاقتصار على استقالة الحكومة.
إذ طالب سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، أحد خصوم حزب الله الرئيسين، بإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وقال النائب أكرم شهيب، عضو "اللقاء الديمقراطي" الذي يقوده الزعيم الدزري وليد جنبلاط، إن "التشاور جارٍ حول كل ما يخدم إجراء انتخابات نيابية مبكرة"، معتبراً أن "استقالة الحكومة مطلب فوري لإعادة إنتاج سلطة جديدة في البلاد"، مشددين على ضرورة "أن يتولى التحقيق في الانفجار خبراء دوليون موثوقون، ولا ثقة لنا بأي لجنة محلية في لبنان".
ويبدو أن الحكومة حاولت استباق مسألة التحقيق الدولي، إذ أفادت قناة LBCI اللبنانية بـ"اتخاذ قرار بإحالة قضية انفجار المرفأ في بيروت إلى المجلس العدلي بناءً على اقتراح وزيرة العدل ماري كلود نجم".
وأمام مسلسل الاستقالات البرلمانية تقول مصادر مقربة من تيار المستقبل لـ"عربي بوست"، إن سعد الحريري، رئيس التيار، التقى على هامش اجتماع قصر الصنوبر مع ماكرون، رئيسَ حزب القوات اللبنانية، واتفق الطرفان على التواصل. وعقب الاجتماع دار اتصال بين الجانبين للتنسيق حول استقالة جماعية من البرلمان لتكون إعلاناً لسقوط العهد الرئاسي وإحراجاً لميشال عون وجبران باسيل وتحميلهما مسؤولية الكارثة اللبنانية.
ويقول المصدر إن الحريري يتواصل مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط؛ لتنسيق الاستقالة معاً، وإن جنبلاط متحمس لها، لكنه يريد الاطمئنان إلى أن الاستقالة ستجرُّ استقالات أخرى؛ كي لا ينفرد حزب الله والتيار الوطني الحر بالبرلمان والحكم، فيما تؤكد مصادر بحزب القوات أن "الاستقالات ستشمل كتلاً أخرى ستلحق بنا في حال توافقنا على الاستقالة".
وقال وزير السياحة السابق ميشال فرعون، المقرب لتيار المستقبل، إن "هناك مأساة كبيرة جدّاً لا يمكن أن يعالجها إلا المجتمع الدولي، لأن الدولة غائبة كليّاً، فلا شفافية ولا إعلان عن كيفية وصول المساعدات، ونسمع أنهم لا يريدون أن تصل هذه المساعدات إلى المجتمع المدني"، "والمطلوب اتفاق سياسي وتطبيق خارطة الطريق التي طرحها ماكرون، ليس فقط انتخابات نيابيّة مبكرة".
وفي تصعيد خطير من قِبل تيار جنبلاط، قال عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب والوزير السابق المقرب له وائل أبو فاعور: "رئيس الوزراء حسان دياب وزمرته الحاقدة لا يستحقون شرف الاستقالة، بل الإسقاط في مجلس النواب أو الشارع".
وقال: "إنه في كل الحالات، الاستقالة لا توقف الملاحقة القضائية لكل من سَبق هذه الحكومة، وصولاً إليها وإلى راعيها الأكبر القوي".
وذكرت قناة "إل بي سي" اللبنانية أن "رئيس مجلس النواب نبيه بري (حليف حزب الله) مصرٌّ على مساءلة الحكومة في جلسة الخميس، وكل الاتصالات تتمحور حول هذه المساءلة، والتواصل بين حزب الله وأمل متواصل".
كما أكدت القناة أن "مكونات الحكومة تَعتبر أن دعوة دياب إلى انتخابات نيابية مبكرة وإلى مشروع قانون تقدّمه الحكومة لتقصير ولاية المجلس من دون تنسيق الموقف مع عون أو بري، تخطت كل الأصول المعمول بها في لبنان".
كيف سيتم تشكيل الحكومة الجديدة؟ وهل ستكون هناك انتخابات مبكرة؟
بينما تحاول قوى 14 آذار الدفع باتجاه انتخابات نيابية مبكرة، أفادت مصادر لـ"عربي بوست"، في تقرير سابق، بأن ماكرون قدم خلال زيارته للبنان منذ أيام، عقداً سياسياً جديداً يهدف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري، يشارك فيها الأطراف جميعاً باستثناء الوزير جبران باسيل، على أن يسمي وزراء من تياره وأن يسمي حزب الله حصته من مقربين منه.
وتنص المبادرة على أن تعمل الحكومة على الموافقة على لجنة تحقيق دولية بانفجار المرفأ، كما تنص على الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة؛ لإنتاج طبقة سياسية جديدة تضمن مشاركة قوى الثورة والحراك بشكل واسع.
لكن ما ترفضه واشنطن هو حكومة الوحدة الوطنية، حيث تطرح حكومةَ مستقلين برئاسة السفير نواف سلام أو غيره، على ألا يشارك فيها أي طرف سياسي، وتحديداً التيار الوطني الحر وحزب الله.
ومن المتوقع أن تسعى واشنطن لتحقيق هدفها الرئيسي وهو تقليم أظافر حزب الله، وبينما قد يقبل الحزب ألا يشارك في الحكومة، ولكن لن يقبل تهميشه أو تهميش حلفائه، أو فتح الباب للمساس بسلاحه.
وأمام هذه الضغوط، يحاول الحزب التنفيس في جهة أخرى عبر إبداء مرونة في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
وعلى هذه الشروط المسبقة يصل مساعد وزير الخارجية الأمريكي، ديفيد هيل، إلى بيروت الخميس؛ لمناقشة ملفات أساسية؛ على رأسها ترسيم الحدود البرية والبحرية، فيما يعمل حزب الله أيضاً بدوره على كسب الوقت، عارضاً التفاوض على إنهاء ملف ترسيم الحدود.
لذا أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الجمهورية ميشال عون، أن ملف الترسيم صار في خواتيمه، وسيتابع هيل ملف صلاحيات قوات اليونيفيل والصواريخ الدقيقة لحزب الله، وكيفية العمل على ملف سحب فتيل الأزمة عبر بدء التفاوض حول السلاح.
بعد كل ذلك هل يتم تغيير النظام في لبنان؟
من الواضح أن الهدف المعلن من كل هذه التحركات هو نوع من أنواع تغيير النظام اللبناني، ولكن كل طرف له هدف.
بالنسبة لقوى 8 آذار، خاصةً حزب الله والتيار الوطني الحر، فإن الهدف هو الخروج من الأزمة بأقل الخسائر، عبر استمرار هيمنتهم على الحكم حتى لو تم التخلي عن الحقائب الوزارية، مع الحصول على تمويل لإنقاذ البلاد إلى حين العودة إلى ما كان عليه الوضع في السابق.
يريد حزب الله استمرار نفوذه الأمني ونفوذ حلفائه السياسي.
أما التيار الوطني الحر فيريد ضمان كرسي الرئاسة في يد عون (والذي لم تتم الإشارة له إلا من قِبل المتظاهرين)، واستمرار نفوذ جبران باسيل لتحقيق حلمه بخلافة والد زوجته عون في الرئاسة.
بالنسبة لتيار المستقبل، وقوى 14 آذار عامة، فإنها تريد الانتقام من حزب الله وقوى 8 آذار، والعودة إلى السلطة بدعم دولي وعبر انتخابات تُعقد وفقاً لشروطٍ أفضل لها، على أن تقدم نفسها للناخبين على أنها تمثل المعارضة وتتملص من أخطاء العهد، وتتبرأ من دورها في السلطة لسنوات.
بالنسبة للولايات المتحدة، فهدفها الأساسي هو إضعاف سيطرة حزب الله أي كان الثمن، في إطار ملاحقة نفوذ إيران وتحقيق أمن إسرائيل.
أما فرنسا فتحاول تقوية حلفائها، خاصةً تيار المستقبل، مع الحفاظ على وضع المسيحيين عامة في البلاد، ومراعاة استحالة استبعاد الشيعة، ومن ضمنهم حزب الله، من المعادلة تماماً.
كما تسعى باريس إلى إدخال ما يُعرف بقوى المجتمع المدني إلى المعادلة، والتي يبدو أن باريس تحاول أن تخلق منهم حليفاً جديداً لها ذا وضع أنيق، وبما يسمح بتبييض وجه النظام السياسي الذي وُضعت أسسه قبل مئة عام، بما يسمح بجلب مساعدات المانحين الدوليين، مع استبعاد شبح أي نفوذ تركي صاعد، من جراء سخط السُّنة على تيار المستقبل.
ولكن واقع لبنان يفيد بأن أي انتخابات نيابية لن تؤدي إلى تغيير سياسي كبير، إلا إذا تم تغيير قانون الانتخابات ليصبح أقل طائفيةً، وهو أمر أول المعترضين عليه سيكون المسيحيون، لأن وزنهم السكاني أقل من حصتهم النيابية، إضافة إلى أن تغيير قانون الانتخابات يُدخل البلاد في جدال عقيم معتاد.
وافتراض أنَّ قوى المجتمع المدني تستطيع أن تكون رقماً في الانتخابات أمر صعب، خاصة إذا لم يتم تطبيق نظام "لبنان كله دائرة واحدة" (في هذه الحالة لو استطاعت هذه القوى أن تحصل على 20% من الأصوات تنال خُمس البرلمان)، والمسيحيون أول المعترضين على هذه الفكرة.
كما أن أي انتخابات نيابية تؤدي إلى خروج 8 آذار من السلطة ستجعل الحكومة مهددة بعدم الميثاقية، الأهم أنها لن تستطيع إحداث تغييرات كبيرة على الأرض، في ظل نفوذ حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، المتفشي في أروقة الدولة والمجتمع.
وكثير من حكومات 14 آذار السابقة لم تستطع إحداث تغيير يُذكر في البلاد، وعندما حاولت حكومة رئيس كتلة تيار المستقبل، فؤاد السنيورة، إحداث تغيير أمني يمس حزب الله ردَّ الحزب وحركة أمل باقتحام بيروت ومناطق الدروز في الجبل، فيما يُعرف بأحداث 7 مايو/أيار 2008.
وعلى ما يبدو فإن أفضل سيناريو للتغيير في لبنان، هو تغيير شكلي يقلل من النفوذ الظاهري لحزب الله والتيار الوطني، وعودة 14 آذار إلى السلطة؛ للسماح بجلب تمويل خارجي ينقذ البلاد، فيما يمكن أن نسميه تدوير النخب.
ولكن التركيبة الاجتماعية المعقدة للبلاد تجعل أغلب كتل السكان تصوِّت طائفياً، مهما امتلأت ساحات الاحتجاجات بالمتظاهرين الذين يسبُّون قادة الطوائف.
فالساحات امتلأت على مدار الأعوام السابقة مراراً، ولكن لم يتجرم ذلك إلى أصوات في الانتخابات، كما أن المجتمع المدني بأناشيده الجميلة التي يصدح بها في هذه الساحات لم يظهر منه قادة أو تجمعات بديلة.
كما أن التركيبة المعقدة والمتقلبة للنظام (حيث تتداخل السلطات بطريقة تضيّع المسؤولية) تجعل كل طرفٍ قادراً، أمام جمهوره على الأقل، على التنصل من المسؤولية، كما حدث في تفجير الميناء، حيث سارعت الحكومة والرئاسة للتبرؤ مما حدث، وتحميله للحكومات السابقة.