هل يتراجع ترامب عن الانخراط في الملف الليبي رغم أنه مسؤول جزئياً عن الفوضى؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/08/09 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/09 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
خسارة ترامب كابوس لحفتر

بعد أن ساهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في سكب مزيد من البنزين على النيران المشتعلة في ليبيا برضوخه لمناشدات حلفائه الداعمين لخليفة حفتر وإجراء تلك المكالمة الهاتفية الشهيرة، عاد ترامب وحاول وقف النفوذ الروسي في خاصرة أوروبا الجنوبية، لكن هل تجبره الانتخابات على التخلي عن الملف برمَّته الآن؟

شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "ترامب يتراجع عن توريط نفسه في الحرب الأهلية الدموية في ليبيا"، تناول الفوضى التي تسبب فيها ترامب ومحاولته الأخيرة التدخل مرة أخرى دبلوماسياً، ثم المؤشرات على تراجعه عن التدخل بالكلية.

البقاء خارج المعمعة

في الوقت الذي تهرع فيه عديد من الدول لمساعدة الفصائل المتناحرة في ليبيا، وجد ترامب نفسه عالقاً وسط مجموعة من الرجال الأقوياء، الذين شكَّل علاقات وثيقة معهم خلال فترة رئاسته؛ وهو ما دفعه لتفضيل البقاء خارج المعمعة وتركهم يدبرون أمورهم بأنفسهم. 

قوات تابعة لحكومة الوفاق على تخوم مدينة سرت/ رويترز

وقال عديد من المسؤولين الأجانب والأمريكيين، لشبكة CNN، إنَّ المناشدات الأخيرة من قادة تركيا ومصر وآخرين لترامب للانخراط في الصراع لم تلقَ آذاناً صاغية، وكان البيت الأبيض في عهد ترامب قد أبدى اهتماماً نشطاً بالصراع في عام 2019، إذ تواصل مع الجنرال خليفة حفتر، أمير الحرب الذي قاد هجوماً ضد حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، لكن في الأشهر الأخيرة، تغيّر موقف الرئيس، وقال ترامب لهؤلاء القادة إنه يفضِّل عدم التورط في صراع فوضوي آخر بالشرق الأوسط.

وعلى وجه الخصوص، عمِل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على إقناع ترامب بالمشاركة دبلوماسياً والضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتراجع عن أهدافه الخاصة في البلاد، وقال هؤلاء المسؤولون إنَّ ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان، وولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، حاولا التأثير في ترامب أيضاً.

وكشف المسؤولون أنَّ ترامب أخبر هؤلاء القادة جميعاً بأنه يفضل تجنب التورط في الحرب الليبية قبيل الانتخابات الرئاسية، خاصةً أنَّ كثيراً من القضايا الداخلية تُثقِل كاهله، وحثَّهم على تسوية المسألة بأنفسهم.       

أردوغان يتصل بترامب باستمرار

قال مسؤول أمريكي-تركي، إنَّ أردوغان "يتصل باستمرار بالرئيس" ترامب؛ لحمله على الضغط على روسيا للتراجع عن موقفها، وأشار المسؤولون إلى أنَّ الحكومتين لا تقدمان دائماً موجزات لفحوى تلك المكالمات.

الرئيس الأمريكي ترامب ومستشاره روبرت أوبراين/رويترز

ويتمتع ترامب بعلاقات مع زعماء الدول المنخرطة في الصراع الليبي، وضمن ذلك بوتين والسيسي وأردوغان، وحتى مع تزايد احتمالات نشوب حرب في ليبيا، لم يسعَ ترامب لإقناع أيٍّ من حلفائه بالتراجع عن حافة صراع شامل، وقال مسؤول أمريكي: "يخبرهم الرئيس عادة: افعلوا ما تشاؤون؛ فأنا لن أُملي عليكم أفعالكم".

ويأتي دعم روسيا وتركيا لأطراف متعارضة في الحرب الأهلية الليبية كجزء من المنافسة على فرص الاستثمار المستقبلية، ومن ضمنها عقود نفط بمليارات الدولارات، في الدولة الغنية بالنفط، وإلى جانب ذلك، أبدت فرنسا واليونان ودول أوروبية أخرى اهتماماً بالصراع المتصاعد على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط​، محذرة من أنَّ مشاركة روسيا تشير إلى اهتمامها بترسيخ وجود قوي على أعتاب أوروبا الجنوبية.

ومع احتدام الصراع، شاركت وزارة الخارجية الأمريكية في بعض المحادثات بشأن مستقبل ليبيا، وشارك وزير الخارجية مايك بومبيو، هذا العام، في قمة ليبيا التي استضافتها برلين، والتي وضعت خلالها دولٌ، من بينها فرنسا وروسيا وتركيا، خطة لوقف إطلاق النار- فشل تنفيذها في النهاية- ودعت إلى إنهاء العنف، على الرغم من دعمها الخفي للفصائل المتناحرة هناك.

رسائل متضاربة

ويتهم البعض واشنطن بإرباك الموقف من خلال إرسال رسائل متضاربة، إذ قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية ومسؤولان سعوديان، إنَّ قادة المملكة العربية السعودية ومصر نجحوا تحت قيادة مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، في الضغط على ترامب لتغيير السياسة الأمريكية في ليبيا والتواصل مع حفتر، وحث بن سلمان والسيسي في مصر ترامب على دعم حفتر. ووافق ترامب على ذلك وتواصل مع حفتر في أبريل/نيسان 2019؛ لمناقشة "رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر"، حسبما ذكر البيت الأبيض، وأجرى بولتون محادثة منفصلة مع حفتر خلال فترة ولايته.

خلافات كثيرة على تقسيم عائدات النفط في ليبيا – رويترز

وشكَّلت هذه المحادثات تحوُّلاً بارزاً في موقف واشنطن، التي كانت، حتى تلك اللحظة، تدعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة دعماً قاطعاً، وتعاونت معها في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

وقال مسؤولون لشبكة CNN، إنَّ بولتون وآخرين في دائرته أقنعوا البيت الأبيض بأنَّ الرهان على حفتر، الذي تعهد بالقضاء على الإسلامويين الذين سيطروا على ليبيا في حقبة ما بعد القذافي، واعدٌ أكثر من أية وجهة نظر أخرى لوزارة الخارجية الأمريكية، التي وصفها أحد المسؤولين بأنها "تميل كثيراً إلى معسكر تركيا، لكن ترى في الوقت نفسه روسيا طرفاً سيئاً".

ويوم الثلاثاء 4 أغسطس/آب، قال مستشار الأمن القومي لترامب، روبرت أوبراين، في بيان، إنَّ الولايات المتحدة تعارض بشدةٍ "التدخل العسكري الأجنبي، وضمن ذلك استخدام المرتزقة والمتعاقدين العسكريين الخاصين، من جانب أي طرف"، من دون أن يذكر روسيا أو أية دولة أو جهات فاعلة أخرى بالاسم.

ثم أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية، يوم الخميس 6 أغسطس/آب، فرض عقوبات على أفراد قال إنهم ساهموا في زعزعة الاستقرار بليبيا من خلال التهريب. بيد أنه في نهاية المطاف، شدَّد أوبراين على أنَّ الولايات المتحدة "طرف فاعل ولكنه محايد" في الصراع الليبي، مشيراً في بيانه، إلى أنه "من الواضح أنه لا يوجد جانب رابح".

تحميل المزيد