مَن لم يهدم الانفجار بيته جعله آيلاً للانهيار.. سكان بيروت يبحثون عن المأوى وعن الحكومة أيضاً

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/08 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/08 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
انفجار لبنان شرد الكثير من الأسر وجعلهم بين المستشفيات والعراء/ رويترز

دمار وخراب وفوضى تحيط بمناطق السكان الواقعة في حيز انفجار بيروت العظيم،

يتزاحم الناس حول أبنيهم المهدمة والمهدّدة بالانهيار، حيث لا قدرة على التفرقة بين المشرّدين ومقدمي المساعدات.

فما زالت آثار الانفجار موجودة في كل شبر من أرض بيروت، لا سيما المناطق القريبة من المرفأ الذي ذابت ملامحه بين الحطام، فسكان المنطقة لم يتأقلموا بعد مع الصدمة، ولا يدرون إلى أين سيذهبون، وما مصير منازلهم التي دمرها الانفجار، وما تفلت منه بات آيلاً للانهيار، وإعادة إعماره ستكلف الكثير من الوقت والمال.

بعد أيام من الانفجار الذي وقع في الرابع من آب/أغسطس 2020 في مرفأ بيروت الناتج عن اشتعال النيران في 2700 طن من نترات الأمونيوم، وبعد الانتهاء من عملية إنقاذ الجرحى من تحت الأنقاض، عاد السكان في منطقتي الجمّيزة ومار مخايل في بيروت ليتفقدوا منازلهم المحطمة.

سكان يودّعون منازلهم 

وسط الرّكام وصل جورج غلام إلى بيته الكائن خلف مدخل صغير، أتاه وقد اختفت ملامحه الخارجية والداخلية من شدة الانفجار، فقد كانت زوجة غلام وحدها بالمنزل وقت وقوع الانفجار.

أتت ابنة غلام لتحاول ترتيب الأغراض المتبعثرة وإعادة أقصى ما يمكن من المكان ولكن دون جدوى، تروي الابنة شيئاً مما حدث والدموع في عينها: "كل شيء راح، هذا المنزل لم يعد صالحاً للسكن، فقوّات الدفاع المدني تأتي بين الحين والآخر وتدعونا لمغادرة المنزل بسرعة خوفاً من انهياره فوق رؤوسنا في أي لحظة".

والدة غلام تعاني من أمراض عديدة، وهي بحاجة إلى جهاز التنفس بشكل مستمر، يقول جورج، ويواصل: "لذا هي تسكن بالقرب من مستشفى الرّوم لتتمكن من الذهاب إلى المستشفى فور حدوث أي حال حصل أي شيء طارئ".

لكن الأم انتقلت لتعيش عند ابنتها وهي تقيم عندها إلى حين تحسّن الأحوال، أما ابنة غلام فتؤكد أن والدتها لا تستطيع أن تستمر عندها لفترة طويلة فلا توجد مستشفيات في محيط منزلها لا يوجد أي مستشفى، ومنزل شقيقتها الذي يبعد أمتاراً قليلة عن والدتها، أصبح أيضاً في خبر كان.

زاد الانفجار من أوجاع اللبنانيين وحسرتهم على أوضاعهم الصعبة

بين المستشفيات والمنازل

خرج بعض اللبنانيين لبضع ساعات من منازلهم لقضاء بعض المصالح اليومية، لكن الانفجار غيّر كل شيء في غيابهم، فقد عادوا ليروا منازلهم لم تعد صالحة للسكن، وجدوا ذويهم ومن يحبّون قد نقلوا إلى المستشفيات متأثرين بجروح عديدة فتشتتوا بين مصيبتين، بين البقاء مع أقاربهم بالمستشفيات وبين إزالة آثار الدمار الذي لحق بمنزلهم جراء الانفجار.

واحدة من هؤلاء، سيّدة لبنانية غاضبة وحزينة وهول الصدمة ظاهر في ملامحها، رفضت أن نذكر اسمها، لكنها قالت لـ"عربي بوست": "زوجي بالمستشفى، ومنزلي لم يعد يصلح للسكن ولا أدري ماذا أفعل"، وأكدت هذه السيّدة أنه لولا مساعدات الجمعيات والمواطنين لما تمكّنت من إزالة آثار الدمار الذي لحق بمنزلها.

هي الآن بانتظار الدفاع المدني والجهات المعنية لمعاينة المنزل وتقرير ما إذا كان منزلها صالحاً للسكن أم سيُهدم، وبالرغم من أنها تعيش عند ابنتها في هذه الفترة، فإنها تخشى أن يستمر الوضع فترة طويلة، خصوصاً أن الدولة في سبات عميق، على حد وصفها.

السكان في المستشفيات

في حيّ آخر قصص أبنية مدمّرة ولكن دون سكان، أصوات الزجاج وهي تنظّف من الرصيف والأبنية كالسمفونية، أحد المباني -بحسب ما قالته شاهدة عيان تمتلك محلّاً تجارياً في المبنى الواقع في الجمّيزة- أصبح خالياً تماماً من السّكان، لم ينتقلوا للسكن عن أقاربهم بل أصيبوا جميعاً في الانفجار فذهبوا يتلقون العلاج المناسب في المستشفيات.

وقالت شاهدة العيان: "لم يبقَ شيء هنا، لا أعلم ماذا سيفعل السكان عندما يغادرون المستشفى وإلى أين سيذهبون في ظل وجود هذا الخراب".

حول الانفجار منازل سكان بيروت إلى حطام لا يصلح للمعيشة

الشارع مأواهم إلى حين

كذلك في منطقة الأشرفية حيث المنطقة أصبحت أشبه بجزيرة مهجورة، هبطت جدرانها وتساقطت أبنيتها السكنية، وصار السكان في هذه المنطقة يعيشون على الرّكام ويتكئون على جدران مسنودة على جدران أخرى كي لا تُدمّر منازلهم ويبقوا على قيد الحياة.

رجل كبير في السّن وُجد على الشارع وهو يقطن هناك منذ الانفجار، رفض الكشف عن هويته خوفاً من أن يحرم من المساعدات. لا أثر لمنزله بعد الكارثة التي وقعت، كل ما بقي له من الحطام، كرسيّ وغطاء يتلحف به ليلاً عن النوم.

 الشيب في رأسه وحده يروي حجم الضرر والمأساة التي عاشها هذا الرجل الستيني، والآن يعتمد على بعض الجمعيات التي وعدته بالمساعدات وتأمين مأوى له لحين إعادة ترميم منزله.

"لم أعد أمتلك شيئاً، حتى المأوى الوحيد لديّ لم يعد موجوداً"، هكذا عبّر عاطل عن العمل عن أنه يعيش حياته يوماً بيوم وينعى أن الدولة لم تكلّف نفسها بزيارة للمساعدة ولو معنوية.

لا يريد هذا الرجل أي شيء، فقط يريد أن يعيش بما تبقّى من عمره بكرامة في بلده، الذي لم يقدم له شيئاً حتى الآن، أو أن يرحل عن الدنيا، حسب قوله،

المأوى البديل منكوب!

كان من المفترض أن تفتح الفنادق أبوابها للذين لا مأوى لهم بعد وقوع الكارثة، وبحسب نقيب أصحاب الفنادق فإن قرابة 91% من الفنادق في بيروت متضرّرة من الانفجار، وقد بقي فيها من كان نزيلاً من قبل الانفجار.

أما الفنادق خارج المدينة، فالبعض منها استقبل المواطنين حسب قدرته، حتى أن فندقاً في منطقة الأرز أعلن أنه سيرحّب بمن دُمّرت بيوتهم وعلى نفقة الفندق مع تأمين الطعام لهم.

كورونا ما زال حاضراً

بعد النكبة الكبيرة، نسي الناس كورونا وعوارضه وخطورته، أصبحوا في الشوارع إما ينظّفون بقايا حطام منازلهم المهدمة أو يساعدون بعضهم بعضاً أو يعيشون غير مكترثين بفيروس يعتبرونه أقلّ ضرراً مما أصابهم.

في الشارع والأحياء يكتفي السكان بالكمامة، أما المسافة الآمنة فلا مجال لها مع هذا الاكتظاظ في محاولة لتنظيف الشوارع والمباني المتضرّرة.

في المحصّلة، وسط هذا الخراب في العاصمة المنكوبة بيروت، ترك العديد من سكانها دون سكن، وإن كانت الأبنية ما زالت في مكانها فهي مهدّدة بالانهيار في أي وقت.

لم يعد الناس يكترثون بكورونا ولا لا بغيره، فهم يعتبرون الأوضاع الراهنة أخطر مرض، ومع غياب الدولة بشكل كلّي بعد وقوع الكارثة على رؤوس المواطنين، بات الأهالي يرددون عند كل سؤال مقولتهم المشهورة: "الله لا يوفّقهن، كلّن يعني كلّن".

تحميل المزيد