يعيش اللبنانيون أوضاعاً صعبة لم تمر عليهم منذ الحرب الأهلية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، فمنذ فترة والأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على حياة اللبنانيين وازدادت معاناتهم أمام شح الدخل وجفاف السيولة المالية.
وهو ما دفعهم إلى تأسيس مجموعات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي– أشهرها "لبنان يقايض"- لمقايضة ملابسهم وأغراضهم بالمواد الغذائية أو بأغراض أخرى لم يكن من الصعب اقتناؤها لولا صعوبة الوضع الاقتصادي وانهيار العملة أمام الدولار في بلد يستورد طعامه وشرابه.
كل ذلك كان يمر- على مضض- قبل وقوع انفجار مرفأ بيروت الكارثي قبل يومين، بسبب تخزين شحنة كبيرة من نترات الأمونيوم القابلة للانفجار.
هذا الانفجار الذي سمَّته وسائل الإعلام "هيروشيما لبنان" وما خلَّفه من دمار واسع على كل الأصعدة، وبالأخص مخزون لبنان من الأغذية الذي كان أكثر من 70% منه بمنطقة الانفجار، أغلق باب الأمل في وجه اللبنانيين في أن تتحسن أوضاعهم ولو بقدر يسير.
وهو ما زاد الأمر صعوبةً على فقراء لبنان الذين هرعوا بكثافة أكبر مما سبق، إلى مجموعات المبادلة والمقايضة، بحثاً عن علبة حليب للأطفال أو بعض الأغذية الجافة كالأُرز والعدس والبقوليات الأخرى والمعلبات.
فهذه سيدة تبحث عن مقايضة بكرسي طفلها الرضيع مقابل مروحتي هواء، لتغيثاها من حر الصيف وفاتورة كهرباء المكيفات.
وسيدة أخرى تعرض فستاناً تملكة أسرة فقيرة من طرابلس مقابل حصولها على زيت نباتي وسمن وأرز، وأخرى تعرض ساعة يد ذهبية اللون للمقايضة على زيت لقلي الطعام وكيس حليب معلب.
سيدة لبنانية أخرى تطلب نوعاً من الدواء وتركت تحديد المقابل للشخص الذي يوفره لها، وهذا شاب يهوى لعب الألعاب الإلكترونية يعرض لعبة إلكترونية تبدو لعلامة تجارية غالية الثمن، ويقايضها بكيس حليب وكيس حفاضات أطفال.
وهذا شخص آخر يطلب لعبة إلكترونية مقابل أن يمنح صاحبها كمية من الحليب وكرسي هزاز، وفي المقابل سيدة تعرض كرسياً مخصصاً للأطفال الرُّضع، مقابل الحصول على كيس حفاضات أطفال وحصة غذائية.
رجل لبناني آخر يعرض زجاجة عطر تبدو غالية الثمن، ويطلب مقابلها ثياباً لِبناته الأطفال، وسيدة أخرى تعرض حقيبتها الجلدية مقابل الحصول على أحذية، وسيدة غيرها تعرض مواد غذائية متنوعة مقابل قطعة غيار لسيارتها، وفي الإعلان نفسه يعرض رجلٌ كاميرته الخاصة مقابل 3 أكياس من حفاضات الأطفال وعلبة حليب.
كل هذه الأوضاع التي يعيشها اللبنانيون تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، خاصةً أن أبناء الطبقة فوق المتوسطة ممن يملكون مدخرات بالبنوك، لم يعد لديهم أمل في الحصول على أموالهم؛ بعدما امتنعت بعض البنوك عن صرف أية مدخرات؛ خشية الإفلاس.
وهنا تقول الباحثة في العلوم السياسية آية حسان، لـ"عربي بوست"، إنها كلبنانية ومن أسرة ميسورة، لم تعُد تثق بالغد في لبنان، وأنها تنتظر الأسوأ في كل لحظة تمر عليها، خصوصاً بعد وقوع الانفجار الذي اختصر فترة انزلاق لبنان إلى الهاوية الإقتصادية وثورة الجوع.
ومن زاوية الرؤية السياسية للوضع الراهن، ترى أن الدولة متهمة رئيسية في كل ما يجري للبلاد، ولا بد من وقفة لمحاسبة المسؤولين، خاصةً أن هناك فاسدين يلتفون على الشعب ويسرقون الإعانة التي تصل إليه، في أزمة إنسانية لم يسبق لها مثيل بلبنان.